تتمسك أغلب العائلات الجزائرية بإحياء عاداتها خاصة في رمضان فلكل منطقة عاداتها الخاصة التي تتمسك بها بغية أن تترسخ في أبناء هذا الجيل الجديد وخاصة أمام هذه التيارات المعاصرة التي تسعى إلى جرف كل ما هو تراثي عريق عاكس للهوية وبعد زيارتنا لبعض المناطق صدمنا بتلاشي بعض العادات في رمضان وتلاشى معها طعم المناسبات الدينية إلا أن البعض الآخر أبى إلا مواصلة إحياء العادات العريقة حفاظا على التراث والهوية الوطنية. اتجهنا إلى منطقة تيزي غنيف غرب ولاية تيزي وزو للوقوف على مدى تمسك هؤلاء بعادات الشهر الكريم ووجدنا أن المنطقة تضم كثافة عالية من السكان وتتوفر على أغلب الوسائل الرغيدة للعيش جل سكانها متحضرون ومتأصلون -قبائل أحرار- البلدية كذلك تحتل موقعا خلابا وهي من المناطق الباردة والثلجية في فصل الشتاء وتقابل جبال جرجرة الكبرى - لالة خديجة _ وهي صورة مصغرة عن عادات وتقاليد بلاد القبائل. تبادل الزيارات تكريسا لصلة الرحم بعد وصولنا إلى هناك قررنا زيارة أحد أسواق البلدية للالتقاء بمختلف الشرائح الاجتماعية دخلنا السوق ووجدناه مزدحما بالزبائن وهم يقضون حاجاتهم لإعداد الإفطار رأينا امرأة مسنة جلست لترتاح في أحد أروقة السوق سلمنا عليها وجلسنا بمحاذاتها سألناها عن أجواء رمضان في المنطقة وما يميزها من عادات فردت علينا أن أجواء رمضان هناك كغيرها من ولايات الوطن تميزها صلة الرحم بحيث تتبادل العائلات الزيارات فيما بينها في هذا الشهر الكريم ويكثفون من العبادات ويحرص الكل على أداء صلاة التراويح وكل ما ينبغي من واجبات مفروضة وأضافت لنا العجوز كذلك أنهم يتبادلون الأطباق بين الأسر ويزورون الأيتام للاطمئنان عليهم ويتبادلون الزيارات العائلية ودعوات الإفطار والسهر على مائدة القهوة والزلابية وقلب اللوز. احتفال خاص يحظى به الطفل الصائم سألنا الحاجة عزيزة كذلك عن عادات اليوم الأول من رمضان وعادات تصويم الطفل الحاجة عزيزة قالت إنه ليلة قبل رمضان نقوم بتحضير (لخفاف) وهو ما يعرف عند العرب بالإسفنج تقول الحاجة (نطيبوا لخفاف باه يخفاف علينا سيدنا رمضان) ونوزعه على الجيران ونقوم كذلك بتحضير الكسكس كبركة لهذا الشهر وتضيف الحاجة كذلك أنهم يشوون البوزلوف ويحتفظون به في الثلاجة ويشترون الزبيب ومختلف المكسرات والمقتنيات الضرورية بما يكفي لهذا الشهر الكريم. أما لمن صام لأول مرة فتقول الحاجة يحضر له الكسكس والبيض المسلوق وعند الأذان يصعد الطفل فوق القرميد ونلبسه البرنوس أما الطفلة نلبسها جبة القبائل ونعطي الطفل الصائم قصعة من الطين مليئة بالكسكس والبيض ويجب أن يأكل منه كميات معتبرة وليس واجب عليه أن يصوم رمضان إلى آخره بل نعوده يوما بيوم مثلا حتى يتعلم ويصبح قادرا على الصيام عند بلوغه.
أطباق تقليدية متنوعة أما نحن الكبار فنعد الكسكس في أول يوم أما اليوم التاسع نقوم بتحضير البغرير أما في ليلة السابع والعشرين نعد الكسكس وكذا لخفاف (الإسفنج) و(لمسمن) وبعض الحلويات وكل هذه التقاليد تقول الحاجة لكي نعيد ما مضى علينا من المحن وكذلك (باه تطيح البركة ونحسو بالمغبون) لأنه حسبها رمضان ليس للأطباق الفاخرة فقط بل الطبق التقليدي واجب الحضور فوق المائدة حتى نتعلم الصبر والرضا بما هو بسيط. كما أضافت لنا الحاجة عزيزة أن ليلة السابع والعشرين نعد فيها الكسكس ونقوم بختان أطفالنا كما نتبادل كذلك الزيارات وهو يوم مميز للفتيات المخطوبات حيث يذهب أهل الرجل إلى المرأة التي خطبوها لابنهم ويأخذون لها ملابس العيد وكذا بعض الحلويات وبعض اللحم وغيرها من المستلزمات تقول الحاجة حتى تفرح العروس أما في اليوم الأخير من رمضان نضع الحناء لاستقبال فرحة العيد وأضافت لنا كذلك أن أغلب سكان تيزي وزو توحدهم نفس العادات والتقاليد في رمضان حيث يسعى هؤلاء الكبار في السن إلى إحيائها خوفا من اندثارها أمام هذه التغيرات الجارفة التي يشهدها هذا الجيل. بنة زمان أمانة للأجيال وفي الأخير تأسفت لنا الحاجة عزيزة لهذا الزمن الراهن وقالت إن (بنة زمان خلاصت) مع هذه التيارات العصرية التي استولت على عقول أبنائنا وقالت على الشعب الجزائري أن يضع اليد باليد حتي يتمكن من استرجاع العادات والتقاليد ويحفظها من الاندثار وإلا ماذا ستعرف عنا الأجيال التي تأتي بعدنا فالعادات هذه حسبها هي روح أي أمة وخاصة حين تريد أن تثبت هويتها وانتماءها أمام الآخر لأنه لا يمكن لأي أمة أن تثبت نفسها بعادات أخذتها من أمة أخرى فهذا عار عليها فاليوم أصبح هذا الجيل يتهمنا بالتخلف وأن عجلة الزمن يجب أن تسير إلى الأمام لا إلى الوراء وهو لا يعلم خطورة ذلك عليه وعلى كامل الأمة لذا وجب العمل قدر المستطاع على التوعية بداية من الأسرة لإعادة إحياء هذه التقاليد والعادات.