في موكب جنائزي مهيب الفرارة تودّع المؤذّن الحاج عشور أحمد في موكب جنائزي مهيب حضره الآلاف من المواطنين قادمين من كلّ حدب وصوب ذرفت فيه الدموع وخشعت القلوب مستسلمة لعلاّم الغيوب صبيحة السبت وورى الثرى فقيد الفرارة والجزائر والأمّة الإسلامية جمعاء المؤذّن وعضو حلقة العزّابة الشيخ الحاج عشور باحمد بن عشور. فبعد أزيد من 37 سنة من العطاء المستمرّ في الأذان للصلوات الخمس في مساجد قصر الفرارة ولاية غرداية انقطع وإلى الأبد فجر يوم أمس أذان مؤذّن الفرارة الشيخ الوقور الحاج عشور باحمد بن عشور بعد أن وافته المنيّة عن عمر ناهز ال 88 سنة. وفي تأبينه للرّاحل قال عضو حلقة العزّابة عيسى بن محمد بن بابا الشيخ بالحاج: (لقد شاء القدر الرحيم أن يودّع بلال الفرارة يومه بأذان صلاة العشاء في ليلة الجمعة والمسجد عامر بالمؤمنين يقرأون القرآن ويقيمون الصلاة ويتصدّقون بفضول أموالهم بذلكم الصوت الرخيم الذي تخشع له القلوب وتضرع له النفوس إيذانا خفيا من اللّه له بتوديع القانتين والخاشعين والرُكّع السجود في دار الفناء واستقبل جمعته بالاستعداد لأذان الفجر لكن على أن يتادي به على محمد وصحبه في دار البقاء حيث الملأ الأعلى يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون فأكرم بهمنة تحلّي هذا الشهيد الفحل البطل في ميدان تحفيظ كتاب اللّه ومراقبة فتية سخروا أنفسهم خدمة لكتاب اللّه ومرابطة ناذرة المثال في مقام ابن رباح زهاء أربعين عاما لا تفتر له عزيمة ولا يكلّ منه يمين ولا يبحّ له صوت في صمت رهيب وخشوع مهيب ونفس رحوب وبسمة سلوب فما ترى في قلبه من مذمةّ باقية ولا على لسانه من نبرة نابية ولا على عينيه من نظرة رابية لقد كملت خصاله وعزّ من لا عيب له لكنني أرى أن النّساء سيعجزن عن أن يلدن مثله تقى وورعا ونظاما وانضباطا حتى كان النّاس يعدلون على أذانه ساعاتهم لا على دقّات ساعة فما المهمّة بهيّنة ولا المسؤولية بليّنة لكنها منحة اللّه يصطفي لها من يشاء من خلص عباده ليكون لهم السبق في دخول جنانه فكم من مصلّ صلّى على أذانه وكم من صائم أمسك وأفطر عليه وله مع كلّ شركة في الأجر والمثوبة كما كان للشيخ باحمد عاشور ولع بمراقبة الأنواء ومتابعة تحرّكات السحاب منذ يافع عمره من أيّام كان قائدا على الكشّافة في الفرارة يسيح بين شعاب واديها العظيم زقرير وكم أثلج صدور النّاس بتسبيحاته يوم يتحقّق من مسيل واديه ويشاء الربّ الرحيم أن يقوم حبيبنا فجرا ويصعد إلى سطح منزله ليمتّع نظره بمنظر البرق والسحاب وقد بدأ المطر يتساقط رذاذا وينزل مع درج بيته ليعتلي درج مئذنته فإذا به يتعثر برسول الموت في درج بيته قائلا له: يا أيّها المؤذّن الوفي ويا أيّها الولي التقي لا ترقب بنظرك السليم سيلان وادي زقرير إنه وإن سال فآيل إلى جفاف فهيّا إلى مقام كريم في جنّات ونهر من عسل مصفّى وخمر لذّة للشاربين ولبن لم يتغيّر طعمه وماء غير آسن وهذا بلال يأخذ بخطام راحلتك إلى حيث محمد وصحبه هناك هنا تستمتع بمجرى الأنهار ولذّة الثمار وصحبة الأخيار فما لك عن هذا من بديل ولا خيار فتبارك الذي خلق الموت والحياة لقد اختار لك الموت بين أذانين بين أذان رفعته وأذان ذهبت لترفعه واختار لك وقت السحر وما أدراك ما وقت السحر {وبالأسحار هم يستغفرون} واختار لك الفجر نهاية للعمر {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} فيا لطيبك داديك باحمد حيّا وميّتا لن يزال ذكرك وصوتك يختلجان بين السحر والنحر ملتقانا يوم العرض والنشر. فيا أبناء الإسلام خذوا العبرة ممّن مات لكنه ظلّ حيّا وإيّاكم أن تكونوا من يحيا لكنه في عداد الموتى {ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل أمواتا بل أحياء عند ربّهم يرزقون فرحين بما آتاهم ربّهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون}).