تعتبر الأمية ظاهرة إجتماعية سلبية متفشية في معظم أقطار الوطن العربي ومختلف البلدان وخصوصا النامية منها، ويختلف مفهوم الأمية من دولة إلى أخرى، ففي البلدان العربية مثلا يقصد بالأمية الفرد الذي بلغ الثانية عشر من عمره ولم يتعلم مبادىء القراءة والكتابة والحساب بلغة ما، أما في البلدان المتقدمة كاليابان مثلا فيقصد بالأمية الشخص الذي لم يصل إلى المستوى التعليمي الذي يجعله يفهم التعليمات الكتابية في المواضيع التقنية الخاصة بعمله، وبالتالي فهي عجز الفرد عن توظيف مهارات القراءة والكتابة، أو أنها كل سلوك يتعارض طبيعة ووجودا مع نظام الحضارة المعاصر ومع أسلوب إنتاجها. وللإشارة فإن العوامل المؤدية إلى تفشي ظاهرة الأمية في البلدان العربية تتنوع أشكالها فمنها السياسية، الإجتماعية، الاقتصادية وكذا الثقافية ومن الاسباب أيضا نذكر الزيادة السكانية الكبيرة، ناهيك عن ضعف الكفاية الداخلية لأنظمة التعليم التي تؤدي إلى تسرب الأطفال من المدارس لكن ومع انتشار الوعي القومي والفردي واكتشاف الآثار السلبية للأمية، ظهرت عملية محو الأمية والتي يقصد بها الوصول بالمستهدفين (الأميين) إلى مستوى تعليمي وثقافي يمكنهم من إفادة أنفسهم ومجتمعهم عن طريق المهارات الأساسية في القراءة والكتابة وكذا الحساب، فضلا عن هذا يقصد بتعليم الكبار تلك البرامج التعليمية التي تناسب مع احتياجات المؤسسات الحكومية وتعمل على تحقيق ما يحتاجه الدارسين الكبار باختلاف مستوياتهم ا لاجتماعية، الإقتصادية وكذا الثقافية. الشجاعة أول خطوة فذلك الشخص الذي نطلق عليه نحن إسم الأمي لا يصبح كذلك بمجرد أن تطأ قدميه أي فضاء سواء كان مسجدا، مدرسة، أو دار شباب، أو مركزا للتكوين المهني بغية التعلم والقضاء على الجهل الذي كان لصيقا به منذ أن وُلِد، فأن يقدم الفرد على التعلم في أول خطوة له فكأنه قد كسر جدار الجهل والأمية، حتى ولو أنه لم يتمم دراسته كاملة، لكن بإمكاننا أن نعرف بأن لهذا الشخص إرادة كبيرة وقوية، دفعته لأن يصبح كأمثاله الآخرين وأن يتكل على نفسه في القراءة والكتابة. وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر تعتبر من بين هذه البلدان العربية التي تعاني من ظاهرة الأمية التي نتجت هي الأخرى عن الاستعمار الغاشم الذي أراد أن يمحو معالم الشخصية الجزائرية، دينا ولغة ووطنا، إذ تجد أن أغلب الجزائريين لاسيما كبار السن منهم يتقنون اللغات الأجنبية ولا يعرفون لغة القرآن فيما هناك صغار في السن تجدهم كذلك أميين نتيجة التسرب المدرسي، أو التفكك الأسري، وبالتالي ومن خلال عمليات التحسيس، والإمكانيات التي توفرها الدولة، للقضاء على هذه الظاهرة، بدأت نسبة الأمية تتراجع يوما بعد يوم مقارنة مع السنوات الفارطة لاسيما منها الأعوام التي جاءت بعد الاستقلال، إذ تبلغ نسبة الأمية بالجزائر اليوم 25٪ فيما تقدر نسبتها بولاية وهران 10٪ وهو الرقم الذي يعتبر قياسيا مقارنة بالنسب الضخمة التي عرفتها هذه الظاهرة التي كانت مستفحلة بالجزائر. وفي ذات الشأن أفاد مدير الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار بوهران السيد بلبشير زين الدين أن هنالك 36 ألف متمدرس عبر الولاية تم تسجيلهم خلال الموسم الدراسي الجاري 2011-2010 والذين يؤطرهم ويشرف على تعليمهم 741 مدرس، منهم 421 موظف إستفادت منهم الولاية في إطار عقود الإدماج والذين يتقاضون شهريا مبلغ 6 آلاف دينار جزائري، علما أن ولاية وهران استفادت في هذا المجال من 467 منصب مالي منحتها وزارة التشغيل من بين 16 ألف منصب على المستوى الوطني، وبالتالي وبالضافة