رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: مجزرة بيت لاهيا إمعان في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ونتيجة للفيتو الأمريكي    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    توقرت: 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإباضية والإباضيون في الجزائر
نشر في صوت الأحرار يوم 13 - 10 - 2008

كتب الأستاذ الجامعي الدكتور عبد الرحمن مكاوي في القدس العربي عدد 9/9/2008 ، عن الأباضية في الجزائر، تضمنت بعض أخطاء ودسا مقصودا لا يليق بإستاذ جامعي. كتب الأباضية بالظاء والصحيح هي بالضاد. ذكر عبارة [الإيديولوجية البعثية الحاكمة والمتمثلة في جبهة التحرير... المذهب السني البعثي] . الغريب أن الكاتب يرفع نفس الشعار الذي يرفعه اللوبي الفرنكفوني في الصحف المفرنسة بالجزائر، المعادي للتعريب، فيعتبر كل من بدعو للغة العربية أصوليا [أنتيجريست] إن كان ملتحيا، وبعثيا [بعثيست] إن كان غير ملتح، جبهة التحرير جمعت كل التيارات خرجت منها حتى الأحزاب الإسلامية. بذكر الكاتب [أن الأباضيين الجزائريين لا يشعرون بأنهم عرب]. وهو بهتان وظلم للأباضيين ، فالمذهب الأباضي كونه عرب من عُمان واليمن، كما سيرد بالبحث الذي أقدمه. الأباضيون بالجزائر يسمون أنفسهم بالمزابيين نسبة إلى وادي مزاب وهو وادي ، فهي تسمية جغرافية، الأمازيغ البربر بالجزائر يؤمنون بعروبتهم وعربيتهم ما عدا فئة قليلة كوّنها المستعمر بلغته وتمسيحه في بلاد القبائل. وأنا أنتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية بربرية وهي قبيلة النمامشة الشاوية.
بقلم الدكتور عثمان سعدي: رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية
يبدو أنه كتب علي أن أصحح أخطاء السيد عبد الرحمن ، فقد سبق أن صححت مغالطاته في مقال ظويل على صفحات القدس العربي الغراء عدد 1/6/2008 .
وإلى قراء القدس العربي الحقائق التاريخية عن ابأضيي الجزائر والمغرب العربي عموما.
ما كتب في الكتاب المدرسي عن الأباضية والأباضيين ظلم لهذا المذهب ، وانعكاس لجهل الكثير عن تاريخ الجزائر، المليء بالدس الذي سربه المستشرقون الفرنسيون في إطار إحداث الفرقة بين الجزائريين. وقد رأيت أن أنقل ما كتبته عن الأباضية والدولة الرستمية في كتابي بعنوان [ الجزائر في التاريخ ] والذي هو تحت الطبع.
ثورة الأباضيين على ظلم الأمويين:
ولّدت سياسة حلفاء بني أمية المستبدة المنافية لتعاليم الإسلام الصحيحة ردود فعل نجم عنها نشوء تيارات وأحزاب، فقد كانوا لا يطبقون نظام الشورى الذي عمل به الخلفاء الراشدون، ولم يسوّوا بين الناس، وبذّروا خزينة الدولة والمال العام في الشهوات والإنفاق على الأتباع ؛ فنشأت في العراق أحزاب تنادي بتطبيق تعاليم الإسلام المؤسسة على المساواة والعدل، واتِّباع الشورى لاختيار الإمام، فظهرت الإباضية تنسب إلى الداعية عبد الله بن إبّاض المري التميمي.
ومن أئمتها أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي العُماني، الذي يعتبر المؤسس الفعلي للإباضية، وكان من أكبر علماء عصره بالشريعة والفقه، متبحرا في أصول الفقه، تتلمذ على العديد من الصحابة، فقال مفتخرا: " أدركت سبعين رجلا من بدر، فحوينا ما عندهم من العلم إلا البحر الزاخر [ ويعني عبد الله بن عباس]" .
مالك بن أنس يشيد بمؤسس المذهب الأباضي:
وكان ابن عباس يمتدح علم جابر بن زيد فيقول: "إسألوا جابر بن زيد، فلو سأله من بالمشرق والمغرب لوسعهم علما". ولما توفي جابر عبر مالك بن أنس عن خسارة الإسلام بفقده فقال: مات اليوم أعلم من في الأرض". [ 1 ] .
