من أخبار المشتاقين الميعاد بيني وبينك بعد صلاة الظهر كان بالمدينة رجل يقال له أبا قدامه الشامي وقد حبب الله إليه الجهاد في أرض الروم فجلس ذات مرة هو وأصحابه فقالوا له يا أبا قدامه حدّثنا بأعجب ما رأيت في الجهاد. قال: نعم خرج غلام كأنه القمر ليلة البدر وعليه آثار النعمة فسرنا ونزلنا تلك الليلة فلما كان الغداة رحلنا والغلام لا يفتر من ذكر الله تعالى وصار كلما سرنا يقوي عزمه ويزداد نشاطه ويصفو قلبه وتظهر علامات الفرح عليه. قال: فلم نزل سائرين حتى أشرفنا على ديار المشركين عند غروب الشمس فنزلنا فجلس الغلام يطبخ لنا طعاما لإفطارنا وكنا صياماً فغلبه النعاس فنام نومة طويلة فبينما هو نائم إذ تبسم في نومه فقلت لأصحابي ألا ترون إلى ضحك هذا الغلام في نومه فلما استيقظ قلت: حبيبي رأيتك الساعة ضاحكاً مبتسماً في منامك قال: رأيت رؤيا فأعجبتني وأضحكتني. قلت: ما هي؟ قال: رأيت كأني في روضة خضراء أنيقة فبينما أنا أجول فيها إذ رأيت قصراً من فضة شُرفه من الدر والجواهر وأبوابه من الذهب وستوره مرخية وإذا جواري يرفعن الستور وجوههن كالأقمار فلما رأينني قلن لي: مرحباً بك فأردت أن أمد يدي إلى إحداهن فقالت: لا تعجل ما آن لك ثم سمعت بعضهن يقول لبعض هذا زوج المرضية فقلن لي تقدم يرحمك الله فتقدمت أمامي فإذا في أعلى القصر غرفة من الذهب الأحمر عليها سرير من الزبرجد الأخضر قوائمه من الفضة البيضاء عليه جارية وجهها كأنه الشمس لولا أن الله ثبت علي بصري لذهب وذهب عقلي من حسن الغرفة وبهاء الجارية. قال: فلما رأتني الجارية قالت: مرحباً وأهلاً وسهلاً يا ولي الله وحبيبه أنت لي وأنا لك فأردت أن أضمها إلى صدري فقالت: مهلاً لا تعجل فإنك بعيد من الخنا وإن الميعاد بيني وبينك غداً بعد صلاة الظهر فأبشر. قال أبو قدامة: قلت له حبيبي رأيت خيراً وخيراً يكون ثم بتنا متعجبين من منام الغلام فلما أصبحنا تبادرنا فركبنا خيولنا فإذا المنادي ينادي: يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري فبدأ القتال واختلط الفريقان وقُتل خلق كثير من المسلمين فلما افترق الجمعان فبينما أنا أجول بين القتلى وإذا أنا بالغلام قال: يا عم صدقت الرؤيا ورب الكعبة فعندها رميت بنفسي عليه فقبلت بين عينيه ومسحت التراب والدم عن محاسنه وقلت: يا حبيبي لا تنس عمك أبا قدامة له في شفاعتك يوم القيامة. فقال: مثلك لا يُنسى يا عم هذه الحوراء التي وصفتها لك قائمة على رأسي تنتظر خروج روحي وتقول لي عجّل فأنا مشتاقة إليك.