بقلم: الدكتور عثمان سعدي* تقرر في تعديل الدستور الجزائري الجديد جعْل الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. وهذا أمر خطير لأنه يصنع من الأمازيغية المصنّعة لغة في مستوى واحد مع العربية تدخل في صراع معها لصالح بقاء هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة الجزائرية. علما بأن أول دستور سُنَّ سنة 1963 نص في مادته الثالثة على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية وجاء نتيجة لاستفتاء شعبي ولم يرتفع صوت واحد يطالب باعتماد اللغة الأمازيغية لأننا خرجنا من ثورة ما زال وهَجُها مشعا.. لكن يبدو أن هذا الوهج قد ضمُر ضوؤه لدى المسؤولين على الدولة الجزائرية بعد أكثر من نصف قرن على الاستقلال. لقد عُدل الدستور بلا استفتاء أي بتصويت البرلمان سنة 2002 حيث اعتبر الأمازيغية لغة وطنية وتعديل 2016 سيكون بالبرلمان أيضا وبلا استفتاء. لأنهم يدركون أن الشعب سيرفض لغة رسمية ثانية. وهذا الموقف هو ما يراه الاستعمار الفرنسي الجديد ففرنسا موحِّدة لغويا في بلادها فهي ترفض الاعتراف باللغات الجهوية حيث رفضه مجلس الوزراء الفرنسي سنة 1999 وصرح وزير الداخلية شوفينمون قائلا: (الاعتراف باللغات الجهوية معناه بلقنة فرنسا) أي تدمير الوحدة الوطنية الفرنسية. ورفض مجلس الشيوخ الفرنسي الاعتراف باللغات الجهوية كعنصر في التراث الوطني الفرنسي سنة 2008 ودعمت ذلك الأكاديمية الفرنسية. لكن فرنسا تقول إنه بالمغرب العربي توجد أربع لغات: العربية الفصحى والدارجة والبربرية والفرنسية. وقد عملت فرنسا لذلك منذ قيام الثورة الجزائرية وقرارها بمنح الاستقلال لتونس والمغرب لتتفرغ لمواجهة الثورة الجزائرية وراح مفكروها الاستراتيجيون يرسمون الخطط في التعامل مع دول المغرب العربي المستقلة. فظهر كتاب سنة 1956 نشر بالجزائر تأليف الجنرال أندري P.J.Andre عضو أكاديمية العلوم الاستعمارية كتب مقدمته جاك سوستيل الحاكم العام للجزائر جاء فيه: (من المحتمل أن يأتي يوما تهب فيه الأمة المغربية البربرية لإحياء وعيها القديم بذاتها وترفع فكرة الجمهورية البربرية إذا سادت فكرة الدولة التيوقراطية العربية في المغرب الأقصى). وينتقل الجنرال إلى الحديث عن الجزائر فيقول: (إن المسألة البربرية في الجزائر مسألة قبائلية فمنطقة القبائل أكثر انفتاحا على الحركات الخارجية من منطقة الأوراس.. ينبغي الإعداد للمستقبل لأن المسألة البربرية تطرح الآن [1956] في الجزائر وفي المغرب الأقصى) [1 ]. واستقلت الجزائر سنة 1962 وفي سنة 1967 تأسست الأكاديمية البربرية في فرنسا وراحت تعد تحت مظلة البربرية النشطاء لنشر النزعة البربرية المناهضة للعربية والنصيرة للفرنسية بالجزائر والمغرب وعلى رأسهم سالم شاكر. ركزت على القبائلية واعتبرتها هي الأمازيغية وأعطتها الحروف اللاتينية بينما حروف الأمازيغية هي الحروف العربية وأن الموروث الثقافي للهجاتها مكتوب بالحرف العربي. وتكونت عملية تشويه الأمازيغية والقبائلية في تيزي وزو بتوجيه من الأكاديمية البربرية في باريس. لكنّ العلماء الفرنسيين النزيهين يرفضون موقف فرنسا فالمستشرق الفرنسي مترجم القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية المولود في الجزائر جاك بيرك Jaques berque يقول (من الخطأ الكبير الاعتراف باللغة البربرية كلغة رسمية ثانية إلى جانب العربية من طرف بلدان المغرب العربي ولا أعتقد بأن مطلب اللغة البربرية مشروع لأنه سيؤدي في النهاية إلى تقسيم الولاء).. [2 ] إن بيرك مدير لأكبر معهد بباريس وهو [الكوليج دي فرانس] . كان يعتبر نفسه جزائريا يتكلم العربية بطلاقة وبلا لكنة وعندما توفي أوصى بمكتبته الضخمة إلى مدينة فرندة الجزائرية التي ولد فيها. وهم يمهدون للترسيم بصنع لغة أمازيغية مركزية لكن علماء فرنسيين يستنكرون ذلك فالتلاميذ الثلاثة للأب داليه J.M.Dallet آلان M.Allain وجاك لانفري J.Lanfry وبييتر ريسينك P.Reesink يكتبون مقدمة قاموسه عن القبائلية فيقولون: (إن هذا العمل لتغيير القبائلية يعتبر مناقضا للأسس العلمية للغات) [ 3]. وهم يشيروا إلى تغيير كلمات القبائلية بكلمات أخرى بعيدة في نظرهم عن العربية فمثلا غيروا تحية الإسلام (السلام فلاّون) التي يستعملها الأمازيغ في سائر لهجاتهم بما فيها القبائلية بعبارة [آزّول فلاّون] وكلمة آزول لا وجود لها في قاموس سائر اللهجات الأمازيغية توجد كلمة قريبة لها وهي آزّو وتعني الشوك.. وغيروا كلمتي الرب والله بكلمة [يلّو] جاهلين أن (الإلّ) باللغة العربية تعني الله تطورت إلى كلمة الله كما غيروا كلمة الشهادة بكلمة أمغْراسْ. وغيرها من عشرات الكلمات التي كانوا يرسلونها بالفاكس لمقدم الموجر بالقبائلية في الإذاعة الجزائرية فيقوم بتسريبها كقوله مثلا [يلّو سو لا فو دير لو بون ديو]. أما عن أصل الأمازيغية فالمؤرخون النزيهون الغربيون يقرون بأن الأمازيغ هاجروا من الجزيرة العربية في تاريخ مغرق في القدم مع بداية المرحلة الدفيئة الثالثة warm3 للكرة الأرضية حيث زحف الجغاف على الجزيرة العربية بعد أن كانت تتمتع قبل عشرين ألف سنة قبل الميلاد بمناخ رطب شبيه بمناخ أوروبا الآن بحيث كان يشقها نهران من الشمال إلى الجنوب. فتكونت أول حضارة بشرية بها على الزراعة وتدجين الحيوان. وعندما زحف الجفاف بالجزيزة العربية وذاب الجليد في أوروبا وشمال إفريقيا انتقل الإنسان العربي بحضارته إلى وادي الرافدين فوادي النيل بعد أن انحسرت المستنقعات في مجاري الأنهر الثلاثة يقول ول ديوربانت well Durant: في كتابه الموسوعي قصة الحضارة (إن الحضارة وهي هنا زراعة الحبوب واستسخدام الحيوانات المستأنسة قد ظهرت في العهود القديمة غير المدونة في بلاد العرب ثم انتشرت منها في صورة مثلث ثقافي إلى ما بين النهرين (سومر وبابل وأشور) وإلى مصر). [ 4]. وبطبيعة الحال انتقلت اللغة العربية من الجزيرة العربية وتفرعت إلى لهجات مرتبطة باللغة الأم مثل الأكدية والبابلية والأشورية والآرامية والكنعانية والبربرية وغيرها بعد أن اكتسبت خصائص محلية وتركزت سماتها في العدنانية التي نزل بها القرآن الكريم وحملت اسم العربية. لقد حدثت هجرات عديدة لم يسجلها التاريخ والذي سجله التاريخ هجرة الكنعانيين الفينيقيين في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد للمغرب حيث أخرجوا بني عمومتهم الأمازيغ القحطانيين من العصور الحجرية وأدخلوهم التاريخ وتكونت قرطاج التي هي كنعانية أمازيغية وصارت اللغة الكنعانية الفصحى المكتوبة محاطة بلهجات أمازيغية قحطانية شفوية يقول المستشرق الفرنسي(هنري باسيه H.Basset) إن البونيقية