في هذا الحوار الذي خصّ به "الشروق"، يتحدث الأمين العام ل"المجلس الإسلامي العربي" العلامة محمد علي الحسيني، والذي يمثل المرجعية السياسية للشيعة العرب، عن مؤامرات إيران ضد العرب عبر شيعتها، ولا يتوانى الحسيني عن اتهام دولة "ولاية الفقيه" بالمسؤولية عن كل أزمات دول المنطقة، ليصل إلى قناعة أنها لا تختلف في الجوهر عن تنظيم "داعش". كيف ترى الوضع العام في العالم العربي؟ الوضع العربي صعبٌ للغاية؛ فالأمة العربية تتعرّض لهجمات شرسة منذ عقود، وللأسف فإننا نعيش منذ ذلك الوقت مسارا تراجعيا. وقد وصلنا إلى مرحلة خطيرة للغاية تتمثل بمحاولة تقسيم المقسّم؛ أي إدخال المزيد من التقسيمات على سايكس بيكو، وأخطر ما في هذه المحاولة أنها تلبس لبوس الإسلام، والدين منها براء، وقد تحوّلت الصراعات المتعددة إلى طائفية ومذهبية. أمتنا العربية الإسلامية تمرّ بمرحلة خطيرة للغاية، ويمكننا التركيز، في عرض المخاطر التي يواجهها العرب والمسلمون، على خطرين رئيسيين يهددان المصير العام. الأول هو خطر الاختراق الخارجي الذي تمثله إيران، والثاني هو خطر التفتيت الداخلي الذي يمثله تنظيم "داعش"، وكلاهما وجهان لعملة واحدة خصوصاً أنهما يلجآن للسلاح المذهبي بغية تحقيق مبتغاهم؛ ففي حين أنّ إيران تثير النعرات الشيعية لتجد موطئ قدم في كل دولة عربية تصل أليها، فإن "داعش" تثير النعرات السنية، لتبرير قيام دولة تزعم أنها دولة "الخلافة الإسلامية". التنظيمان يستخدمان العنف وسيلة لتحقيق المآرب؛ فطهران تدعم الجماعات والأحزاب التي تخرّب دولها من الداخل، و"داعش" يتلقف الهدية الإيرانية، وينشئ في المقابل قوة مقابلة. لتشتعل فتنة سنية شيعية، لا تمتّ للإسلام بمختلف مذاهبه بصلة. ما هي مسبّبات الوضع المتأزم الذي نعيشه؟ لقد عانت الأمة من مصاعب كثيرة، وواجهت تحدياتٍ لا تحصى، ولكن الوضع الراهن هو الأخطر، لأن إيران منذ تولي الملالي سدة الحكم اتبعت سياسة "فرّق تسد" على أوسع نطاق، استنادا إلى مفاهيم طائفية مذهبية. لقد عمل الحكم الإيراني بجدّ على اختراق المجتمعات العربية، عبر بعض الأفراد والمجموعات الشيعية، والترويج لنظرية "ولاية الفقيه" التي تُلزم الشيعة بإتّباع الحاكم الإيراني. وبطبيعة الحال، هذه مجرد بدعة فكرية، وقد أنفقت مليارات الدولارات لتمويل وتسليح الأحزاب والأفراد التابعين لها كي يكونوا حصان طروادة داخل بلدانهم، وهذا هو سبب الأزمات في العراقوسوريا واليمن ولبنانوالبحرين، وقد أرادتها طهران وسيلة دعائية سياسية لتجنيد الناس لخدمة مشروعها الشيعي.
أيهما أخطر على العرب: إيران أم إسرائيل؟ كلّ جهة تتدخّل في الشؤون الداخلية العربية تشكّل خطراً على الأمن القومي العربي، لقد فعلت إسرائيل فعلها في قهر الدول العربية وشعوبها، وقد رفضت كل مبادرات السلام لأن العرب كانوا أضعف من أن يفرضوه. وقد أدّت إلى التسويات الثنائية بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، واليوم جاء دور إيران لتفعل فعلها في اختراق المجتمعات العربية من الداخل، وبالمحصّلة إسرائيل أخضعت العرب وإيران تحاول اليوم تفتيتهم.
ماذا تريد إيران من العالم العربي؟ تعتبر إيران أن العالم العربي هو مداها الحيوي، ومساحة لمدّ نفوذها كي تصبح قوة إقليمية، مشروع نظام ولاية الفقيه الإيراني ليس وهما، إنه حقيقي في أدبيات المفكّرين والقادة الإيرانيين. لقد قالها صراحة أحد أبرز مستشاري الرئيس الإيراني والذي يزعمون أنه معتدل، لقد قال علي يونسي: إن "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد عظمى، فتفاوض الغرب من أجل مكاسبها الخاصة حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي". وهذه إشارة إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها. وهل هو نفس المخطط في البحرين والسعودية واليمن؟ ما تقوم به إيران والجماعات التابعة لها يشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي العربي، وليس لأمن البحرين فقط، وهذا عدا عن أنه مرفوض ومستنكَر، يجب أن يكون مدعاة لاستنفار أمني عربي، وعلى أعلى المستويات لمواجهة الحرب الاستخباراتية الإرهابية، وخنق أيّ محاولة اعتداء جديدة في المهد. إن العبث بالأمن القومي العربي خط أحمر ولأن إيران تجاوزته يجب علينا جميعا التحرّك كل في مجاله لمجابهتها، لذلك نذكر بدعوانا المتكررة إلى المواطنين الشيعة في البحرين والسعودية وفي سائر الدول العربية إلى ضرورة الحذر الشديد من خطورة دعوات خامنئي ونصر الله المحرّضة على أمن الأمة العربية واستقرارها، ونعيد التأكيد أن مصلحة الشيعة العرب هي في الحفاظ على أمن أوطاننا واستقرارها. بعد فشل النظام الإيراني في اليمن وسورياوالعراق، عاد نظام "الوليّ الفقيه" إلى التصويب على مملكة البحرين. ولأن تحريضه السياسي ذا النفس الطائفي والمذهبي لم يجد أذانا صاغية لدى الإخوة في البحرين، عاد إلى أسلوب القتل والإرهاب، ظانا أنه يستطيع بذلك هز استقرار المملكة، ولكن هيهات أن تفلح أساليب الإجرام. من منبركم أدعو المواطنين الشيعة في البحرين والسعودية إلى تحمّل مسؤوليتهم الشرعية والوطنية للحفاظ على أوطانهم وحمايتها من العابثين بأمنها واستقرارها، وخصوصا أن ما ترتكبه جماعات إيران حرامٌ شرعا، ولا يجوز بأي حال من الأحوال المشاركة فيه، لا بل يجب محاربته بكل الوسائل. وبالتالي يتوجّب على جميع المواطنين التعاون والتنسيق مع السلطات السياسية والأمنية لإبطال وإفشال المخطط الإرهابي. اليمن اليوم هو على مفترق طرق، وسيحدد مستقبله الكثير من ملامح المستقبل العربي، فهذا البلد تعرّض لحرب عدوانية إيرانية متسترة بالحوثيين وبعض بقايا النظام البائد، وقد أدى الانقلاب على الرئيس الشرعي للبلاد إلى إشعال حربٍ جديدة تنذر بتفتيت اليمن وإخضاعه كليا للسيطرة الإيرانية، إلا أن التدخل العربي القويّ المتمثل ب"عاصفة الحزم" بقيادة المملكة العربية السعودية، أعاد الأمل بإمكان الحفاظ على اليمن عربيا سيّدا عزيزا.
هنالك تصوّرٌ عام لدى أهل السنة، مفاده أن ولاء الشيعة، أيا كانوا لاسيما الشيعة العرب، هو لإيران.. ما رأيكم؟ هذا غير صحيح، وإن كان ثمة ما يبرر هذا القول، نعم هناك بعض المجموعات الشيعية انجرفت خلف الدعاية الإيرانية التي تزعم أن طهران تريد حماية إخوانها في المذهب الشيعي. والواقع أن العكس صحيح، أي أن إيران تريد من هؤلاء تأمين وحماية مصالحها. لذلك فإن الشيعة بغالبيتهم في مواجهة بعض الدعاة من الشيعة العرب الذين أخذوا بنظرية "ولاية الفقيه"، والغالبية الساحقة من العلماء الشيعة العرب يرفضونها ويؤكدون أنها ليست من أصل المذهب الشيعي. ومنذ اليوم الأول الذي أراد فيه الولي الفقيه الإيراني الموسوي الخميني بسط سطوته على ما بعد حدود الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وضع نصب عينيه استغلال الانتماء العقائدي والفقهي لبعض العرب كونهم من الشيعة الإثني عشرية، بغية تحويلهم إلى ما يشبه طوابير تعمل بوحي من طهران وخدمة لمصالحها. نجح نظام الملالي تارة بالإغراء وتارة بالترهيب الذي وصل إلى القتل وطوراً آخر بشهر سلاح التخوين. وإذا كانت عبارة "شيعة السفارة" هي الأحدث في هذا السياق، فإنّ الشيعة في لبنان بجورهم لم ولن يخضعوا لمن يريد سوقهم بعيداً عن انتمائهم الوطني والعروبي. لقد ذاق الشيعة العرب الأمرّين من الحروب التي زجتهم فيها طهران، وأدركوا مدى خطورة أن يكون الولاء لغير الدول العربية التي ينتمون إليها، ونحن نؤكّد ذلك، وكل دعوتنا تقوم على أن لا ينجرّوا إلى هذا الفخ، ولاؤنا عربي أولا وأخيرا.
