وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ قصص وعبر من اللحظات الأخيرة للعمر (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) سورة المؤمنون99. لماذا؟! لماذا تريدين العودة؟! (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)سورة المؤمنون100. مرت جنازة فسأل أحد السلف لصاحبه: ماذا كنت تتمنى لو كنت مكانه؟ قال: أتمنى أن أرجع إلى الدنيا وأصلي ركعتين فقال: له أنت في الأمنية فاعمل. وفي هذه اللحظات يثبت الله الذين أمنوا بالقول الثابت أما العاصي المعرض عن الله فالله أعلم بحاله ولكن عند النزع لا ندري ما نقول! إذن هنا الامتحان هنا تثبيت الله للعبد لكي يوفقه لحسن الخاتمة والتوفيق لقول: (لا إله إلا الله) فمن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة كما في الحديث الصحيح: (مَن كان آخرُ كلامِه لا إلهَ إلَّا اللهُ دخَل الجنَّةَ) (رواه أبو داود وصححه عدد من العلماء). ولكن لا يوفق العبد لحسن الخاتمة والتفوه بقول: (لا إلهَ إلَّا اللهُ) إلا إذا كانت أعماله صالحة فيثبته الله تعالى عند نزع الروح ولكن إذا كان بعيدا عن الاستقامة فهل يوفق لحسن الخاتمة؟ ولنقرأ هاتين القصتين الأولى: من لا يوفق ولا يستطيع التفوه ولا نطق قول: لا إلهَ إلَّا اللهُ لأن قلبه مشغول بالمعاصي واللسان يترجم ما في القلب. والثانية: لمن يوفق في آخر لحظات حياته لقول: (لا إلهَ إلَّا اللهُ) وحسن الختام نسأل الله تعالى أن يحسن خاتمتنا. فهذه قصة شاب - كان من العابثين - يحكى عنه أنه حصل له حادث مروع في طريق من مكة إلى جدة. قال الراوي الذي حضر المشهد: فلما رأينا منظر السيارة ومشهدها الخارجي قلت أنا ومن معي من الإخوة: ننزل فننظر ما حال هذا الإنسان وكيف أصبح فلما اقتربنا من الرجل وجدناه في النزع الأخير من حياته ووجدنا مسجل السيارة مفتوحا على أغان غربية باطلة يقول: فأغلقنا المسجل ثم نظرنا إلى الرجل وما يعانيه من سكرات الموت فقلنا: هذه فرصة لعل الله - عز وجل - أن يجعل على أيدينا فلاح هذا الرجل في دنياه وآخرته فأخذنا نقول له: يا هذا قل: لا إله إلا الله. أتدري أخي - بماذا تكلم في آخر رمق في حياته؟! ليته ما نطق لقد قال كلمة رهيبة عظيمة! لقد سب دين الله رب العالمين نعوذ بالله من الشقاء والخذلان وسوء الخاتمة. حسن الخاتمة وهذا باختلاف قصة رجل يقرأ القرآن يسير بسيارته سيراً عادياً وتعطلت سيارته في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة. ترجّل من سيارته لإصلاح العطل في أحد العجلات وعندما وقف خلف السيارة لكي ينزل العجلة السليمة. جاءت سيارة مسرعة وارتطمت به من الخلف. سقط مصاباً إصابات بالغة. يقول أحد العاملين في مراقبة الطرق: حضرت أنا وزميلي وحملناه معنا في السيارة وقمنا بالاتصال بالمستشفى لاستقباله شاب في مقتبل العمر. متديّن يبدو ذلك من مظهره. عندما حملناه سمعناه يهمهم. ولعجلتنا لم نميز ما يقول ولكن عندما وضعناه في السيارة وسرنا. سمعنا صوتاً مميزاً: إنه يقرأ القرآن وبصوت ندي. سبحان الله لا تقول هذا مصاب الدم قد غطى ثيابه. وتكسرت عظامه. بل هو على ما يبدو على مشارف الموت. استمرّ يقرأ القرآن بصوت جميل. يرتل القرآن. لم أسمع في حياتي مثل تلك القراءة. أحسست أن رعشة سرت في جسدي وبين أضلعي. فجأة سكت ذلك الصوت. التفت إلى الخلف فإذا به رافعاً أصبع السبابة يتشهد ثم انحنى رأسه قفزت إلى الخلف. لمست يده ثم قلبه ثم أنفاسه. لا شيء فارق الحياة. نظرت إليه طويلاً. سقطت دمعة من عيني أخفيتها عن زميلي التفت إليه وأخبرته أن الرجل قد مات. انطلق زميلي في بكاء. أما أنا فقد شهقت شهقة وأصبحت دموعي لا تقف. أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثرا. وصلنا المستشفى أخبرنا كل من قابلنا عن قصة الرجل. الكثيرون تأثروا من حادثة موته وذرفت دموعهم. أحدهم بعدما سمع قصة الرجل ذهب وقبل جبينه. الجميع أصروا على عدم الذهاب حتى يعرفوا متى يُصلى عليه ليتمكنوا من الصلاة عليه. اتصل أحد الموظفين في المستشفى بمنزل المتوفى. كان المتحدث أخوه. قال عنه: إنه يذهب كل اثنين لزيارة جدته الوحيدة في القرية. كان يتفقد الأرامل والأيتام والمساكين. كانت تلك القرية تعرفه فهو يحضر لهم الكتب والأشرطة الدينية. وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين. وحتى حلوى الأطفال لا ينساها ليفرحهم بها. وكان يرد على من يثنيه عن السفر ويذكر له طول الطريق يقول: إنني أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته. وسماع الأشرطة والمحاضرات الدينية. وإنني أحتسب عند الله كل خطوة أخطوها. ثم من الغد غص المسجد بالمصلين. صليت عليه مع جموع المسلمين الكثيرة. وبعد أن انتهينا من الصلاة حملناه إلى المقبرة. أدخلناه في تلك الحفرة الضيقة. استقبل أول أيام الآخرة. وكأنني استقبلت أول أيام الدنيا. نسأل الله - تعالى - حسن الختام إنهما ميتتان ولكن شتان ما بينهما!