قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْن وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} ... [التوبة: 72]. وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68]. الله تبارك وتعالى خالق كل شيء .. خلق الدنيا والآخرة .. وخلق الجنة والنار .. وجعل الجنة دار أوليائه .. وجعل النار دار أعدائه. وجعل الدنيا دار تكميل الإيمان والأعمال .. وجعل الجنة دار تكميل الشهوات واللذات .. وجعل النار دار العذاب والعقوبات. خلق سبحانه الجنة وجعلها داراً للثواب لمن آمن به وأطاعه. وخلق النار وجعلها داراً للعقاب لمن كفر به وعصاه. وجعل الخير كله بحذافيره في الجنة ففيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. نعيم برؤية الرب الرحيم وسماع كلامه ورضوانه ونعيم بما أعده الله لعباده المتقين من المساكن والقصور وألوان الطعام والشراب والحور العين والجنات والبساتين. وجعل سبحانه العذاب كله بحذافيره في النار فكل شر وبلاء وعذاب وعقاب جمعها الله للكفار والعصاة في النار. وقَسَّم سبحانه العذاب والنعيم في الآخرة على الأبدان والأرواح. فللأبدان نعيم .. وللأرواح نعيم .. وكذلك للجسد عذاب وللروح عذاب. فمن نعيم الجسد كل ما تشتهيه الأنفس وتلتذ به من الطعام والشراب وثمرات النخيل والأعناب ومن الشراب أنهار الخمر والعسل واللبن والماء. ومن نعيم الروح رؤية الرب جل جلاله ورضاه والقرب منه. ومن عذاب الجسد ما يعذَّب به أهل النار من النار التي تحرق أجسامهم والحميم الذي يقطِّع أمعاءهم والطعام الكريه المر الذي تعافه النفوس من الزقوم والغسلين والضريع. ومن الشراب الماء الحميم والصديد الكريه كما قال سبحانه: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَان وَمَا هُوَ بِمَيِّت وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)} [إبراهيم: 16 17]. وتعذب أرواحهم بالصَّغار والإهانة وتحجب أبصارهم عن رؤية الله وعذاب الاحتجاب عن الله وإهانته لهم وغضبه عليهم وسخطه والبعد عنه أعظم عليهم من التهاب النار في أجسامهم وأرواحهم كما قال سبحانه: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16)} [المطففين: 15 16]. والدنيا دار العمل والآخرة دار الجزاء لكن لا ينقطع العمل والسؤال إلا بعد دخول دار القرار: في الجنة أو النار. أما في البرزخ وعرصات القيامة فلا ينقطع ذلك كسؤال الملكين الميت في قبره ودعوة الخلائق إلى السجود لله يوم القيامة وامتحان المجانين ومن مات في الفترة. ثم يحكم الله بين العباد حسب إيمانهم وكفرهم وأعمالهم فريق في الجنة .. وفريق في السعير. قال الله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)} ... [الحج: 56 57]. وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} [الشورى: 7]. وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَة يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} [الروم: 14 - 16]. وسيكون الحديث عن الجنة وعن النار من كتاب مَنْ خلقها وخلق ما فيها وخلق أهلها وهو الله سبحانه. ومن سنة مَنْ دخلها ووطئت أقدامه أرضها وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - على ضوء ما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الجنة دار النعيم والنجاة من النار دار الجحيم إنه سميع مجيب.