استخلاف الإنسان في الأرض هو أمر من الله تعالى بالمحافظة عليها ورعايتها، وتوجيه منه سبحانه للإنسان بإعمارها وإصلاح ما يطرأ عليها من فساد. 1- قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} سورة البقرة: آية 30. 2- وقال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} سورة ص: آية 26. يلاحظ في الآية الأولى حرص الملائكة على الأرض-من حيث إنها مخلوقة لله- وخشيتهم على ما يصيبها من الفساد بفعل الإنسان {قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا}. وفساد الأرض يتعلق بالمكان والزمان. {وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}. وسفك الدماء يتعلق بالإنسان، إذن فقد كانت خشيتهم تتعلق بالإنسان أيضا، لأنه مخلوق لله، يستحق الرحمة والرعاية. وتظهر الوحدة البنائية في النص من خلال عرضها لثنائية الأرض والإنسان في قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [سورة البقرة: آية 205] {لِيُفْسِدَ فِيهَا} فساد الأرض {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} هلاك الإنسان، بهلاك الغذاء وهلاك النسل. ويستفاد من ذلك أن فساد الإنسان والبيئة متعلق بفعل الإنسان وسلوكه، فإن غلبت عليه الشهوات والهوى وحاد عن العقل والعلم كان هلاكا لنفسه ولغيره، وإن غلب عقله وتدبره وسعى لتحصيل العلم والحكمة فإنه سيوافق السنة والمنهج الحق الذي قام عليه الخلق، ويصير فعله إعمارا وبناء وإبداعا. ويلاحظ في الآية الثانية ما جاء فيها من ذكر الخلافة والأرض والحق، فالحق هو الله سبحانه وتعالى، والحق هو الذي قام عليه الخلق، فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئا عبثا أو لعبا. قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (سورة الأنبياء: آية 16-18)، وقال سبحانه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [سورة المؤمنون: آية 115-116.] فالله سبحانه وتعالى عندما جعل داوود خليفة في الأرض طلب منه الحكم بالحق، والحق مرادف العدل والصلاح وضد العبث واللعب والفساد، وأصل الملك الذي أُوتِيهِ داوودُ الخليفةُ هو القيام بالحق. ولذلك أعقبه بقوله (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى)، والهوى هو الجانب الذي ظهر للملائكة أولا في خلق آدم، فكان حكمهم على الإنسان بأنه سيفسد في الأرض ويسفك الدماء. والحق هو العقل والعلم، وهو الجانب الذي خفي عن الملائكة أول الأمر. وقد أمر الله سبحانه وتعالى النبي محمدا صلى الله عليه وسلم أن يحكم بالحق والقسط، لأن ذلك طريق المحبة والقربى من الله، قال تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} سورة المائدة: آية 42. 3- وسيادة الإنسان على الكون سيادة انتداب، وليست سيادة تملك وتسلط مطلق، فالإنسان قائم بما يقوم به الموكل من الحفظ والرعاية، وذلك مفهوم الخلافة الذي جاء به الإسلام. فقد سَخَّرَ الله الأرضَ وجعلها مذللةً للإنسان كي يستفيدَ من خيراتها، فوجب عليه العمل والسعي، لتحصيل نفعها والإصلاح فيها. وقد جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤكد أهمية العمل بالنسبة للإنسان، وأهمية التربية على المنهج الذي يمنح الإنسان العزم والقوة والكرامة في حياته باستهدائه سُبُلَ العمل الشريف. فدعوة الإسلام دعوة إلى العمل الشريف، ورسالته تقول للإنسان: اعمل واجتهد في التنمية والإصلاح، وسيرى الله عملك ورسولُه، وستجازى عليه. ولكن اعمل بشرف ودون غش أو خداع. فالعمل بناء، والشرف منهج، والعمل لا يكون إيجابيا إن افتقد الشرف والأمانة.