بقلم: أحمد أبو مطر* تطورات ومستجدات المنطقة العربية تحتمل العديد من التوقعات التي في غالبيتها ليست بعيدة أن تكون سلبية، مستقدمة معها نتائج ستكون لصالح قوى إقليمية لا تكنّ مودة لاستقرار المنطقة إلا إذا كان هذا الاستقرار يصبّ في مصلحتها خاصة في مجالي النفوذ والهيمنة ونشر المذهب التي تحلم بها هذه القوى الإقليمية التي لها مؤيدوها ومصفقوها في العديد من الأقطار العربية، وعلى رأس هذه القوى الإقليمية المتطلعة لهذا الدور الذي بدأ يبرز في المنطقة بدءا من العراق هو النظام الإيراني الذي حقيقة يحكم ويسيّر أمور العراق كما يريد منذ بدء حكم نوري المالكي في العام 2006 وحتى نهاية هذا الحكم الإيراني غير المباشر في عام 2014 ليستمر نفس الحكم والسيطرة والتأثير الإيراني في زمن حكم العبادي الذي خلف المالكي بموافقة إيرانية، بعد مماطلات ومناورات طويلة من المالكي كي يقتنع أنّه من الممكن أن يتخلى عن الرئاسة العراقية لصالح رئيس آخر إيراني الهوى، والمالكي هو من خدم وفتح العراق بسهولة وامتيازات علنية لصالح الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية، لذلك بدأ يظهر النفوذ الإيراني علانية أكثر من السابق سواء من خلال تواجد قوات الحرس الثوري الإيراني أو تدفق الزوار الإيرانيين بعشرات الآلاف تحت ذريعة زيارة المراقد الحسينية، واستعمال اللغة والعملة الفارسية علنا في العديد من المدن العراقية وإرسال قوات الحرس الثوري من العراق بالآلاف للقتال مع نظام بشار الأسد ضد ثورة الشعب السوري، وبدعم علني من قوات حزب الله الإيراني في لبنان الذي شيّع حتى الآن عشرات من قتلاه في سوريا. إمبراطورية فارسية عاصمتها العراق لذلك لم يأت من فراغ التصريح العلني الأول من نوعه ل (علي يونسي) مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني للشؤون الدينية الذي قال فيه: (إنّ إيران عادت لوضع الامبراطورية كما كانت طوال تاريخها. إنّ العراق بات عاصمة لهذه الامبراطورية). تخيلوا..العراق كله عاصمة للإمبراطورية الفارسية الجديدة وليس مدينة بغداد فقط !!!. ثم توسع في التفاصيل قائلا: (العراق ليس جزءا من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا..وهو عاصمتنا اليوم.. وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه لأنّ العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة غير قابلة للإلغاء، لذلك فإما أن نتوافق أو نتقاتل). والخطير أيضا في هذه التصريحات هو الإعلان عن أعداء النظام الإيراني الجدد حيث قال: (إنّ إيران تدافع عن شعوب المنطقة ضد التطرف الإسلامي والإلحاد والعثمانية الجديدة والوهابية). وهو بهذا التصريح يقرّر أنّ الدولة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان التي يحلو للبعض إطلاق (العثمانية الجديدة) عليها أصبحت في قائمة أعداء النظام الإيراني، ومعها المملكة العربية السعودية التي يحلو للبعض أيضا إطلاق صفة (الوهابية) عليها بحكم نشأة وظهور المذهب الوهابي (محمد بن عبد الوهاب) فيها. أي الخيارين يختار العرب: نتوافق أو نتقاتل ؟ لا أرى أنّ أي عاقل يمكن أن يدعو أو ينظّر للقتال والحرب مع إيران بحكم أنّها دولة مسلمة جارة لها نفوذ وإمكانيات واسعة، إذا حلّ السلام والتفاهم والتعاون معها فهذا من مصلحة الشعوب العربية والشعب الإيراني. ولكن هل التفاهم السلمي ممكن مع النظام الإيراني الحالي؟. الجواب على هذا السؤال يعيدنا للسياسة الإيرانية منذ تولي الإمام الخميني السلطة في العام 1979 وتحويل إيران إلى مسمى (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، حيث بدأ اللعب على عواطف الجماهير العربية والإسلامية بقطع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي علانية بينما العلاقات السرّية تحت الطاولة بنفس عمق العلاقات في زمن نظام شاه إيران، ويكفي دليلا قاطعا غير قابل للنقض فضيحة (إيران جيت) التي انكشفت عام 1981 وبعده