الحمد لله رب العالمين ، الذي قال في كتابه المبين : { وقوموا لله قانتين } ، وقال عن الصلاة: { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد الخاشعين محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد فإن الصلاة أعظم أركان الدين العملية ، والخشوع فيها من المطالب الشرعية ، ولما كان عدو الله إبليس قد أخذ العهد على نفسه بإضلال بني آدم وفتنتهم ، وقال :{ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } صار من أعظم كيده صرف الناس عن الصلاة بشتى الوسائل، ..... نستعرض فيما يلي طائفة من أسباب الخشوع في الصلاة : أولا : الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه : 1- الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها: ويحصل ذلك بأمور منها الترديد مع المؤذن والإتيان بالدعاء المشروع بعده ، والدعاء بين الأذان والإقامة، وإحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده. والاعتناء بالسواك وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف، و التبكير والمشي إلى المسجد بسكينة ووقار وانتظار الصلاة، وكذلك تسوية الصفوف والتراص فيها . 2- الطمأنينة في الصلاة: كان النبي يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه. 3- تذكر الموت في الصلاة: لقوله : « اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها » 4- تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها: ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بمعنى ما يقرأ فيستطيع التفكر فينتج الدمع والتأثر قال الله تعالى : { والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا } [الفرقان:73]. و مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات بالتسبيح عند المرور بآيات التسبيح و التعوذ عند المرور بآيات التعوذ..وهكذا. ومن التجاوب مع الآيات التأمين بعد الفاتحة وفيه أجر عظيم، قال رسول الله : « إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه » [رواه البخاري]، وكذلك التجاوب مع الإمام في قوله سمع الله لمن حمده، فيقول المأموم: ربنا ولك الحمد وفيه أجر عظيم أيضا. 5- أن يقطع قراءته آية آية: وذلك أدعى للفهم والتدبر وهي سنة النبي ، فكانت قراءته مفسرة حرفا حرفا. 6- ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها: لقوله تعالى : { ورتل القرآن ترتيلا } [المزمل:4]، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا » [أخرجه الحاكم]. 7- أن يعلم أن الله يجيبه في صلاته: قال صلى الله عليه وسلم : « قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل » 8- الصلاة إلى سترة والدنو منها: من الأمور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلاة الاهتمام بالسترة والصلاة إليها، وللدنو من السترة فوائد منها: كف البصر عما وراءه، و منع من يجتاز بقربه... و منع الشيطان من المرور أو التعرض لإفساد الصلاة قال عليه الصلاة والسلام : « إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها حتى لا يقطع الشيطان عليه صلاته » [رواه أبو داود]. 9- وضع اليمنى على اليسرى على الصدر: كان النبي إذا قام في الصلاة وضع يده اليمنى على اليسرى و كان يضعهما على الصدر ، و الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع. 10- النظر إلى موضع السجود: لما ورد عن عائشة أن رسول الله إذا صلى طأطأ رأسه و رمى ببصره نحو الأرض، أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى أصبعه المشيرة وهو يحركها كما صح عنه . 11- تحريك السبابة: قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لهي أشد على الشيطان من الحديد » ، و الإشارة بالسبابة تذكر العبد بوحدانية الله تعالى والإخلاص في العبادة وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بالله منه. 12- التنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة : وهذا يشعر المصلي بتجدد المعاني، ويفيده ورود المضامين المتعددة للآيات والأذكار فالتنويع من السنة وأكمل في الخشوع. 13- أن يأتي بسجود التلاوة إذا مر بموضعه: قال تعالى : { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } [الإسراء:109]، وقال تعالى : { إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا } [مريم:58]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فلهالجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار » [رواه مسلم]. 14- الاستعاذة بالله من الشيطان: الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبس عليه صلاته. و الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى، أراد قطع الطريق عليه، فينبغي للعبد أن يثبت و يصبر، ويلازم ماهو فيه من الذكر و الصلاة و لا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان : { إن كيد الشيطان كان ضعيفا } [النساء:76]. 15- التأمل في حال السلف في صلاتهم: كان علي بن أبي طالب إذا حضرت الصلاة يتزلزل و يتلون وجهه، فقيل له: ما لك؟ فيقول: جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملتها. و كان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته. 16- معرفة مزايا الخشوع في الصلاة: ومنها قوله : « ما من امريء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها و خشوعها و ركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، و ذلك الدهر كله » [رواه مسلم]. 17- الاجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلاة وخصوصا في السجود: قال تعالى: { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } [الأعراف:55]، وقال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم : « أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء »[رواه مسلم] 18- الأذكار الواردة بعد الصلاة: فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في القلب وما حصل من بركة الصلاة. ثانيا : دفع الموانع والشواغل التي تصرف عن الخشوع وتكدر صفوه : 19- إزالة ما يشغل المصلي من المكان: عن أنس قال: كان قرام ( ستر فيه نقش وقيل ثوب ملون ) لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي : « أميطي - أزيلي - عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي » [رواه البخاري] 20- أن لا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قام النبي الله يصلي في خميصة ذات أعلام - وهو كساء مخطط ومربع - فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته قال: «اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة و أتوني بأنبجانيه - وهي كساء ليس فيه تخطيط ولا تطريز ولا أعلام -، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي » [رواه مسلم]. 21- أن لا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه: قال : « لا صلاة بحضرة طعام » [رواه مسلم]. 22- أن لا يصلي وهو حاقن أو حاقب: لاشك أن مما ينافي الخشوع أن يصلي الشخص وقد حصره البول أو الغائط، ولذلك نهى رسول الله أن يصلي الرجل و هو حاقن: أي الحابس البول، أوحاقب: و هو الحابس للغائط، قال صلى الله عليه وسلم: « لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان » [صحيح مسلم]، وهذه المدافعة بلا ريب تذهب بالخشوع. ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح. 23- أن لا يصلي وقد غلبه النعاس: عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله : « إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقول » [رواه البخاري]. 24- أن لا يصلي خلف المتحدث أو النائم: لأن النبي نهى عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم : « لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث » لأن المتحدث يلهي بحديثه، ويشغل المصلي عن صلاته.والنائم قد يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته. فإذا أمن ذلك فلا تكره الصلاة خلف النائم والله أعلم. 25- عدم الانشغال بتسوية الحصى: روى البخاري رحمه الله تعالى عن معيقيب رضي الله عنه : « أن النبي قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال : إن كنت فاعلا فواحدة » والعلة في هذا النهي ؛ المحافظة على الخشوع ولئلا يكثر العمل في الصلاة. والأولى إذا كان موضع سجوده يحتاج إلى تسوية فليسوه قبل الدخول في الصلاة. 26- عدم التشويش بالقراءة على الآخرين: قال رسول الله : « ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة » أو قال « في الصلاة » [رواه أبو داود] 27- ترك الالتفات في الصلاة: لحديث أبي ذر قال: قال رسول الله : « لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه » وقد سئل رسول الله عن الالتفات في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم :« اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد » [رواه البخاري]. 28- عدم رفع البصر إلى السماء: وقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على فعله في قوله : « إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء » [رواه أحمد]، واشتد نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك حتى قال : « لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم » [رواه البخاري]. 29- أن لا يبصق أمامه في الصلاة: لأنه مما ينافي الخشوع في الصلاة والأدب مع الله لقوله : « إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى » [رواه البخاري]. 30- مجاهدة التثاؤب في الصلاة: قال رسول الله : « إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل » [رواه مسلم]. 31- عدم الاختصار في الصلاة: عن أبي هريرة قال : « نهى رسول الله عن الاختصار في الصلاة » والاختصار هو أن يضع يديه على الخصر. 32- ترك السدل في الصلاة: لما ورد أن رسول الله : « نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه » [رواه أبو داود] والسدل ؛ إرسال الثوب حتى يصيب الأرض. 33- ترك التشبه بالبهائم: فقد نهى رسول الله في الصلاة عن ثلاث: عن نقر الغراب وإفتراش السبع وأن يوطن الرجل المقام الواحد كإيطان البعير، وإيطان البعير: يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي فيه كالبعير لا يغير مناخه فيوطنه.