إلى 421 مدرس ناشط تحت إطار عقود الإدماج، هنالك أيضا 320 مدرس من حاملي الشهادات (النهائي أو الليسانس) من بين 467 مدرس والذين يتقاضون شهريا مبلغ 12 ألف دينار جزائري، وللعلم أن كل مدرس تتوفير فيه الشروط يشترط عليه أن يقدم قائمة ل40 متمدرسا، وذلك حتى يتم توفير له كل الإمكانيات الضرورية من قسم، الكتاب المدرسي للمعلم، الطباشير وكل الامكانيات المادية والمعنوية، وهنا تلعب الدولة دورين يتمثلان في القضاء على ظاهرتين سلبيتين وهما البطالة من جهة وكذا الأمية من جهة أخرى . وللعلم أن الفضاءات التي تستغلها الدولة لمحو الأمية وتعليم الكبار تتمثل في المؤسسات التربوية حسب مدير الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار بنسبة كبيرة مضيفا بأن المدارس الابتدائية تمثل نسبة 99 بالمائة في احتضان أقسام م حو الأمية، لتليها المساجد وذلك بطبيعة الحال بالتنسيق مع مديرية الشؤون الدينية، هذا فضلا عن مراكز التكوين المهني ودور الشباب. وما تجدر الإشارة إليه أن الموسم الدراسي لمحو الأمية ينطلق كل فاتح من شهر أكتوبر من كل سنة علما أن التسجيلات تبقى متواصلة إلى غاية 31 ديسمبر من كل عام، وهذا لتسهيل الأمور على الملتحقين الراغبين في التعليم، وللتنبيه أن فصول محو الأمية بالمؤسسات التربوية تنطلق حينما تنتهي الأوقات المخصصة لتدريس الصغار وتحدد فترة التدريس بسنتين أي المستوى الأول والثاني ويخص المستوى الأول سنة دراسية كاملة أما المستوى الثاني فهو مقسم إلى جزءين ويتمثل في فترتين زمنيتين الأولى تحتاج إلى مدة زمنية تقدر ب 5 أشهر والثانية ب 4 أشهر، علما أن هذه المرحلة تنتهي بإمتحان يؤكد تحرر الفرد الدارس من الأمية وتسلم له شهادة المستوى القاعدي علما أن المبتدئين وبعد الدراسة في المستوى الأول ينتقلون بواسطة امتحان كذلك إلى المستوى الثاني الذي وكما ذكرنا سابقا ينقسم إلى فترتين، وتعتبر المرحلة الأخيرة منه بمثابة المستوى الثالث. وللإشارة أن الراسبين في الامتحان الأخير يستفيدون من امتحان استدراكي في المواد التي لم يحالفهم الحظّ فيها. وخلال الموسم الدراسي الفارط 2010-2009 تحصل 12.200 دارس على شهادة المستوى القاعدي حسبما صرح به مدير الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار السيد بلبشير زين الدين مبرزا أن أغلب المتمدرسين هنّ نساء، إذ وحسبه أن 99 بالمائة من الفصول يطغى عليها العامل النسوي موضحا أن ثلثي الأميين بالجزائر هن نساء. هذا وعن فصول محو الأمية بولاية وهران، فقد أفاد محدثنا بأنها متوفرة مضيفا بأن 70 بالمائة من الفصول متواجدة بوسط المدينة، فيما تحتضن منطقة النجمة (شطيبو سابقا) 40 قسما، أما منطقة الحاسي فتضم 34 قسما فيما تحتضن منطقة سيدي البشير 50 قسما أما منطقة وادي تليلات فتجمع 37 قسما. ومن جهته أفاد محدثنا بأن الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار يلعب عدة أدوار أهمها القضاء على التسرب المدرسي ونشر ما يسمى بإلزامية التمدرس وكذا إدماج منعدمي النّسب والذين لا يحوزون على أوراق تسمح لهم بالإلتحاق بالمؤسسات التربوية والذين تقل أعماره من 16 سنة بالمدارس. المطالبة بلا مركزية الأجور وعن المشاكل التي يعاني منها القطاع أفاد مصدرنا أن أبرزها يتمثل في عدم دفع أجور العمال بصفة منتظمة وشهرية، الأمر الذي جعل الكثير من المدرسين ينسحبون موضحا أن البقية قد استمروا في التدريس تطوعا منهم، أو حبّا للمهنة وكذا اعتيادهم على هؤلاء المتمدرسين الكبار في السن، وفي ذات الشأن طالب محدثتا من السلطات المعنية بضرورة الإسراع في تنفيذ قرار لا