اضطهد الأمويون جابر بن زيد ، ونفاه الحجاج بن يوسف إلى عُمان، لكنه عاد إلى البصرة وظل يعمل لإنشاء الجمهورية الإسلامية العادلة إلى أن توفي سنة 113 ه . وخلفه تلميذه أبو عبيدة مسلم على إمامة الإباضية ، فسجنه الحجاج مع بعض علماء الإباضية ، ثم أفرج عنه في عهد سليمان بن عبد الملك، وعندما اقتنع بأن المشرق مسيطر عليه من الأمويين الذين لا يسمحون للمذهب بالانتشار فاختار أحد تلاميذه هو سلمة بن سعد بعثه إلى المغرب الذي كان يرى فيه أمل انتشار الإباضية.
وما أن وصل ابن سعد لِسرت بليبيا حتى راح المذهب ينتشر بقوة بين القبائل البربرية التي كانت ساخطة على ولاة الأمويين والعباسيين. واتجه علماء إباضيون للبصرة لينهلوا من العلم هناك، وهم: عبد الرحمن بن رستم الفارسي، وعاصم السدراتي، وأبو دواود القبلي النفزاوي، وإسماعيل بن ضرار الغدامسي، وانضم إليهم عند أبي عبيدة أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري اليمني، اختاره أبو عبيدة لرئاسة الدولة الإباضية. وعاد العلماء الخمسة للمغرب بعد خمس سنوات قضوها في نهل العلم بالبصرة.
لا تصنف الأباضية من الخوارج، بل إن الخوارج انفسهم لدى انطلاقهم ثاروا على الظلم، يقول المؤرخ المصري حسن إبراهيم : "إن قيام الخوارج من البربر في وجه العباسيين لم يكن خروجا على الدين ، بل كان خروجا على السلطة الحاكمة وعلى ظلم الولاة" [ 2 ] .
ولم تكن هذه الدولة بربرية بل مسلمة، فقد حوربت من بعض القبائل البربرية كقبيلة لواتة.
محاربة الأباضيين للخوارج المتطرفين:
أعلن قيام الدولة الإباضية سنة 140 ه ، وبويع أبو الخطاب إماما في طرابلس وسيطرت الدولة على مساحة بالمغرب بين طرابلس والقيروان وفزان. وسعد الناس بعدلهم ونزاهتهم وحسن سلوكهم. اختار أبو الخطاب زميله في العلم عبد الرحمن بن رستم قاضيا في طرابلس. وعندما احتلت قبيلة ورفجومة الصّفرية الخارجية المتطرفة القيروان وارتكبت بها المناكر بكى أبو الخطاب وهاجمهم بجيش سنة 141 ه وهزمهم وشتت شملهم، وقتل قائد جيشهم الجعدي، وحرر القيروان من الصفريين، وامتد انتشار الإباضية حتى مدينة وهران.
في سنة 142 ه وصل جيش العباسيين بقيادة أبو الأحوص العجلي، فاشتبك به أبو الخطاب في غدامس فهزم أبو الأحوص الذي عاد بفلول جيشه لمصر. وجمع أبو جعفر المنصور جيشا قويا وضع على رأسه محمد بن الأشعث الخزاعي عامل العباسيين بمصر وعينه واليا على المغرب. ولما شاهد قوة الجيش الأباضي استعمل الحيلة فتظاهر بالانسحاب نحو مصر ، لكنه عاد وهاجم على غرة معسكر أبي الخطاب في تاورغا سنة 144 ه فهزم الإباضية وقتل أبو الخطاب. وكان عبد الرحمن بن رستم متجها لنجدة أبي الخطاب وعندما علم باستشهاده ، تراجع واتجه نحو المغرب الأوسط. وكون:
الدولة الرستمية بتاهرت:
تعتبر هذه الدولة التي أسسها الأباضيون أعظم دولة في تاريخ الجزائر. بنيت على العدل واتصف خلفاؤها بالنزاهة الراشدية، ودام حكمها قرنا ونصف قرن من 144 ه وحتى 296 ه ..
وسيطرالأباضيون على المغرب العربي من طرابلس وحتى وهران.
