يحرص سكان منطقة الوسط على إحياء ليلة النصف من رمضان بكل مميزاتها التي حرصوا على وضع بصماتها في تلك الليلة، واستطاعوا بحق أن يجعلوها ليلة لا تنسى من ليالي رمضان من أول دقيقة إلى آخر السحور. تختزن منطقة الوسط الجزائري من العادات الرمضانية الشيء الكثير خاصة ما يميز ليلة النصف من رمضان، أو ما اصطلح على تسميتها هناك بالنصفية فلهذه الليلة المباركة طقوسها وعاداتها التي تأصلت في صميم المنطقة مشكلة بإجتماعها صورة جميلة يحرص سكان المنطقة على استحضارها كل عام. وتبدأ التحضيرات لليلة النصفية وهي التي تصادف اليوم الرابع عشر من رمضان مبكرا بالتوجه للسوق واقتناء مختلف لوازم المطبخ لذلك اليوم الذي يكون مميزا ومختلفا عن باقي أيام رمضان السابقة، والملاحظ أن ليلة النصفية ما زالت تحتفظ ببريقها، ففيها تقام الزيارات العائلية ويصوم الاطفال يومهم الاول ويختن اطفال العائلة وغيرها من مظاهر الفرحة. كما لرمضان خصوصية فلليلة النصفية خصوصيتها أيضا، ففي منطقة المسيلة يحضر إلى جانب المأكولات التي اعتادوا على طبخها في باقي أيام رمضان مأكولات تقليدية اشتهرت بها المنطقة كالشخشوخة، أو أوراق المسمن التي تزين بالعسل والزبيب، كما تحرص العائلات على تحضير طبق ''المبرمة'' وهي أكلة تقليدية تشبه الشخشوخة إلا أنها تسقى بالعسل والسمن والمكسرات. أما في منطقة البويرة فتحرص العائلات على تحضير حلويات مميزة وتستغني الكثير من العائلات في هذه الليلة على الحلويات الجاهزة وتقوم كل امرأة بصنع الحلويات داخل البيت كالمحنشة والصامصة والطمينة، أما مائدة تلك الليلة، فلا تخلو من الأطباق المتنوعة التي تتجاوز ما يقدم في باقي الأيام وتحرص العائلات في المنطقة على تعليم أبنائها الصيام ويختارون ليلة النصف من رمضان كبركة لبدء الصيام لأول مرة. ولليلة النصفية أفراحها تفضل الكثير من العائلات تعويد أبنائها على الصيام ويختارون ليلة النصف من رمضان أو اليوم الذي يليه بداية لصوم رمضان. وصيام الاطفال عند الجزائريين يشكل لوحده حدثا جللا يبقى في ذاكره الطفل ومن هنا يتذكر أول يوم صامه في حياته فكل تلك الطقوس الجميلة وما يقام لدى صيام الطفل تظل راسخة في ذهنه إلى الأبد. وفي منطقة الوسط يقدم الطفل الذي يصوم لأول مرة إلى المائدة كأمير ويجلس على وسادة تصنع لأجله، وأول شيء يقدم له هو كأس من الماء الممزوج بالسكر أو العسل وماء الورد ويوضع داخل الكأس خاتم من ذهب يشرب منه الولد أو البنت الذي صام لاول مرة، وتصنع لأجله بعد الافطار مجموعة من الحلويات على رأسها الطمينة. وتشهد ليلة النصفية في منطقة المسيلة صيام أكبر عدد من الاطفال تجدهم قبل ساعات قليلة من الافطار رفقة أوليائهم يجوبون مختلف المحلات لملء سللهم الصغيرة بكل ما اشتهت أنفسهم ولا ينسون أن يذكروا كل من مر بهم بصيامهم. وبعد انتهاء صيام الاطفال يأتي دور التهاني التي تصب كلها في الثناء على الصائم الصغير وتقديم الهدايا وضرب موعد له مع الصيام ليلة السابع والعشرين من رمضان. أما حفلات الختان فعادة ما يضرب أهل المنطقة موعدا لها مع ليلة النصفية وتقيم العائلات بالمناسبة حفلة تدعو لها الأقارب والجيران مع الاكتفاء بدعوة كبار العائلة على الافطار، أما السهرة فتكون حكرا على النساء وتقدم في الحفلة مجموعة من الحلويات التقليدية والشاي ويقوم الصبي باستعراض مجموعة من الألبسة التقليدية التي تحرص الأم على خياطتها للطفل الصغير، وبالاضافة إلى كل ذلك يغتنم أهل المنطقة ليلة النصفية المباركة في اعلان الخطوبة والتقدم للعائلات بغرض المصاهرة أو أخذ نصيب الفتيات المخطوبات أو ما يسمى ''بالمهيبة'' وأغلب العائلات تفضل ليلة النصف أو السابع والعشرين من رمضان لإقامة مثل هذه الزيارات. أما الدعوات العادية بين الاهل مثل دعوة الفتيات المتزوجات إلى بيت الوالد فكثيرا ما تكون النصفية فرصة مناسبة للم شمل العائلة وتوطيد صلات الرحم ناهيك عن الدعوات الاخرى التي تجري بين الاصدقاء والجيران وحتى عابري السبيل. ولآخر الليل طقوسه أما السحور في تلك الليلة فيختلف عن باقي الأيام مثله مثل مائدة الافطار وفيه تحرص العائلات على طبخ الكسكسي بالزبيب والرائب واللحم والجلبانة، ويكون الكسكسي في تلك الليلة مميزا جدا حيث تبدأ النسوة في تحضيره والمار في الشوارع في تلك الليلة لن يشم إلا راحة الكسكي، الذي يملأ مطابخ سكان المنطقة ككل. أما السهرات فتعقد في تلك الليلة وتدوم مطولا وتقوم النساء والفتيات بالتنقل من بيت لآخر يحملن في أيديهن مجموعة من أطباق الحلويات التقليدية والعصائر التي يتبادلنها فيما بينهن ويرسمن بذلك صورا جميلة من صور التآخي التآزر الذي يفتقده في باقي أيام السنة. والمؤكد أن رمضان ككل شهر وجب اغتنامه في كل أمور حياتنا لأنه بالفعل يشكل فرصة لاعادة الحسابات ورسم الطريق المستقيم في الحياة من جديد. وإن كان لمنطقة الوسط طقوسها، أكيد أن مظاهر الاحتفال في باقي أرجاء الوطن الشاسعة والغنية تكون مميزة.