مركزية رواتب المعلمين علما أنه وحسب مصدرنا صدر مرسوم أمضاه الوزير الأول خلال جويلية الفارط والذي ينص على لا مركزية التسيير المالي وتسيير أجور معلمي الكبار ومن المرتقب أن يتم تنفيذ هذا الاجراء خلال السنة الجارية 2011 . وللعلم أن محو الأمية لا تقتصر على الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار وانما حتى الجمعيات لها دور في ذلك وكمثال على ذلك جمعية »إقرأ« هذه الأخيرة التي لها صيت كبير على المستوى الوطني وهي تحظى ب 54 مركزا للتدريس يشرف عليهم الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار. هذا وتجدر الإشارة إلى أنه مع نهاية شهر جانفي سيتم الإعلان عن مجلس استشاري مكلف بالإشراف على محو الأمية والذي تتكون أطرافه من مديرية التربية، مديرية الشؤون الدينية فضلا عن مديرية الثقافة ، ومديرية التكوين المهني زيادة على مديرية الشباب والرياضة، الكشافة الإسلامية الجمعيات... إلى غير ذلك من الأطراف التي لها دور في محو الأمية وهذا بغية مناقشة ل الأمورالمتعلقة بالقطاع وإستنادا لموضوعنا تقربنا من أحد أقسام محو الأمية والكائن بمسجد أبو بكر الصديق (ض) الكائن بحي الصديقية، هذا الفضاء الذي يحتوي على كل المستلزمات الخاصة بالتعليم من طاولات وكراسي، سبورة، خزانة وكل ما يحتاجه المتمدرس إضافة إلى الجو العائلي الذي يطغى على المتمدرسات بينهم وبين معلمتهم. وفي الشأن ذاته أبرزت معلمة ذات القسم السيدة سايح فاطمة أنها تمارس ذات المهنة منذ 16 سنة وبالرغم من المشاكل المتمثلة في تذبذب الأجور، إلا أنها حبها لهذا النشاط وتعلقها بالمتمدرسات جعلها تبقى لفترة طويلة موضحة بأن المعلمة ملزمة أن تلعب مع هذه الفئة عدّة أدوار بما فيها دور الأم بالرغم من صغر سنها أي المعلمة دور الأخت والصديقة وفي نفس الوقت البنت كما لها أن تتدخل في الأمور الشخصية الخاصة بهؤلاء الأمهات حتى لا تنعكس حياتهنّ الشخصية على مسارهنّ الدراسي ، وأضافت محدثتنا بأنها لا تعاقب تلك النسوة أثناء تغيّبهن أو عدم إتمامهن لواجباتهنّ كونهنّ أمهات، أو ربّات بيوت مسؤولات كذلك عن أمورهنّ، ومن جهة أخرى أفادت ذات المعلمة بأنها تستخدم كل الطرق لإيصال المعلومة للمتمدرسات كأن تتكلم معهنّ باللغة الفرنسية، أو العامية فضلا عن اعادة الدرس مرارا وتكرارا لأن سنهنّ غير قابل للإستيعاب بسرعة. وفي ذات السياق تقربنا من احدى المتمدرسات الكبيرة في السن والتي قالت لنا أن ابنتها هي التي شجعتها على الدراسة من خلال الخطابات التي يلقيها معظم الأئمة في صلاة الجمعة والتي تحث على ضرورة طلب العلم حتى بالنسبة لكبار السن عن طريق محو الأمية هذا وأضافت ذات المتمدرسة بأن بدايتها كانت صعبة للغاية لكنها تأقلمت مع الوقت فهي اليوم حافظة ل 4 أحزاب من المصحف الشريف، كما إطلعنا في ذات الوقت على كراس الخط الخاص بها، والذي كان في المستوى ، فضلا على ذلك قرأت ذات السيدة نصا باللغة العربية بصورة جيدة كذلك وكأن لها مستوى النهائي. وقد طالبت المعلمة في ذات الشأن من المسؤولين بضرورة اعادة النظر في البرنامج كونه يحتاج إلى دروس توعوية تثير اهتمام هؤلاء المتعلمين الكبار في السن، فضلا عن تلخيص الدروس بالنسبة للمستوى الأول مبرزة أن الكتب الخاصة بسنوات التسعينيات أفضل بكثير من الكتب الحالية. وبين هذا وذلك نعترف بأن ظاهرة الأمية تعرف انخفاضا متواصلا يوما بعد يوم بفعل إرادة قوية تحذو هؤلاء المتمدرسين الذين أبوْا إلا أن يكسروا جدار الأمية، وبالتالي تبقى الحكومة الجزائرية تتكفل ماديا ومعنويا بمشاريع ومخططات للقضاء على هذه الظاهرة.