الشيخ أبو إسماعيل خليفة للأسف.. لقد درج الإنسان على التعامل مع البيئة بأنانية وأخذ يعبث في مقومات الحياة فلوّث الماء الذي يشربه وأفسد الهواء الذي يتنفسه وأهلك الحرث والنسل بالكيماويات والسموم وتسبب في خبث التربة الزراعية فلم تعد تنبت إلا نكدا. وإننا أيها الفضلاء حينما نتأمل كتابَ الله تبارك وتعالى ونقرأه بترتيل وتدبر نرى أنه -جل في علاه- أمرنا بكل ما فيه خيُرنا في الدنيا والآخرة وحذَّرَنا من كُلِّ ما فيه شرُّنا في الدنيا والآخرة وإنَّ مما حذَّرنا منه سبحانه: الفساد.. والفساد في الأرض: قد يكون ماديا بتخريب عامرها وتلويث طاهرها وإهلاك أحيائها وإتلاف طيباتها أو تفويت منفعتها وقد يكون بإشاعة الظلم ونشر الباطل وتقوية الشر وتلويث الضمائر وتضليل العقول. وكلاهما شرّ يبغضه الله ولا يحب أهله ولذا تكرر في القرآن الكريم: (والله لا يحب المفسدين) (والله لا يحب الفساد). قال تعالى: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها). يعني أن الله خلق الأرض صالحة مهيّأة لتنبت للإنسان وتعطيه ما يحتاج إليه. كما قال تعالى: (وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها) سبحانه حينما خلق الأرض بارك فيها وقدر فيها أقواتها فنحن نأتي لنفسد في هذه الأرض. نفسد تربة الأرض ونفسد الماء ونفسد الهواء نفسد كل شيء فنحن للأسف لا نشكر النعمة بل نكفرها. وقد قال سبحانه: (ولئن كفرتم إن عذابي شديد) يعني ولئن كفرتم بالنعمة ولم تؤدوا حقها إن عذابي لشديد. قال بعض الباحثين: (لو كان للبيئة لسان ينطق لصكّت أسماعنا صرخات الغابات التي تحرق عمدا في كل مكان وأنين المياه التي تخنقها بقع الزيت في البحار وفي كل مكان وحشرجة الهواء المختنق بالغازات). لقد نهانا شرعنا الحنيف عن إتلاف الغرس والشجر وإهلاك الحرث والثمر وقد جاء النهي صريحا في سنة الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم فعَن عبد الله بن جحش قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ يَعْنِي: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلَاة يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ وَالْبَهَائِمُ غَشْمًا وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا صَوَّبَ الله رَأسه فِي النَّار.. ووجهنا إلى العمل والغرس وإن لم نحصل على فواكه أو نتائج ويأمرنا بالغرس الذي هو من أهم الأعمال الصالحة فقد ذكره صلى الله عليه وسلم في معرض ذكره لأعظم الأحداث وهي قيام الساعة فدل ذلك على أهميته فقال كما جاء في مسند أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا). فلا يقول مسلم ما الفائدة من الغرس والزرع بل يغرس ويعتني ويعمل ويترك النتيجة على الله وهو إن شاء الله مأجور وهو محاسب أمام الله على العمل وليس محاسبا على ثمار العمل. روي أنّ رجُلا مَرّ بأبي الدّرداءِ وهو يَغرِسُ جَوْزَةً فقال أتَغْرِسُ هذِه وأنتَ شَيخٌ كبيرٌ وهذهِ لا تطعَمُ إلا في كَذا وكذا عامًا فقال ما عليَّ أن يكونَ لي أجرُها ويَأكُلُ منها غيْرِي.. فالبيئة هي بيتنا ومستقرنا فإن فسدت فسدت صحتنا وإن صلحت قويت أجسامنا. وهي من النعم الظاهرة والباطنة التي وهبها الله تعالى للإنسان قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْم وَلَا هُدًى وَلَا كِتَاب مُّنِير ). لقمان20. ألا إن المحافظة على البيئة واجب شرعي فيه إرضاء للرحمن وعافية للأبدان وسلامة من الأسقام وقبل ذلك هي مظهر من مظاهر الإيمان. فحافظوا على بيئتكم ومحيطكم وصححوا أخطاءكم واشكروا ربكم على أن أسكنكم هذه الديار وفضلكم على كثير من خلقه تكرما وإحسانا واستغفروه إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا.