بقلم: سامح المحاريق* عرب الهولة وإمارة لنجة عبارات تبدو غير معروفة لمعظم القراء العرب وحتى من يصلون إلى مرحلة سؤال المليون سيصفون سؤالاً حول الهولة أو لنجة بالتعجيزي ولكن تاريخ العالم العربي وخاصة ما تظهره كتب التاريخ المدرسية يحفل بأسماء ظهرت فجأة لتتحول من مجرد مقاطعات أو محافظات لملفات ساخنة تتصدر العناوين ففي الثقافة العادية لغير المختصين في السودان لم تكن دارفور كلمة شائعة أو متداولة قبل أن تتحول في السنوات الأخيرة إلى حدث دولي وأولوية لدى المهتمين بحقوق الإنسان وكانت حلايب وشلاتين تلقي في ذهن المتلقي انطباعاً بأنها كلمات سحرية في كتب قديمة أو حتى أسماء أطعمة شعبية قبل أن تصبح عنواناً لأزمة وترت العلاقات المصرية السودانية في العقدين الأخيرين. الهولة تسمية تطلق على مجموعة من القبائل العربية التي استوطنت الساحل الشرقي للخليج العربي أو ما كان يعرف ببر فارس وكان للعرب مجموعة من الإمارات الصغيرة على الساحل الإيراني كانت آخرها لنجة التي خضعت لحكم قبيلة القواسم على امتداد القرن التاسع عشر وحتى أسقطت في حملة عسكرية إيرانية بإسناد من البحرية البريطانية وخضعت المنطقة لحملات تضييق من السلطات الإيرانية لتدفع بالعرب المتبقين إلى الهجرة إلى الساحل الغربي حتى تراجعت نسبة السكان العرب بصورة جذرية وبدأت إيران تسعى لفرض نفوذها في الخليج العربي في زمن أسرة بهلوي وتحاول أن تجعله بحيرة محلية لطهران وأصبحت تسمية الخليج العربي تصعد في مواجهة الخليج الفارسي لتشكل جانباً من أبعاد الصراع المتواصل على الأقل في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حيث تراجعت البحرية العمانية في مواجهة الأساطيل البحرية الأوروبية وكان انتزاع تنزانيا من عمان نحو سنة 1891 إيذاناً بإنكفاء خليجي أمام التوثب الإيراني الذي اندفع بوعود التحديث التي أتبعت سقوط الإمبراطورية القاجارية. تاريخ من الجذب والشد على جانبي مسطح مائي شبه مغلق لم تكن مسألة تثير الإهتمام كثيراً فطرق الملاحة لم تكن لتتأثر بصورة كبيرة بما يحدث داخل الخليج وكان الاهتمام الاستعماري منصباً على ضرب إمكانية استعادة المشايخ العربية في الخليج لإمكانية المبادرة لا بوصفها منافساً فذلك أصبح أمراً مستبعداً بعد الثورة الصناعية والتغيير الهائل في معادلة السيطرة على أعالي البحار ولكن لتجنب حملات من القرصنة البحرية كان من شأنها أن تلقي بتهديدات جدية على أمن الملاحة الأوروبية مع الهند والصين وضمن هذه التصورات حصلت إيران على دورها بضبط أمن الخليج إلى حد كبير خاصة بعد أن تحولت إلى مستعمرة بريطانية ويبدو أن الساحل العربي الفقير لم يكن مغرياً للتمركز المباشر والمكلف والمنطقة لم تكن على خريطة الطموحات الاستعمارية لأنها ببساطة لم تكن تستطيع أن توفر من مواردها المحلية تكلفة الوجود العسكري الاستعماري وذلك ما حدث مع ابراهيم باشا الذي انسحب من الدرعية بعد قضائه على الدولة السعودية الأولى لأن العوائد الضريبية والأتاوات على الأهالي والقبائل لم تكن توفر له تكلفة إعاشة جنوده. تغيرت الأمور بعد ظهور النفط وفجأة تحول الخليج إلى أرض من الذهب لا تسكنه الأساطير مثل إلدرادو التي بقي المغامرون يفتشون عنها في القارة الأمريكية أرض ممتدة وفقيرة ومجتمعات قبلية عاشت معاناة طويلة مع تراث الملح سواء في الخليج الذي كان يلتهم من وقت لآخر مراكب صيد اللؤلؤ البسيطة أو الصحراء التي كانت تدخل دورياً نوبات الجفاف الثقيل وبالطبع بدأت مرحلة من التنمر الإيراني لم يقدر جيداً أن دوره بالوكالة انتهى إلى غير رجعة فالثروة النفطية حولت الخليج إلى أرض مقدسة بالنسبة للقوى