الإبادة تلاحق الآلاف منهم متى يستيقظ ضمير العالم لإنقاذ مسلمي ميانمار؟! متى سيستحي العالم ويواري سوءته الإنسانية في ميانمار؟ أم فقد كل حواسه فلم يعد يسمع الصراخ أو يرى القتل أو يشم راحة دماء مسلمي الروهينجيا التي تسال في كل شبر؟ وماذا بعد؟ هذا السؤال الذي يقفز إلى عقلي مع كل حديث عن قرار لإحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة بشأن الروهينجيا وآخرها القرار الذي اعتمده مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان والذي يطالب حكومة ميانمار بحماية حقوق الإنسان لجميع الأشخاص على أراضيها بمن فيهم المسلمون في روهينجيا. القرار الذي اعتمده مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان في الثالث من الشهر الجاري جاء استجابة لقرار تقدمت به المملكة العربية السعودية وباكستان نيابة عن الدول الإسلامية ويطالب حكومة ميانمار باتخاذ التدابير اللازمة للتصدي للتمييز ضد المسلمين وأبناء الأقليات القومية والعرقية والدينية واللغوية في جميع أنحاء البلاد ووضع حد للتحريض على الكراهية ضد المسلمين وإدانة هذا التحريض بشكل علني كما يدعو القرار حكومة ميانمار لمنع التمييز والاستغلال بما في ذلك الاتجار في المسلمين الروهينجيا ومعالجة الأسباب الجذرية لهذا التمييز وإجراء تحقيقات شاملة وشفافة ومستقلة حول تلك الانتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وطالب القرار حكومة ميانمار بمنح حقوق المواطنة الكاملة للمسلمين الروهينجيا في ولاية راخين ومراجعة قانون الجنسية لعام 1982 م والسماح بوصول المساعدات الإنسانية كاملة إلى الأشخاص والمجتمعات المتضررة وتنفيذ اتفاقيات التعاون التي أبرمتها مع المجتمع الدولي ولم تنفذ حتى الآن وحماية أماكن العبادة التابعة لجميع الديانات وضمان عودة اللاجئين والمشردين إلى منازلهم بما في ذلك الروهينجيا المسلمين بالتعاون مع المجتمع الدولي وطالب القرار المفوض السامي لحقوق الإنسان بتقديم تحديث إلى المجلس عن تطورات الأوضاع في ميانمار الخاصة بالانتهاكات ضد الروهينجيا المسلمين والأقليات الأخرى خاصة ما يتعلق بالحوادث الأخيرة للاتجار والتهجير القسري للمسلمين الروهينجيا. من جانبها أشادت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بالقرار الذي اعتمده مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان المؤيد لحقوق مسلمي ميانمار وقالت في بيان لها إن هذا القرار الأممي يأتي بعد أن استفحلت معاناة المسلمين الروهينجيا في ميانمار جراء أعمال العنف والقتل الجماعي والتهجير القسري والتمييز الديني والعرقي الممارسة ضدهم. هكذا يصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا لصالح مسلمي الروهينجيا لكن التاريخ المرير للمسلمين مع القرارات الأممية يجعلنا نجزم أن هذه القرار لن يتم تفعيله إلا إذا رأت الدول الكبرى مصلحة لها في تنفيذه فمسلموا الروهينجيا يقتلون ويضطهدون منذ عقود ولم يتحرك العالم فلماذا سيتحرك الآن؟ المؤشرات جميعها والتي تشير إلى تقارب أمريكي _ غربي مع النظام الفاشي في ميانمار مقابل حصة في الثروات النفطية الموجودة أمام سواحلها وكورقة ضغط على التنين الصيني والتصدي لمحاولته بسط هيمنته على آسيا فى ضوء المخطط الإستراتيجي الجديد للولايات المتحدة بتعزيز تواجدها في شرق المحيط الهادي. تجاهل معلن من هنا يبدو أن تغير هذا المشهد لن يتم إلا من خلال أحد الأمرين أولهما: هو أن تحتل قضية مسلمي ميانمار أولوية فى قائمة اهتمامات القوى الإسلامية الكبرى وهو أمر مستبعد حاليًا في ظل انشغال السعودية بالتصدي للتغول الإيراني في المنطقة ومحاولة تشكيل خريطة تحالفات إقليمية ضده والقيام بعملية تفكيك للعناصر الموالية لطهران وإجهاض سيطرتهم على الحكم في اليمن والعراق ولبنان بخلاف الوضع الشائك في سوريا بينما تبدو القاهرة مشغولة بمشاكلها الداخلية وفي مقدمتها ملف مواجهة الإرهاب في حين تمر تركيا بارتباك سياسي داخلي جراء فقدان حزب العدالة والتنمية أغلبيته البرلمانية وانفراده بإدارة شؤون البلاد من جانب ومن جانب آخر فإن تركيا بكل قواها الاجتماعية والسياسية مشغولة بالعمل على منع إقامة دولة كردية في شمال سوريا لخطورة ذلك على أمنها القومي الذي لم يعد مؤمنًا ضد هجمات داعش حيث قتل أكثر من 32 مواطنًا تركيًّا وأصيب العشرات في بلدة سروج في هجوم انتحاري مطلع هذا الأسبوع فيما تبقى دول المغرب العربي مشغولة بالفتنة المشتعلة في ليبيا وعليه فإن الأمر مؤجل إلى إشعار آخر. مخاوف النظام الحاكم في ميانمار من زيادة أعداد المسلمين دفعته لبحث قانون يلزم النساء البوذيات بتسجيل عزمهن على الزواج من رجال ليسوا على دينهن وأنه يمكن منعهن إذا كانت ثمة اعتراضات وهو ما عقبت عليه منظمة هيومن رايتس ووتش بالتأكيد على أن مشروع القانون يتعلق بحملة لجماعات بوذية متطرفة تحرض على الكراهية ضد المسلمين متهمة برلمان ميانمار باللعب بالنار إذا ما حاول تمرير هذا القانون الذي يعد واحد من أربعة مشاريع قوانين تعرف باسم (قوانين حماية العرق والدين) التي وصفتها جماعات حقوقية بأنها تمييزية. هذه الصورة القاتمة عن حال مسلمي الروهينجيا يزيدها قتامة اعتقال السلطات البورمية بقرية دونسي في مدينة (راسيدونغ) ناشطَين روهنجيين بتهم ملفقة بالاتجار بالبشر والاعتداء على عناصر من قوات الأمن في محاولة لإسكات أي صوت يكشف جرائم النظام الحاكم والرهبان البوذيين حيث يتعرض الناشطين لتعذيب وحشي على أيدي السلطات التي تطالب كلًا منهما ب650 دولار مقابل الإفراج عنهما. بين التصريحات والقرارات الأممية وبين الواقع في ميانمار مساحة من الألم والعذاب يعيشها في كل ثانية مسلمو الروهينجيا بانتظار أن تنفذ القرارات لتنتهي مأساتهم التي لا يرون لها في الأفق نهاية.