بين تصويم الأطفال وحفلات الختان مضت الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان وشرعنا في الأيام العشرة الثانية ونحن نبلغ اليوم منتصف رمضان أو كما يسمى (النصفية) تلك الليلة التي يوليها الجزائريون اهتماما بالغا وتقيم العائلات طقوسا احتفالية خاصة بهذه الليلة والتي تختلف من منطقة إلى أخرى. عتيقة مغوفل تتميز كل منطقة من الجزائر بأعراف وتقاليد خاصة تتجسد في العديد من المناسبات الدينية على غرار ليلة النصف من رمضان التي تحييها العائلات الجزائرية وقد حاولت (أخبار اليوم) الوقوف على بعض طقوس الاحتفال بها أكلات متنوعة وحلويات خاصة بالليلة حتى نتمكن من معرفة كيف يحيي العاصميون (نصفية) رمضان قمنا بزيارة إلى بيت خالتي (زينب) عجوز تبلغ من العمر 74 سنة والتي تسكن في القصبة منذ أن ولدت إلى يومنا هذا حتى عندما تزوجت لم تغادر الحي فقد بقيت فيه لأنها تزوجت من ابن الجيران قصدناها حتى تحكي لنا كيف كان يحيي العاصميون ليلة النصف من رمضان قديما فتبسمت وردت علينا قائلة: (بالنسبة لي شهر رمضان يفقد(بنته) سنة بعد أخرى فشتان بين رمضان زمان ورمضان السنوات الأخيرة ففي الماضي كنا نحيي الشهر في أجواء مميزة تسودها البهجة والسرور فالجيران كانوا يتسابقون في مختلف الأعمال الخيرية فقد كنا في الماضي نتبادل الأطباق بيننا فكل واحدة كانت تمنح جارتها من طبقها وتفعل الأخرى نفس الشيء أما في زماننا هذا فقد أصبحت الأنانية تخيم على القلوب فكل واحد أصبح لا يهتم بما يحدث خارج جدران بيته ولا يهتم حتى إن أكل جاره أم لا وهو ما جعل البركة تنتهي في هذا الزمن عدنا وسألنا خالتي (زينب) عن الطريقة التي كانوا يحيون بها ليلة النصف من رمضان فأجابتنا: (ما زلنا وإلى يومنا هذا نحيي ليلة النصف من رمضان وذلك من خلال أشياء كثيرة فأول ما نقوم بفعله خلال هذه الليلة أننا نعيد طبخ وجبة إفطار جديدة ولا نأكل أكلا من ليلة أمس فنعيد طبخ الشربة والبوراك والمثوم ولحم الحلو من جديد وكأننا في أول يوم من أيام الشهر كما أننا نعجن المطلوع أو خبز الدار بالإضافة إلى هذا فإننا نعد حلويات خاصة بالمناسبة فنقوم بتحضير (المقروط) أو(المحنشة) بالإضافة إلى (القطايف) بعد خالتي(زينب) قابلنا السيدة (فتيحة) التي تبلغ من العمر 56 عاما والتي تنحدر من منطقة القبائل الكبرى وبالتحديد من ولاية تيزي وزو قابلتنا هذه الأخيرة ب(سوق جامع ليهود) المعروف عند جميع سكان العاصمة والواقع أسفل القصبة إلا أن خالتي(فتيحة) تقطن في العاصمة منذ قرابة 20 عاما بعدما تنقل زوجها من مسقط رأسه إلى هنا بحكم عمله سألناها كيف يحيي سكان منطقة القبائل ليلة النصف من رمضان فردت علينا أنه يتم خلال هذه الليلة سكان المنطقة بطبخ طبق الكسكسي المرفوق بالمرق الأحمر والخضار كما أننا نقدمه مع اللبن البارد وكل سكان المنطقة يطبخون نفس الطبق خلال هذه الليلة لتردف السيدة(فتيحة) أن سكان ولاية بجاية يطبخون (تكربابين) وهو طبق تقليدي معروف عند جميع سكان المنطقة فرصة لتصويم الأطفال لأول مرة بعد أن قابلنا العنصر النسوي أردنا أن نعرف ماذا يعرف العنصر الرجالي عن الاحتفال بنصفية رمضان فتقربنا من السيد(برهان) صاحب طاولة لبيع الخضر والفواكه بسوق جامع ليهود وسألناه عن الطريقة التي تحيي بها عائلته ليلة النصف من رمضان فرد علينا هذا الأخير أنه يتذكر جيدا أن والدته كانت تقوم خلال هذه الليلة من الشهر المبارك بتصويم الطفل الذي يكون عمره ما بين 9 إلى 11 سنة أول مرة في حياته احتفالا بالمناسبة فتعد له أكلا خاصا به كما أنها تقوم بتحضير (الشربات) له والتي عادة ما تكون مكونة من ماء وسكر بالإضافة إلى عود من القرفة ثم تعد هذا المشروب حتى يبرد وتقدمه له ليضيف السيد(برهان) أن بعض الأمهات كنَ يقمنَ بتلبيس الطفل ملابس جديدة أو أخرى تقليدية على غرار الطربوش والبرنوس حتى يحس ذاك الطفل نفسه أنه مميز في تلك الليلة ليضيف السيد (برهان) أن زوجته ما زالت تحافظ على عادات الجدات ليومنا هذا وهو يتذكر جيدا كيف أنها قامت بتحضير وجبة إفطار خاصة بابنها أيمن الذي يبلغ من العمر 10 سنوات عندما صام لأول مرة في حياته كما ألبسته (شاشية) جده حتى تحسسه بالتميز كما أنها لم تكتف بذلك فقط فقد قامت خلال السهرة بتخضيب يده حتى تدخل الفرحة على قلبه