الاستعمارية التقليدية والصاعدة ولكن الأحلام الإيرانية لم تقتنع بذلك لا في زمن الشاه ولا زمن آيات الله وإذا كانت المسألة تبدو صعبة أمام التمايز العرقي الصريح وتاريخ ثقافة الشعوبية العربية الفارسية المتبادلة فإن الثورة الإيرانية بدأت تتطلع مبكراً لأدواتها في الخليج العربي ومن أهمها أبناء الطوائف الشيعية وهم جزء أصيل من المنطقة كانوا ينظرون إلى جيرانهم الفرس بكثير من مشاعر عدم الارتياح بناء على العلاقات المتوترة والصراعات الصريحة والمكبوتة حتى أن أبناء الطائفة الشيعية في العراق كانوا مقاتلين حقيقيين ضمن صفوف الجيش العراقي مقدمين العنصر العروبي على الطائفي فكانوا يحاربون العجم من موقعهم الذي جرت تغذيته من خلال الخطاب القومي الذي تبناه العراق في مرحلة البعث. بقيت قضية الشيعة والسنة غائبة وفاترة في زمن الصعود القومي وكانت مصر ترى مثلاً أن يتم استقطاب الشيعة الإيرانيين من خلال التقارب المذهبي ليصبحوا أداة لها في مواجهة الشاه الحليف العتيد للإمبريالية الغربية وكذلك كان العراق الذي استضاف الخميني ثلاثة عشر عاماً متواصلة وعلى ذلك لم يكن الشارع العربي يرى المشكلة في الشيعة وإنما في إيران من حيث المبدأ وبالمناسبة لم يكن العنصر الفارسي على علاقات طيبة مع بقية الشعوب الأخرى التي تعيش داخل الكيان السياسي لإيران مثل البلوش والأكراد ولا جيرانه مثل الآذريين والبشتون وبالمقارنة مع الشعوب الخليجية التي استقبلت قبل الفورة النفطية الهنود والباتان والأفغان والشعوب السواحيلية وبغض النظر عن انتمائهم الديني أو المذهبي فكان الشيعة والسنة مع المجوس والهندوس في مجتمع محافظ ويصر على احترام الشكليات مع الابتعاد عن نزعة العنف باستثناء التنافس القبلي الذي لم تكن الأقليات أصلاً طرفاً فيه وعادة ما كانت تجني مكتسبات على العلاقة المتوترة بين العرب في البادية أو الحضر وبين القبائل التي حروبها المحلية بصورة دورية وروتينية. قدمت إيران الطعم الطائفي وللأسف التقطته بعض الأنظمة العربية قبل أن يتحول إلى واقع مؤسف بعد أن وجدت زعامات التعصب في كلا الطرفين فرصة لأخذ الصدارة والمبادرة في مجتمع يسوده الخوف والتوتر وأصبح الموضوع الطائفي هو السبب الرئيسي للصراع مع أنه لم يكن سوى أداة تقوم على بناء أوهام فوق أخرى ولتوهم إيران العالم بأنها تدافع عن حقوق الأقليات المضطهدة في بلدان أخرى مع أن إيران كانت سبباً في تراجع أوضاع الشيعة بعد أن ضربت تاريخاً من التعايش والتسامح وصنعت حالة من تراجع الثقة في الأقليات الشيعية من خلال توظيفها لبعض الشخصيات الموالية لها وتمكينها من الوصول إلى مواقع متقدمة بين المنتمين إلى المذهب الشيعي ولذلك ليس مستغرباً أن يواصل نوري المالكي وضع لمسته التحريضية ربما في محاولة لأن يطرح نفسه من جديد بعد سقوطه الشعبي والسياسي. بدلاً من الانسياق وراء التجاذب الطائفي ثمة مخرج ممكن يتمثل في استعادة الشيعة لبلدانهم وطرح زعامات محلية وطنية تواجه الزعامات التي اختلقت لنفسها مكانة قيادية بناء على ترويج تفسير طائفي لكل أوجه الخلل التي تعاني منها قطاعات كاملة من الشعوب نتيجة تغيب الإعلام الحر والإصلاح السياسي وجرى تعزيز مواقع الموالين لإيران أو المتعاطفين مع دعوة استنهاض شيعية من خلال التمويل لتأليف القلوب والذي من الأولى أن يتم تتبعه ومواجهته بحل بعض المشكلات المحلية وتوفير تمويل رسمي ومنتظم لتفريغ التوتر المصطنع والزائف وسحب فتيل القنبلة الطائفية التي ستتناثر شظاياها دون تمييز فكما للقتلة وجوه متشابهة بين كل الطوائف والمذاهب فالضحايا أيضاً يشتركون في ملامح كثيرة بغض النظر عن عقيدتهم أو انتمائهم.