بعد سقوطها في فخّ الرداءة والارتجال البرامج الرمضانية الجزائرية تتحوّل إلى مسخرة عربية تفاجأ المتتبّعون للشأن الدرامي في الجزائر بضحالة مستوى الأعمال المبرمجة خلال الشهر الفضيل وتحوّل موضة السهل الممتنع إلى سهل مملّ ومقرف، هذه الحقيقة سرعان ما تحوّلت إلى مادة دسمة لكبرى وسائل الإعلام العربية التي خصّصت جوانب مهمّة للسخرية من نوعية الأعمال الفنّية والدرامية التي تبثّها الفضائيات الخاصّة والعمومية. حاول بعض المسؤولين تعليل السقوط الحرّ للبرامج الرمضانية بتداعيات الأزمة المالية على الإنتاج الفنّي والدرامي. وفي السياق، نقلت (العرب) اللندنية عن مصادر مقرّبة من دائرة الإنتاج في التلفزيون الجزائري قولها إن تداعيات الأزمة المالية بدأت تلقي ظلالها على المؤسسة واضطرّتها إلى إعادة النظر في موازنة العديد من الأعمال بحجّة نقص الموارد المالية وقلّصت سلّم التعويضات بشكل ملحوظ على الأعمال المتّصلة بالإنتاج الفنّي والتلفزيوني، بينما توجّهت القنوات الخاصّة إلى رعاية ومساهمات القطاع الخاصّ في مختلف إنتاجاتها، الأمر الذي انعكس على نوعية الأعمال الدرامية المقترحة خلال هذا الشهر على المشاهد الجزائري. وأضافت المصادر أن إدارة المؤسسة أعادت النظر في تقييم موازنات الأعمال المنتجة وفي سلّم التعويضات المتعلّق بعمل فرق الإنتاج بداية من المخرج إلى غاية آخر متعاون، ومع ذلك يبقى التلفزيون العمومي يدفع أكثر مقارنة بالتلفزيونات الخاصّة التي تعاني من ضعف المداخيل، وهو ما انعكس حتما على نوعية الأعمال المنتجة وجدّيتها، الأمر الذي ساهم في إرساء المزيد من التهريج والعروض الباهتة بسبب شحّ الموارد المالية والممارسات الإقصائية واللوبيات التي تهيمن على دوائر الإنتاج الفنّي. ولم يظهر (الثراء والتنوّع) الذي وعد به المدير العام للتلفزيون الجزائري توفيق خلاّدي خلال كشفه عن الباقة التي أعدّها التلفزيون الحكومي بقنواته الخمس، ولم ترق منتوجات الأيّام الأولى إلى مستوى تطلّعات المشاهد والنقّاد الذين أكّدوا أنها لم تتماش مع المعطيات التي باتت تفرض نفسها في الساحة المحلّية بعد تحرير القطاع السمعي البصري. وجاء تكرار بثّ إدارة الإنتاج لمسلسل (عذراء الجبل) الذي يروي سيرة المناضلة التاريخية البربرية (لالّة فاطمة انسومر) المنتج منذ عدّة سنوات وأخرجه بلقاسم حجّاج وكتبه الكاتب والوزير الحالي عزّ الدين ميهوبي على القناة الرابعة ليؤكّد طائلة الشحّ المالي الذي يخيّم على (مملكة) شارع الشهداء وعلى حالة الفراغ الإنتاجي، بما أن الإدارة نفسها أجّلت إنتاج أعمال كانت مبرمجة خلال هذا الموسم رغم تعاقدها مع شركات إنتاج. وليست هذه المرّة الأولى التي تسخر فيها وسيلة إعلامية عربية أو عالمية من البرامج الرمضانية في الجزائر، حيث انتقدت قناة (العربية) مجمل البرامج الكوميدية المطروحة بما فيها مسلسل (عاشور العاشر) على قناة (الشروق تي في)، معتبرة أن هذا العمل سقط حتى في نسخ (الباروديا) وأبان بشكل واضح ضعف السيناريو والارتجال، سقطات جعلت البطل الرئيسي يسارع إلى تقديم تصريحات استباقية تعبّر عن هذا الإخفاق (أنا متفائل ومتخوّف في نفس الوقت). كما انتقدت برامج هزلية وفكاهية في قناة (النهار لكي) الخاصّة التي فضّلت برأيها خوض رهانها مع الفكاهي الجزائري عبد القادر أرحمان المعروف ب (السيكتور) في سلسلة فكاهية تحمل اسم (قويدر والطيّب)، حيث لم ترق إلى المستوى المطلوب وغاب فيها الحسّ الفكاهي في العمل الذي حمل الكثير من الارتجال والضعف في السيناريو، كما اعتبرت المسلسل التلفزيوني (ما كانش مشكل) على قناة (الخبر كي بي سي) ويتناول قضايا المجتمع، قد غرق في السذاجة وحوّل المسلسل إلى ركح مسرح يحاول أن يضحك المشاهد فلا يقدر. وتبقى القنوات التلفزيونية في الجزائر، عمومية كانت أم خاصّة، مدعوة، حسب الروائي والإعلامي المتتبّع للشأن السينمائي علاّوة حاجي، إلى ترك الاستسهال والارتجال والإعداد للبرامج الرمضانية في ربع الساعة الأخير، كما يتوجّب عليها وضع حدّ للتعامل مع الدخلاء من المنتجين، والذين لا يرون في الإنتاج الفنّي -حسبه- إلاّ فرصة للربح المادي.