من معجزات رحلة الإسراء والمعراج واقعة شق صدر الرسول الكريم جاءت واقعة شق الصدر الثانية قبيل الإسراء والمعراج لتكون بمثابة الإعداد الإلهي لهذه الرحلة المباركة فقد صحت الروايات في قيام جبريل عليه السلام بشق صدر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وغسله بماء زمزم وإفراغ الحكمة والايمان في صدره. ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري ثم أطبقه؟ ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا. المرة الثانية فجاءت بعد ما نُبئ صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله قبل الإسراء والمعراج وذلك عندما أراد الله تعالى القدوس أن يرفعه إلى الحضرة المقدسة التي لا يصعد إليها إلا كل مقدس طاهر فكان شق الصدر وتقديسه أي تطهيره ليناسب ما هو مقبل عليه صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى آله. وفي هذا أيضاً من التطهير والتقديس ما يناسب ما هو مقدم عليه من الصلاة بملائكة السماء والنبيين فمن شأن الصلاة التطهير أي التقديس قبلها. وفي حادثة شق الصدر الشريف الثانية كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم موقناً منبئاً فطُهِّرَ لمعنى آخر كما تقدم من الصعود إلى الحضرة المقدسة والصلاة بالملائكة والنبيين عليهم سلام الله تعالى وصلواته. وذكروا أن جبريل لما استخرج قلب سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وغسله بماء زمزم نزع ما كان به من أذى وفي رواية: أنه أخرج من قلبه علقة سوداء وقال هذه حظ الشيطان منك قال الشيخ الدردير: أي محل وسوسته منك وتسلطه لوكان له عليه سبيل. والمقصود تحقيق إظهار كمال باطنه كما برز كمال ظاهره قال الإمام العارف بالله السيد علي الحبشي في قضية شق الصدر وإخراج حظ الشيطان منه كما جاء في الأخبار والآثار: وما أخرجَ الأملاكُ مِن قَلبِه أَذى ولكنهم زادوه طُهْراً على طُهْرِ ويقول شيخنا السيد محمد بن علوي المالكي رحمه الله تعليقًا على واقعة شق صدر النبي قبيل رحلة الإسراء والمعراج: (وقع في قلبي معنى آخر وهو أن قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم مملوء بالرحمة بل هو منبعها وأصلها كما قال الله تعالى _ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين _ وهذه رحمة شاملة كاملة لأنها رحمة الله التي وسعت كل شيء ولكن الله سبحانه وتعالى أخرج الشيطان وأعوانه وإخوانه ومن قُدِّر عليه الشقاء من هذه الرحمة فلا نصيب لهم فيها ويكون المعنى حينئذ أنه أخرج من قلبه الشريف حظ الشيطان من رحمته فلا حظَّ للشيطان في هذه الرحمة). ويكمل فيقول: (وبعد أن شق صدره وغسل قلبه وملأه حلماً وعلماً ويقيناً وإسلاماً خُتم بين كتفيه بخاتم النبوة وهو قطعة لحم صغيرة بارزة عليها شعر عند أعلى كتفه الأيسر والحكمة في وضع خاتم النبوة على جهة الاعتبار من حيث أنه لما ملئ قلبه إيماناً وحكمة ويقيناً ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكاً ودراً فجمع الله تعالى أجزاء النبوة لسيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي ذلك إشارة إلى أنه محفوظ وأن عدوه لن يجد سبيلاً إليه لأن الشيء المختوم محروس). ............ هذه مسالك الناس في التقرب إلى الله تعالى إن أعظم وسيلة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل بعد توحيده هي الصلاة المفروضة ثم أداء باقي الفرائض التي افترض الله تعالى عليه ثم الإكثار من النوافل التي شرعها ليتقرب بها العباد إليه وليرتفعوا بها إلى أعلى الدرجات. فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) والصلاة بلا خشوع جسم بلا روح وحركات لا معنى لها ومما يعين على تحصيل الخشوع وحضور القلب في الصلاة: -الاستعداد لها قبل الدخول فيها واستحضار أهميتها وذلك بإتقان الطهارة وإسباغ الوضوء. ثم عند الإحرام يتأمل معنى قوله: الله أكبر.. وهكذا كل ما يقرؤه من قرآن وأدعية وأذكار وليستحضر دائماً أنه يخاطب ربه خطاب الحاضر السامع فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله تعالى: حمدني عبدي وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله تعالى: أثنى علي عبدي وإذا قال: (مالك يوم الدين) قال: مجدني عبدي فإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. فإذا استشعر المسلم عظمة موقفه بين يدي الله تعالى وتأمل في هذه المعاني فلا شك أن ذلك سيساعده على حصول الخشوع بإذن الله تعالى.