من المعلوم أن ولاية تيزي وزو تمثل في أغلبية مناطقها مجتمعا ريفيا يغلب على نمط حياة سكانهم الطابع القروي، والذي يتجسد من خلال تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة أبا عن جد، والتي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا، خاصة ما تعلق منها بكيفية استقبال المواسم الدينية والفلاحية وطريقة الاحتفال بها. فعن شهر رمضان مثلا، استقبل سكان منطقة القبائل بولاية تيزي وزو وككل سنة، هذه المناسبة الدينية التي تعود إلينا في كل عام، بطرق خاصة ومميزة، ففي اليوم الأول من هذا الشهر الكريم تقوم العائلات القبائلية بتحضير أطباق مختلفة ومتنوعة. وككل المناطق الأخرى، تبقى الشربة هي سيدة المائدة في شهر رمضان وتلازمها منذ بدايته إلى غاية نهايته، وإلى جانب الأطباق الأخرى تحرص العائلات القبائلية على تحضير الكسكس بالحبوب الجافة في اليوم الأول من شهر رمضان لإستقبال هذا الضيف المبارك. ويكون طبق الكسكس سواء جافا بدون مرق أو ممرق توضع فيه مختلف الحبوب الجافة المطبوخة (الحمص، الفول، الفاصوليا والبيض المسلوق والمطبوخ)، كما أنه قد يكون الطبق به مرق، حيث من الضروري أن يكون به حبوبا جافة. الإفطار يكون فوق القرميد بالبيض المسلوق وكأس الحليب به خاتم فضي صيام الصبي والصبية لأول مرة حدث مهم يُحتفل به بطريقة خاصة يعتبر صيام الفتى أو الفتاة للمرة الأولى حدثا استثنائيا وهاما عند سكان منطقة تيزي وزو ومنطقة القبائل الأخرى بصفة عامة، فعندما يصوم الصبي أو الصبية تقوم العائلة بتحضير وجبة خاصة في ذلك اليوم من شهر رمضان تتمثل في البيض المسلوق، كأس حليب وكأس ماء. إلى هنا قد يبدو الأمر عاديا، لكن الأمر المثير للانتباه ويدعو للغرابة، هو أن الوجبة لا تقدم على المائدة، فالصبي أو الصبية الصائم لأول مرة في حياته يتناول إفطاره الأول فوق القرميد أو سطح المنزل، وهذا الأمر وحسب سكان منطقة القبائل إن دل على شيء، فهو يدل على أن الصبي أو الصبية قد بلغ درجة من النضج وأنه بذلك يمكنه الاعتماد على نفسه في بعض الأمور وصعوده إلى الأعلى من المسؤولية. الغرابة لا تتوقف عند هذا الحد، فإلى جانب هذه الحركات الغريبة، فإنه يتم وضع خاتم من فضة داخل كأس الماء الذي يشربه الفتى أو الفتاة، والفضة تدل على البياض والصفاء. وبهذه الطريقة، يتمنى أهل الصبي أو الصبية لابنهم أو بنتهم الصائم والصائمة أياما بيضاء وحياة هادئة مليئة بالأفراح. كما أن الخاتم يرمز إلى الزواج، وهذا يعني التضرع إلى الله أن تكون الحياة الزوجية (الصبي أو الصبية) في المستقبل سعيدة ويغمرها الحب والصفاء للعمل، وخلال السهرة تحتفل العائلة بهذا الحدث وتقدم للحاضرين مأكولات تقليدية كالخفاف. نساء للقرى يقضين سهرات رمضان بالمقامات والزوايا والرجال ب "تاجماعت" تقضي العائلات القبائلية بقرى ومداشر ولاية تيزي وزو سهرات رمضان المعظم رفقة الأهل والأحباب والأقارب والجيران. فعن الرجال، فهم يقصدون بعد الإفطار المساجد لأداء صلاة التراويح، بعدها يواصلون السهرة بالمكان المسمى "تاجماعت"، وهو المكان الذي يجتمع فيه أعيان القرية للتحدث عن شؤون القرية. أما النساء، فتقصدن مباشرة بعد الإفطار وإنهاء الوجبات المنزلية، المقامات والزوايا الموجودة بالقرية من أجل تبادل أطراف الحديث، حيث تحضر كل منهن مأكولات تقليدية ك "الخفاف"، "المسمن" وغيرها لتناولها مع الشاي والقهوة. وقبل انتهاء السهرة، يضربن موعدا للسهرة الموالية، وفي تلك الأماكن المقدسة تتضرع النساء إلى الله عز وجل أن يعم الخير والبركة في القرية وأن يبعد عن أهلها كل سوء، كما تغتنم بعض العائلات الفرصة خلال هذا الشهر الكريم خاصة في ليلة القدر لعقد القران وختان الأطفال، لأنها تتبرك بهذه المناسبة الدينية. العائلات الفقيرة بالقرى تتحصل على إفطارها كاملا ويوميا من طرف الجيران لعل أجمل ما يميز أيام رمضان الكريم بقرى ومداشر تيزي وزو، هي روح التضامن والتعاون عند القرويين، فالعائلات الفقيرة بالقرية لا ينقصها أي شيء منذ اليوم الأول من هذا الشهر الكريم إلى نهايته، ففي كل مرة يأتي الدور على إحدى العائلات الميسورة الحال لتحضير وجبات كاملة للعائلات الفقيرة التي تنتمي إلى نفس القرية، وهذا حتى يتمكن الجميع من قضاء شهر رمضان في ظروف حسنة تجسيدا لآليات التضامن والتعاون، وحتى في السهرة تقوم العائلة المعنية بتوزيع مأكولات مختلفة كحلوى الزلابية و"الخفاف" على هذه العائلات، ليأتي الدور في اليوم الموالي على عائلة أخرى. "سكسو تاسيلت"، "بركوكس الرقيق" أو"كسكس القدرة" لليلة القدر تعتبر مناسبة ليلة القدر هامة يستقبلها سكان منطقة القبائل بطريقة خاصة ومميزة، ويتجلى ذلك من خلال تحضير مختلف الأطباق والمأكلات التقليدية الخاصة بمنطقة القبائل، حيث لا تفوت العائلات القبائلية الفرصة لتحضير طبق مشهور ومعروف بالمنطقة، وهو "سكسو تاسيلت" أي "كسكس القدرة" أو "البركوكس الرقيق"، هذا الطبق الذي يعد سيد المائدة الرمضانية عشية الاحتفال بليلة القدر المباركة، وهو عبارة عن "بركوكس" من النوع الرقيق يطبخ داخل القدرة، وغالبا ما يكون جافا ويحتوي على الحمص ويوضع فوقه حبات البيض المطبوخة في الماء. كما تفضّل بعض العائلا ت وضع المرق عليه. للعلم، فإن هذا الطبق يوزع في القرى والمداشر في قصعة كبيرة على الفقراء والمساكين، وعلى الجيران كذلك، حيث في كل سنة تتكفل عائلة بتحضيره، ليعود الدور في السنة المقبلة على عائلة أخرى تنتمي إلى نفس القرية. أما في السهرة، فتقوم نفس العائلة بتوزيع "الخفاف" مع الشاي للجيران والأحباب، لتتقاسم فرحة وإحياء ليلة القدر المباركة في أجواء تسودها الأخوة وروح التضامن.