لم تختف من المغرب إلا بعد دخول العرب ومعنى هذا أن هذه اللغة بقيت قائمة هذه المدة سبعة عشر قرنا بالمغرب وهو أمر عظيم [5 ] ثم جاء الإسلام بالعدنانية لغة القرآن الكريم التي حلت محل الكنعانية واستمرت البربرية لهجات شفوية حولها. يقول المؤرخ الفرنسي المتخصص في اللغة البربرية أندري باسيه A.Basset الذي نشر كتابا سنة 1929 عنوانه (اللغة البربرية): (لم تقدم البربرية أبدا لغة حضارة لا في الماضي ولا في الحاضر كما أنها لم تقدم لغة موحدة موزعة على مجمل البلاد كما لم يكن لها آداب مكتوبة أو مدارس تعلم فيها. لقد كانت ولا زالت لغة محلية لقد فتتت البربرية إلى لهجات متعددة مجزأة حسب كل قرية لدرجة أنه لا توجد لهجات بربرية ولكن يوجد لها واقع لهجوي (Fait dialectal) بل إن التفاهم بين جماعة بربرية وأخرى قليل أو معدوم) [6]. يقول جابرييل كامبس G.Camps في كتابه (البربر ذاكرة وهوية) : (إن علماء الأجناس يؤكدون أن الجماعات البيضاء بشمال إفريقيا سواء كانت ناطقة بالبربرية أو بالعربية تنحدر في معظمها من جماعات متوسطية جاءت من الشرق في الألف الثامنة بل قبلها وراحت تنتشر بهدوء بالمغرب والصحراء)[7] ويقول المؤرخ الفرنسي بوسكويهG.H.Bousquet : (وعلى كل حال يوجد ما يجعلنا نقتنع بأن عناصر مهمة من الحضارة البربرية وبخاصة اللغة أتت من آسيا الصغرى عن طريق منخفض مصر في شكل قبائل تنقلت في شكل هجرات متتابعة على مدى قرون عدة في زمن قديم لم يبت في تحديده) [8]. ويقول المشتشرق الألماني أوتو روسلر Otto Rossler الذي يسمى الأمازيغية النوميدية قيقول في كتابه [النوميديون أصلهم كتابتهم ولغتهم]: (إن اللغة النوميدية لغة سامية انفصلت عن اللغات السامية في المشرق في مرحلة مغرقة في القدم).[ 9] العمود الفقري للبربرية هو وزن أفعول مثل أكسوم أغروم والعمود الفقري للغة الحميرية باليمن وزن أفعول [10] وهذا الوزن غير موجود بلغة القرآن. وحتى الخط تيفيناغ الذي يسميه البربريون خطا بربريا مشتقا من الخط الفينيقي الذي هو منحدر من الخط المسند العربي القديم الحميري. ويعترف أمراء البربر بانتمائهم إلى حِمْير. فعندما ساءت علاقة أبو فتح المنصور الزيري الصنهاحي بالقرن العاشر الميلادي مع الخلافة الفاطمية في القاهرة عبر عن طموحه في الاستئثار بحكم المغرب العربي دون المظلة الفاطمية أمام شيوخ القبائل الذين حضروا إلى القيروان لتهنئته بالإمارة قائلا لهم: (إن أبي وجدي أخذا الناس بالسيف قهرا وأنا لا آخذهم إلا بالإحسان وما أنا في هذا الملك ممن يولّى بكتاب ويعزل بكتاب لأنني ورثته عن آبائي وأجدادي الذين ورثوه عن آبائهم وأجداهم حِمْيَر) [ 11 ]. الأمازيغية لغة عاربة لا مستعربة وقد أوضح ذلك سعيد بن عبدالله الدارودي من مدينة صلالة في سلطنة عُمان في كتابه (حول عروبة البربر). قارن به بين كلمات أمازيغية وكلمات لهجات من ظفار. كما بينت ذلك بوضوح في كتابي (الأمازيغ عرب عاربة). الخلاصة: أولا: كل الدول المهمة بالعالم بها لغة رسمية واحدة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا وإيطاليا وألمانيا والصين واليابان وكوريا والفييتنام وغيرها في 19 جانفي 1794 جرى التصويت في برلمان أمريكا على اختيار اللغة الرسمية بين الألمانية والإنجليزية فاختيرت هذه الأخيرة ب 42 صوتا