جمع المال بالمشرق لدولة تاهرت:
انتشر دعاة الإباضية بالمشرق منطلقين من البصرة يجمعون المال للدولة الإباضية بتاهرت. وتحرك وفد كبير يحمل أحمالا هامة من المال نحو المغرب الأوسط، ووصلوا تاهرت ونزلوا بالمصلى، فأناخوا جمالهم ودخلوا تاهرت من باب الصفا، ودلهم الناس على دار عبد الرحمن، " فوجدوا عند بابها غلاما يعجن طينا، فيناوله رجلا على سطح الدار يصلح شقوقا فيه، فسلموا على الغلام، فرد السلام. فقالوا : أهذه دار الإمام؟ تعجبا من بساطتها، وظنا ألا تكون هي دار الإمام، ، إذ كانوا يتوهمون أن يجدوا داره قصرا منيفا فقال الغلام : نعم. فقالوا له : استأذن لنا منه، وأعلمه إنّا رسل إخوانه إليه من البصرة. فرفع الغلام رأسه إلى سيده، وقد علم أنه سمع كلامهم.
فقال : قل للقوم يصبرون قليلا . ثم أقبل على ما كان من إصلاح السطح حتى انقضى، والقوم ينظرون إليه، وهم شاكون فيه، هل هو صاحبهم أم لا. فنزل من سطحه إلى داره ، فغسل ما كان بيديه من أثر الطين ، ثم توضأ وضوء الصلاة ، فأذن للقوم فدخلوا عليه ، فوجدوا رجلا جالسا على حصير فوقه جلد ، وليس في بيته سوى وسادته وسدته التي ينام عليها وسيفه ورمحه ، وفرس مربوط في ناحية من داره .
فسلموا عليه ، وأعلموه أنهم رسل إخوانه إليه . فأمر غلامه بإحضار طعامه ، فأتاه بمائدة عليها قرص ساخن وسمن وشيء من ملح .
فأمر بذلك القرص فهشم ، وأمر بالسمن فلت به. ثم قال : على اسم الله ادنوا وكلوا ، فأكل معهم . فلما انقضى طعامهم ، جدد الترحيب بهم ، فسالهم ما مرادكم ؟ وما جاء بكم ؟ فقالوا له : نريد أن تأذن لنا فنخلو بأنفسنا ، ثم نكلمك بعد ذلك ، فقال : افعلوا. فنهض لتواضعه ، فأخلى لهم المجلس، فجلسوا نجيا ، فقال بعضهم لبعض : يكفينا من السؤال عنه ما رأيناه منه من إصلاحه لداره بنفسه ، ومطعمه وملبسه وحلية بيته ، فما نرى إلا أن ندفع إليه المال ، ولا نشاور أحدا فيه.
وكان الذي معهم ثلاثة أحمار من المال ، ست غرائر ، فأجمع رأيهم على حمل المال إليه". [ 3 ] .
ثم أبلغوه بأمر مساعدة إباضية المشرق له في تمكين دولته بهذا المال . جمع ابن رستم مجلس الشورى من وجوه القبائل في المسجد الجامع، فعرض عليهم المعونة فقرروا قبولها، على أن يقسم المال على ثلاث حصص : ثلث للكراع[أي الاقتصاد] ، وثلث للسلاح ، وثلث للفقراء.ذ
تعمق الأباضيين في الثقافة العربية:
انتشرت فلسفة المعتزلة في قبيلة زناتة البربرية، وكان الوصاليون يؤلفون حزبا قويا في تاهرت، ويقدر ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان عدد المعتزلة شمال تاهرت بثلاثين ألفا، وأنهم كانوا يعيشون في بيوت كبيوت الأعراب بحملونها [ 4 ] .
إن وجود مذهب المعتزلة الفلسفي بين البربر دليل على أن البربر سرعان ما اندمجوا في الثقافة العربية الإسلامية، وتعمقوا في عمقها الفلسفي، وهذا يؤكد عروبة البربر وانهم عرب عاربة. والمعتزلة مذهب فلسفي سياسي يرتكز على خمسة مبادئ: القول بالتوحيد، والقول بالعدل، والقول بالوعد والوعيد وهو أن الله صادق وعده ووعيده لا يغفر لمرتكب الكبيرة إلا بعد التوبة، والقول بالمنزلة بين المنزلتين وهو أن صاحب الكبيرة ليس بمسلم ولا بكافر لكنه فاسق، والقول بالمعروف والنهي عن المنكر وهو تكليف المؤمنين بالجهاد وإقامة حكم الله على كل مخالف أمره أو نهيه، سواء كان كافرا أو كان فاسقا" . [ 5 ]
ويقول المستشرق نيبرج : "إن المعتزلة هم الذين أسسوا علم اللاهوت، بمناظرتهم فلاسفة الوثنيين واختلاسهم أسلحتهم من أيديهم عند ذلك، كذلك أوجدت المعتزلة كلام الإسلام وأسسته" [ 6 ] .
لقد تعمدت أن أسوق هذه الأمثلة التي تؤكد أن مذهب المعتزلة فلسفي أكثر منه سياسي، لأثبت أن البربر اندمجوا في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي، لدرجة أنهم تجاوزوا المذاهب السياسية إلى المذاهب الفلسفية، وهذا يشير إلى تمكنهم من الثقافة العربية الإسلامية، فصاروا يفهمون بل ويتمثلون الأفكار الفلسفية التي تعتبر أعمق ما يوجد في الثقافات والحضارات.
قام الأمويون بالأندلس بدعم الدولة الرستمية أمام أطماع الولاة العباسيين، فكونوا علاقات قوية معها، ولم ينس أبناء عبد الرحمن الداخل أن الفضل في قيام دولتهم بقرطبة يعود إلى دعم البربر أخوال عبد الرحمن الداخل. الذين استقبلوه وهو الهارب من إبادة العباسيين، فعبّروه الزقاق إلى الأندلس ونصّبوه على قرطبة. فالعباسيون أعداء لقرطبة وأعداء لتاهرت ، ولهذا فتحالفهما أمر طبيعي.
ويرى دبوز أن قيام الدولة الرستمية مكّن دولة عبد الرحمن الداخل من الرسوخ ، وأتاح له السبيل إلى الازدهار، كما أن الدولة الرستمية كانت الجسر الذي يصل دولة بني أمية في الأندلس بالمشرق الإسلامي العربي [ 7 ] .
ويقول ليفي برفنسال : "أن الإمام أفلح تلقى من مملكة الأندلس الأموية معونة هامة من المال ، قابلها الإمام بأن أرسل لقرطبة كمية هائلة من القمح، بل وتزويدها بجنود رستميين انخرطوا في الجيش الأموي، بحيث برز جنرال رستمي بين الجنرالات الأمويين وهو محمد بن رستم وهو من أحفاد عبد الرحمن بن رستم. بل إن المدعو عبد الرحمن وهو رستمي كان وزيرا لعبد الرحمن الثاني بقرطبة، ويبدو أنه أخ أو ابن للجنرال المذكور". [ 8 ] .
وانفتحت الموانئ الأندلسية والرستمية بعضها على بعض في تبادل تجاري بين وهران والمرية وتبادل الزيارات بين علماء الدولتين وأدبائها وتجارها.
الحياة الثقافية بالدولة الرستمية:
امتازت الحياة الفكرية بالدولة الرستمية بالتسامح المذهبي والديني. وكان فقهاء الإباضية يناظرون شيوخ المذاهب الأخرى ويفسحون المجال لكل شيخ مذهب أن يدافع عن مذهبه. ويذكر ابن الصغير بأن المناظرات كانت بين فقهاء الفرق المختلفة متسمة باللباقة والملاطفة وكان الإمام أفلح عالما في الفلك والحساب كما كان شاعرا وله قصيدة يحث فيها على طلب العلم ، يقول فيها:
العلم أبقى لأهل العلم آثارا
يريك أشخاصهم روحا وأبكارا
حي وإن مات ذو علم وذو ورع
ما مات عبد قضى من ذلك أوطارا
وذو حياة على جهل ومنقصة
كميّت قد ثوى في الرمس إعصارا
واجعله لله لا تجعله مفخرة
ولا ترائي به بدوا وأحضارا
ولم تقتصر الثقافة على الرجال فحسب بل شملت المرأة أيضا حيث شاركت كثير منهن في ازدهار الحركة الثقافية والعلمية، منهم أخت الإمام أفلح التي حذقت علم الحساب والفلك والتنجيم.
ومن أشهر علماء العهد الرستمي بكر بن حماد [ أبو عبد الرحمن بن أبي إسماعيل الزناتي [البربري] التاهرتي] ، ولد سنة 200ه ، فتعلم أولا في تاهرت ، ثم سافر للقيروان فتتلمذ عل سحنون بن سعد، ثم هاجر إلى بغداد، سنة 217 ه ، فتتلمذ على علمائها، والتقى بشعرائها المشهورين من أمثال : أبي تمام، ودعبل الخزاعي، وعلي بن الجهم، ومسلم بن الوليد، وابن الأعرابي . واتصل بخلفاء الخلافة العباسية وبأئمة تاهرت، قال عنه ابن عذاري : كان عالما بالحديث وتمييز الرجال وشاعرا مفلقا. علّم بحامع القيروان سنة 274 ه ، تنقل إلى الأندلس وتتلمذ على يديه أدباؤها منهم قاسم البياتي. وبعد تطواف طويل عاد بكر إلى بلده تاهرت سنة 295 ه ، وبعد أشهر أي في شوال 296 ه توفي بقلعة بن حمة شمال تاهرت أي في نفس السنة التي سقطت فيها تاهرت ببن أيدي العبيديين الفاطميين الشيعة.