حيث كان يتم تصدير السلاح خاصة الصواريخ من دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهتها للحرب مع نظام صدام حسين التي أطلق عليها (قادسية صدام) أو (حرب الخليج الأولى). ثم تلا ذلك تخصيص يوم أطلق عليه الملالي (يوم القدس) لتهييج الجماهير خطابيا وعاطفيا. والحقيقة أنّ التصعيد الطائفي السنّي الشيعي في المنطقة لم يعرف أية نسبة من ذلك قبل استلام الخميني السلطة، إذ بدأ التصعيد والتهييج الطائفي في كافة وسائل الإعلام الإيرانية حيث العربي هو (سني ناصبي طائفي وهابي والعدو الأول لآل البيت) وكأنّ آل البيت ليسوا عربا ومسلمين ولهم حظوة واحترام عند كافة المسلمين من كل المذاهب. وكذلك الضخ العنصري ضد الجنس العربي في الثقافة الشعبية الإيرانية ومن قبل كتاب وأدباء إيرانيين كثيرين، حيث يفهم المتتبع أنّ الإيراني كعنصر فارسي لا يمكن أن ينسى أن الجنس العربي هو الذي أطاح الإمبراطورية الفارسية قبل أكثر من 1400 عام وفرض عليها الدين الإسلامي، ورغم مرور هذه المئات من السنين على هذا الحدث و تعاقب عشرات الأجيال الإيرانية إلا أنّ هذا الحدث يشكّل القاعدة الأساسية في الخيال الشعبي الإيراني لكره العنصر العربي الذي هو في عمق هذا الخيال: (الحافي، القذر، الموبوء، البشع، صاحب الجلد الأسود، المتعطش للدماء، القاسي، المتوحش، الكريه، الشيطان، اللص، آكل النمور والسحالي، المغتصب، راكب الجمل، وائد البنات، الخادع، الجشع، الوحش، البغيض، الكاره للآخرين، البدائي، الهمجي، المثير للقرف والاشمئزاز) كما أورد الباحث الفلسطيني الدكتور فيصل دراج في مقالة له بعنوان (صورة العربي في الأدب الفارسي) يعرض فيها لكتاب (جويا بلندل سعد) بعنوان (صورة العربي في الأدب الفارسي) من ترجمة صخر الحاج حسن، والصادر عن دار قدمس في دمشق عام 2007. استمرار المدّ الطائفي الإيراني ويعبر عن نفسه علانية بالدعم غير المحدود للنظام الطائفي العلوي في سوريا، حيث يتجاهل النظام الإيراني رغبات الشعب السوري وتطلعاته للخلاص من حكم عائلة تنهب البلاد والعباد منذ 45 عاما، ومن غير المفهوم هذا الدعم من نظام ثار على تسلط الشاه واستمراره الوراثي في السلطة، ويمتد الدعم الطائفي الإيراني لجماعة الحوثيين في اليمن حيث خربوا اليلاد وقسّموها حقيقة بقوة السلاح والدعم الإيراني، وفي لبنان يشكّل حزب الله الإيراني دويلة داخل الدولة اللبنانية ويعطّل أية تفاهمات إذا أدّت إلى نزع سطوته وتعطيل إدارات دويلته داخل الدولة اللبنانية، ومن نفس المنطلق الطائفي يرسل الحزب علانية آلافا من مقاتليه للحرب مع قوات الطائفي بشار السد والحجة لجميع هذه القوى الطائفية هي حماية المراقد الحسينية التي اكتشفوها أخيرا في مدينة درعا السورية التي انطلقت منها الثورة السورية في مارس 2011. نعم للتوافق ولا للتقاتل وحقيقة فإن نظام الملالي في إيران اعتمادا على الحقائق والمعطيات السابقة لن يقبل ولا يريد أي توافق أو تفاهم مع العرب إلا إذا استمرت سيطرته وسطوته السابقة، بالإضافة لاستمرار احتلاله الجزر الإماراتية الثلاث منذ عام 1971 ومصادرة كافة حقوق القلية العربية السنّية داخل إيران بما فيها منعهم من استعمال لغتهم القومية العربية التي هي لغة القرآن، والأساس هو استمرار احتلال الأنظمة الإيرانية للأحواز العربية منذ عام 1925. إزاء ذلك فإنّ قرار التفاهم أو التقاتل مع العرب هو بيد ملالي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو مستبعد خاصة بعد التفاهم الأمريكي افيراني الذي سينفذ قريبا والقاضي بتجميد المشروع النووي افيراني لمدة عشر سنوات، وبدأ النظام الإيراني بالتمهيد للقبول ميدانيا بإصدار عملة غيرانية جديدة عن البنك المركزي الإيراني حذف منها صورة المشروع النووي الإيراني، وهذا التفاهم الأمريكي سيطلق يد نظام الملالي قوية طويلة في ميادين نفوذها وسطوتها السابقة في العراقوسورياولبنان واليمن وتصدير المشاكل والأزمات لأقطار عربية أخرى.