مقال 41 صوتا أي بفراق صوت واحد تجنبا لترسيم لغتين. عندما سنّ قادة الثورة سنة 1963 دستور الجزائر اعتمدوا في مادته الثالثة على أن العربية هي اللغة الوطنية والرسمية ولم يرتفع صوت واحد يطالب بلغة ثانية وطنية أو رسمية. إذن فاعتماد اللغة الأمازيغية لغة رسمية ثانية تهديد للوحدة الوطنية. فلا توجد لغة أمازيغية مركزية وإنما توجد لهجات لا يفهم بعضها البعض. ثانيا: نحن مع العناية بالأمازيغية وبموروث لهجاتها الذي كتب بالخط العربي من تعاليم دين وشعر وحكم وحجيات وأمثال وموسيقى لكن لسنا مع صنع لغة وترسيمها يكفيها أنها حصلت على صفة لغة وطنية. أنا أمازيغي أنتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية هي قبيلة اللمامشة عندما أزور قريتي أرحب أي أدبك بالشاوية قمت بجمع تراث موسيقي أمازيغي عربي من جبال الشاوية وأصدرته في قرص مضغوط تحت عنوانه (13 قطعة موسيقية وصفية من الموسيقى الشعبية الجزائرية) وهي تعتبر قطعا نادرة غير مجموعة لم يقم به دعاة النزعة البربرية فهم يهتمون باللغة فقط لدفعها في صراع مع العربية لصالح الفرنسية. كما فرّغت قواميس القبائلية والشاوية واللهحات الأمازيغية المغربية الثلاث وأصدرت (معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية) وأثبت أن تسعين في المائة منها جذورها عربية عاربة ومستعربة. ثالثا: كتب بعض الإخوة القبائل الذين أحترمهم فأيدوا ترسيم الأمازيغية وأنا أنبههم بأن زوايا الجزائر ومنطقة القبائل بما فيها زاوية الشيخ حسين جد المرحوم حسين آيت أحمد تدرّس اللغة العربية ولم يحدث أبدا أن درست القبائلية. عبد الحميد بن باديس الصنهاجي أبو النهضة الجزائرية حصر دعوته في تعليم العربية ولم يدع أبدا لتعليم الأمازيغية. وقال قولته المشهرة: شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب ما قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب أو رام إدماجا لها رام المحال من الطلب هذا لكم عهدي به حتى أوسد بالترب فإذا هلكت فصيحتي تحيا الجزائر والعرب وختاما أهيب بأعضاء البرلمان الجزائري بغرفتيه ألا يرتكبوا الخطأ التاريخي الكبير فيؤيدوا ترسيم الأمازيغية فتُفرض البربرية الملتّنة المصنوعة في مخابرالأكاديمية البربرية بفرنسا في التعليم وفي كتابة بطاقة التعريف وفي الوثائق الإدارية ويدمروا بذلك الوحدة الوطنية خيانة لدم مليون ونصف المليون شهيد الذين ضحوا من أجل جزائر واحدة. [1] General P.J.Andre (C R) de L Acadenie des Sciences Coloniales:L etude des Confreries religieuses MusulmanesP 351-352 Alger 1956 [2] صحيفة الأهرام المصرية عدد 18/6/1995 [3] Paris 1982 Français.- Dictionnaire Kabyle : J.M.Dallet [4] ويل ديورانت Well Diorant قصة الحضارة الترجمة العربية ج 2 صفحة 43 القاهرة 1961 [5] H.Basset : les Influences Puniques chrz les Berberes Revue Afriquaine V62 [6] A.Basset : La Langue Berbere Paris 1929 [7] G.Camps:les Berbres:Mémoire et identite P11 Paris 1995 [8] G.H.Bousquet:les Berbers P26 Paris 1957 [9] O.Rosler: Za:50 1952 Orientalia20 151 [10] مجلة المجمع العلمي السورية عدد أفريل نيسان 1986 [11] ابن عذاري ج 1 ص 343 بيروت 1950 ابن الأثير ص 7 ص 121 القاهرة 1357 ه