ومن شعره قوله لما غادر العراق:
وقال أيضا في التأمل في الحياة التي لا تدوم:
تبيت على فراشك مطمئنا
كأنك قد أمنت من المعاد
فيا سبحان من أرسى الرواسي
وأوتدها مع السبع الشداد
الموت يهدم ما تبنيه من بذخ
فما انتظارك يا بكر بن حماد
وعندما مات ابنه عبد الرحمن رثاه بقصيدة رائعة يقول فيها:
وهوًّن وجدي أني بك لاحق وأن بقائي في الحياة قليل وأن ليس يبقى للحبيب حبيبه وليس بباق للخليل خليل ولو أن طول الحزن مما يرده للازمني حزن عليه طويل
وفي المشرق يمدح بكر بن حماد الخليفة العباسي المعتصم فيصله بصلات جزيلة، ويهجو الشاعر دعبل لهجوه المعتصم فيقول:
أيهجو أمير المؤمنين ورهطه
ويمشي على الأرض العريضة دعبل؟
أما والذي أرسى ثبيرا مكانه
لقد كادت الدنيا لذاك تزلزل
ولكن أمير المؤمنين بفضله
يهم فيعفو أو يقول فيفعل
وعاتب الشاعر المشهور أبو تمام بكرا قائلا: قتلته والله يا بكر ، فرد عليه على وزن القصيدة:
وعاتبني فيه حبيب وقال لي
لسانك محذور وسمّك يقتل
وإني وإن صرفت في الشعر منطقي
لأنصف فيما قلت فيه وأعدل
ولبكر بن حماد قصيدة في مدح علي بن أبي طالب، منها:
قل لابن ملجم والأقدار غالبة
هدمت ويلك للإسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدم
وأول الناس إسلاما وإيمانا
وأعلم الناس بالقرآن ثم بما
سنّ الرسول لنا شرعا وتبيانا
صهر النبي ومولاه وناصره
أضحت مناقبه نورا وبرهانا
وقد أشاد بتسامح الأباضيين الرستميين المذهبي المؤرخ ابن الصغير المالكي في كتابه [ ذكر بعض الأخبار في الأئمة الرستميين]. وهو مؤرخ ملكي المذهب .
ومن علماء تاهرت المتسامحة مع المذاهب والأديان العالم التاهرتي اليهودي يهودا بن قريش التاهرتي، الذي كان عالما لغويا يجيد العربية والعبرية والبربرية والفارسية والآرمية كتب في علم اللغة المقارن بين العبرية والآرامية والعربية.
أما أبو سهل الفارسي فكان يتقن البربرية وشغل ترجمانا في بلاط افلح. وقد حرر كتبا دينية بالبربرية.
إن المذهب الأباضي مذهب متسامح، صاف ، مؤسس على مبادئ حكم الأسلام كما ظهر في حكم الخلفاء الراشدين. ويذهب بعض المؤرخين العرب فيعتبرونه المذهب الخامس الذي يكمل المذاهب السنية الأربعة، وقد ورد في هذا البحث موقف الإمام مالك بن أنس من مؤسس المذهب الأباضي. أقام هذا المذهب أعظم دولة بالجزائر [المغرب الأوسط ] وهي الدولة الرستمية وعاصتها تاهرت أي تيارت. وقد كانت دولة متسامحة تعايشت فيها سائر المذاهب والملل.
وقد حارب الأباضيون الكيانات الخارجية المتطرفة كالأزارقة والصفرية. ومن أحكام هذا المذهب تحريمه للدخان أي السجاير، وتتجه الآن الإنسانية كلها إلى تحريم هذه الآفة.