كان يُنظر إلى حزب الله بعد حرب 2006 على أنه بطل قومي عربي، كيف تكسّرت تلك الصورة لدى المواطن العربي؟ كان لحزب الله دورٌ في قتال إسرائيل، وكانت هناك ظروفٌ تساعد على نموه وتطوره، مثل وجود الاحتلال الإسرائيلي، وقد عملت إيران على مده بكل الإمكانيات المالية والعسكرية والتسليحية والتدريبية، فتضخم وصار جيشا قائما بذاته. نعم، لقد خاض حزب الله الحروب أولا، واحتكر حزب الله مقاومة الاحتلال لنفسه وسحق كل القوى الأخرى من الأحزاب الوطنية اللبنانية وحركة أمل الشيعية، وذلك ليس لغاية المقاومة، وإنما لهدف خبيث تحقق لاحقا، وهنا نصل إلى الأمر الثاني، وهو أن هذا القتال لم يكن لتحرير الأرض اللبنانية بل من أجل جعل جنوبلبنان والبقاع قاعدة عسكرية إيرانية، تمكِّن طهران من استخدامها في التفاوض الإقليمي. وقد قالها قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني بصراحة، عندما تباهى أن حدود إيران تمتد إلى البحر الأبيض المتوسط بواسطة حزب الله، هذا ما اتضح عندما انطلقت الثورة السورية، فقد أسرعت إيران إلى إرسال مقاتلي حزب الله إلى سوريا للدفاع عن النظام السوري، وبطبيعة الحال فإن الشعب العربي اكتشف حقيقة ما فعله هذا الحزب منذ بداياته في اختراق المجتمعات العربية وتفتيتها، لقد فُضح دوره كرأس حربة إيرانية في الجسد العربي.
حُجة الحزب أنه يحارب التكفيريين ويدافع عن المقدسات الشيعية، ألا تشفع له هذه المبررات لدخوله الحرب السورية؟ لقد أسهم دخول حزب الله إلى سوريا في تقوية شوكة التكفيريين، فعندما تورط في القتال إلى جانب نظام الأسد بطلب من طهران، أراد أن يحوّل الثورة السورية إلى صراع مذهبي، وهذا ما حصل للأسف، لذا يمكننا القول إن حزب الله ومن خلفه طهران ونظام الأسد هم الذين صنعوا الفكر التكفيري والتنظيمات الإرهابية. أما قوله إن قتاله للدفاع عن المقدسات الدينية فلا أساس له لأن الثورة في انطلاقاتها لم تكن أصولية مذهبية، ولم تكن تلك المقدّسات في خطر، ولكن بعد دخول حزب الله كطرف شيعي، أثيرت ردود الفعل الطائفية والمذهبية.
وجهتَ رسالة تهنئة للشيخ مثنى الضاري بعد تعيينه أمينا عاماً لهيئة علماء المسلمين في العراق؟ هل يفهم من رسالة التهنئة أنك مع السنة في محنتهم بالعراق والتي تعدّ أحد مسبباتها الكتائب الشيعية؟ الشيخ مثنى الضاري هو من الشخصيات العراقية الوطنية المرموقة، وهو أهلٌ للقيادة والدعوة، لذلك ننسج معه أفضل العلاقات. أما الهدف فهو التأكيد أن الصراع في العراق ليس مذهبيا في أصله، وقد حوّلته إيران إلى نزاع مذهبي، لأنه يخدم مصالحها. وللأسف شاركت دولٌ كبرى في هذا. نعم نحن مع أهل العراق إذا تعرضوا لأي أذى من أي جهة، ونحن مع أهل السنة إذا تعرضوا للظلم من أي كان، وخصوصا من جهات تعتبر نفسها تمثل المذهب الشيعي.
على ذكر العراق، ما قولكم في كتائب "الحشد الشعبي"؟ كتائب الحشد الشعبي تؤدي الدور نفسه الذي يؤديه حزب الله في لبنان، إنها ذراعٌ إيرانية لتفتيت العراق كي تتمكن من السيطرة عليه وحكمه، وقد ارتكبت هذه الجماعة فظاعات ومحرّمات يندى لها الجبين. ونحن في الأصل وفي المبدأ نرفض أي شكل من التجمعات المذهبية، لأنها تدمّر العراق وتحقق أهداف أعدائه.
ما العلاقة التي تجمعك بمراجع علماء السنة، في العالم العربي سواء في المشرق أو المغرب؟ إنها علاقة ممتازة تنطلق من الحرص المشترك على وحدة الإسلام، ولا أقول الوحدة الإسلامية، لأن هذه العبارة استغلت بشكل بشع، وتم حرفها عن معانيها. لقد تحدث الخميني عن هذه الوحدة وتبيّن من السلوك الإيراني لاحقا، أن المقصود منها حشد المسلمين في دول عدة تحت الراية الإيرانية. نحن نقول بوحدة الإسلام، لأن ديننا الحنيف تعرّض لاختراقات خطيرة، وأصبح الحديث عن وجود إسلام داخل الإسلام ممكنا، وقد كان لنا محاضرة موسعة حول هذا الموضوع ألقيناها مؤخرا في الإمارات. كذلك نحن ندعو إلى مزيد من التواصل والتحاور بين كل علماء الأمة في المغرب والمشرق، لأنه السبيل الوحيد لحماية الإسلام من كل التشوّهات التي ألحقت به، ومن أجل تأكيد عروبتنا ذات الهوية الإسلامية، في مواجهة أعداء الأمة.