ق. حنان ليس هنالك حدود للعلم والمعرفة، وبإمكان أي كان إن توفرت لديه الإرادة والرغبة القوية في التعلم، أن يستفيد من فرص التعليم والتكوين في مجالات عديدة، وبالنسبة لكبار السن من العجزة والشيوخ، فان الأمر قد لا يتوقف أحيانا عند حدود الانخراط في مراكز محو الأمية، فحسب، وإنما قد يمتد ليشمل مجالات تكوين أخرى كالإعلام الآلي واللغات الأجنبية لم لا، فالأمر في كافة الأحوال يتعلق بالإرادة والإرادة فقط لا غير. وقد قطعت الجزائر أشواطا كبيرة فيما يتعلق بمحو الأمية وتعليم الكبار، وتراجعت نسبة الأمية بين أفراد المجتمع بشكل ملفت خلال السنوات الأخيرة حيث تم تسجيل انخفاض ملحوظ في نسبة الأمية بلغ 22.1 بالمائة سنة 2008 (ما يعادل 6 ملايين أمي) بعدما كانت هذه النسبة تقدر ب31.6 بالمائة سنة 1998 وفق الأرقام المقدمة من الديوان الوطني للإحصائيات. وتراجعت نسب الأمية أيضا وبصفة خاصة بين فئة كبار السن بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، لكن ما قد يثير الدهشة والإعجاب، هو إصرار بعض المسنين على اكتساب خبرات ومهارات جديدة، تتجاوز حدود تعلم القراءة والكتابة الأبجدية البسيطة، ومع توفر العديد من مراكز التكوين سواء التابعة للدولة أو للقطاع الخاص، فان الفرصة متاحة أمام الكثيرين، لإثبات أن العلم فعلا يجب أن يطلب من المهد إلى اللحد، ولا يقتصر على فترة عمرية معينة. فبأحد مراكز التكوين الخاصة بالقبة الذي يقدم تكوينات في مجالات مختلفة على رأسها الإعلام الآلي واللغات الأجنبية كالانجليزية والفرنسية والألمانية والاسبانية، بالإضافة إلى عدد من التكوينات الأخرى، يلفت الانتباه شيخ في الخامسة والستين من العمر، يتابع تكوينا في اللغة الانجليزية من المستوى الأول، ومصر على المتابعة إلى المستوى الأخير في هذه اللغة، التي تشتمل على 12 مستوى كاملا، وتقول مدرسته إنها لم تر اصرار وإقبالا على التعلم لدى بعض الشبان المقبيلن على تعلم ذات اللغة، أكثر من الذي رأته لديه، ورغم انه متقاعد وليست له أية طموحات للهجرة أو التفكير في منصب عمل آخر داخل أو خارج الوطن، إلا انه تضيف ذات المتحدثة مصمم على التحكم في زمام هذه اللغة، ومصر على أن يتحدثها بطلاقة، تماما مثل اللغة الفرنسية، التي يتحدثها بطلاقة أيضا بحكم تعليمه الفرنسي أيام الاستعمار، وهو مقتنع تماما أن العلم غاية في حد ذاته، وليس مجرد وسيلة لتحقيق طموحات أو أهداف معينة، وهو يرغب في تعلم لغة جديدة، واكتساب معارف جديدة، لأنه لا يريد أن يموت جاهلا أو أميا، رغم جميع ما حققه في حياته. ولا يقتصر الأمر على هذا المسن فحسب، بل إن كثيرين ممن تتراوح أعمارهم ما بين العقد الخامس والسادس من العمر قد تعاقبوا على المركز حسب إحدى موظفاته لتلقي تكوينات في مجالات مختلفة أبرزها الإعلام الآلي واللغات الأجنبية الحية، ولكل منهم مبرراته في شان ذلك بين من يحتاجها للمراسلة عمل إضافي بعد تقاعده ومن يريد ذلك لتحسين مستواه التعليمي، ومن لان رغبته عن النهل من منابع العلم لا حدود لها أبدا. هذا ناهيك عن المسنين الآخرين الذين يقبلون على تعلم الإعلام الآلي، لأنهم يدركون أن الأمية في العصر الحالي هي الأمية التكنولوجية وليس الأمية المتعلقة بجهل أصول القراءة والكتابة فحسب. ولعل هذه الروح الطموحة والشغوفة بالعلم والمعرفة لا تتوفر لدى كثير من شباب وأجيال اليوم، الذين يتجاهلون فرص التعليم والتكوين المتاحة أمامه بكل يسر وسهولة، ثم يعلقون فشلهم وعدم تحقيقهم لأحلامهم وضياع مستقبلهم على أسباب أخرى متنوعة.