إن وصف المذهب الأباضي بالخارجي خطأ يسفهه التاريخ والعلماء وعلى رأسهم مالك بن أنس يوم الشيخ بيوض: أقيم في شهر يوليو تموز 2008 بالمكتبة الوطنية الجزائرية ، يوم للشيخ علي بيّوض المصلح العلامة الميزابي الأباضي، شارك فيه نخبة من العلماء والمفكرين، وقد كان هذا المصلح مناضلا كبيرا في الحركة الوطنية. لاحظت في هذا اليوم أن المتدخلين أهملوا جانبا مهما من كفاح هذا المصلح، فتدخلت وقلت ما يلي: " لم يثر أي متدخل جانبا من نضال هذا المصلح الكبير، وهو مواجهته للنزعة البربرية ومحاربتها .
عندما كنت طالبا في معهد عبد الحميد بن باديس بالأربعينيات ااخمسينيات من القرن الماضي ، أدرك أخطر والي عام فرنسي وهو شاتينيون أن سر قوة الحركة الوطنية في وحدتها، فأصدر تعليماته بإثارة النزعة البربرية للتفريق بين العرب والبربر، وتدمير الوحدة الوطنية، وأثمرت تعليماته فيما بعد فتسربت هذه النزعة لحزب الشعب في سنة 1948 ، وواجهتها قيادة الحزب بقوة، وخير من فصل ذلك هو ابن يوسف بن خدة في كتابه [جذور أول نوفمبر 1954] , وشاركت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الرد على الحملة البربرية فكتب الشيخ البشير الإبراهيمي مقاله المشهور [عروبة الشمال الإفريقي ] الذي قال فيه قولته الرائعة:[العربية عقيلة حرة لا تتحمل ضرة]، ومن القرارة تصدى الشيخ بيوض لهذه النزعة ، وخير من عبر عن ذالك الشاعر الأباضي الميزابي الأمازيغي المناضل الكبير عيسى حمو النوري في قصيدة نشرها في البصائر سنة 1951 حفظت منها أربعة أبيات لا زالت راسخة في الذاكرة يقول:
من رائعات الشرق بيوض الذي
نسل الشمال وأنجبت ميزابُ
والعبقرية من سلالة نبتة
إن أُرجعت لأصولها الأعشاب
ودم العروبة في العروق مراجل
تغلي وتومض تحتها الأنساب
أكذب بما قال المدمر ضلة
إن المدمر ساحر كذاب
ولهذا فلا بد من الباحثين أن يتتبعوا موقف الشيخ بيوض المناهض للنزعة البربرية. ولا بد من التفريق بين الأمازيغية البربرية والنزعة البربرية، فالأولى عنصر من عناصر تاريخنا ، والثانية تيار خلقه الاستعمار القديم وطوره الاستعمار الفرنسي الجديد، لتدمير الوحدة الوطنية بالجزائر والمغرب" .
وختاما وردا على الكابب المغربي، أن شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا كاتب النشيد الوطني الجزائري أباضي مزابي، والشاعر صالح الخرفي أباضي مزابي وهو قومي عربي. إن اللغة الأمازيغية البربرية لغة عروبية تفرعت عن العربية القديمة منذ آلاف السنين مثل الآرامية والكنعانية والبابلية والأشورية وغيرها، وبما أنني أملك العربية والأمازيغية ، فقد قمت بإصدار [معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية البربرية] أثبت فيه أن كلمات الأمازيغية عربية بنسبة تسعين في المائة. كلماتها عاربة ومستعربة. هي لغة عاربة قحطانية.
* هذه الحقائق مستمدة من كتاب لي تحت الطبع عنوانه [الجزائر في التاريخ
[ 1 ] أبو الربيع سليمان الباروني ، مختصر تاريخ الأباضية، ص 29 ، تونس 1938
[ 2 ] حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الإسلام ، ج 2 ، ص 207 ، القاهرة 1964
[ 3 ] المالكي [أبو بكر] ، رياض النفوس ، ص 10 ، القاهرة 1951
[ 4 ] ياقوت الحموي ، معجم البلدان، ج 2 ، ص 8 ، بيرت 1955
[ 5] الخياط المعتزلي ، كتاب الاقتصاد والرد على ابن الراوندي، ص 50 51 القاهرة 1925
[ 6 ] حسن إبراهي حسن ، ج 2
[ 7 ] محمد علي دبوز ، تاريخ المغرب الكبير ، ج 3 ، ص 350 ، القاهرة 1963
[ 8 ] E.Levi-Provençal : Histoire de L'Espagne Musulmane T1 P245-246 Paris 1950


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.