المخدرات تذهب عقل ومال المدمن عليها، وتجعله لا يعي تصرفاته وأقواله، أمّا غياب مفعولها من عقله وثمنها من جيبه يجعله يقبل على ارتكاب حماقات غير محمودة العواقب، حيث يفعل أي شيء من أجل الحصول عليها، حتى لو باع أثاث بيته، وحتى لو اعتدى على أمه أو والده. هي الطريقة التي صار يستعملها كل شاب مدمن بطال، حيث يجد في بيع أثاث البيت الحلّ الذي يُمكنه من الحصول على بعض الدنانير لشراء المخدر الذي يدمنه، خاصة إن لم يجد من يوقفه ويقف في طريقه، وهو ما حصل مع أم حكت لنا معاناتها كاملة مع ابنها الذي أدمن منذ سن الخامسة عشرة التدخين ثم المخدرات، وهو الأمر الذي قلب حياته كليا، حيث توقف عن الدراسة وصاحب رفقاء السوء الذين لم يرحموا براءته وسذاجته وجروه معهم ليس إلى عالم المخدرات وفقط، بل إلى كل المنكرات، إلى السرقة والاعتداء والشرب، وصارت أمه تستقبل كل يوم أشخاصا يشتكون لها منه، من طيشه وتعنته وتصرفاته التي لم يعد يحتملها أحد، لا من الحي ولا من خارجه، وكانت غير قادرة على التحكم في ابنها، خاصة وأنها كانت تشرف لوحدها على تربيته، لا يساعدها في ذلك أحد، فالأب قد توفي منذ مدة، وعوض أن تعوض غيابه بالصرامة راحت تزيده حنانا وعطفا، حتى تحول إلى مراهق لا مسؤول لا همَّ له إلا التمتع بحياته ولو كان ذلك على حساب الآخرين، وكانت هي في كل مرّة تحاول أن تقربه منها أكثر حتى تقنعه بضرورة تغيير حياته، لكنها كانت تفشل في كلّ مرّة، وكان هو يزداد وقاحة وطيشا وانحرافا. وبعد أن يئست الأم من ابنها أو كادت، قامت بمنع المصروف عليه لأنها كانت تعرف أنّ كل أمواله تذهب إلى المخدرات، ورغم أنه عنفها وهددها وصرخ في وجهها وفعل كل ما لم تكن تعتقد أنّ بإمكانه أن يفعله معها، رغم ذلك كله إلاّ أنها أصرَّت وتمسكت بقرارها، ولم تعطه دينارا واحدا، فلم يجد أمامه إلاّ أن يستغفل أمه ويبيع بعض الأجهزة التي كانت في غرفته من جهاز فيديو وراديو وتلفاز، وراح يفعل ذلك بها قطعة بقطعة، وعندما حاولت الأم مرة أن تمنعه من محاولة بيع شيء آخر دفعها بعنف وأبعدها عن طريقه وخرج. إلى هذه الدرجة يمكن أن يصل المدمن على المخدرات، خاصة إذا كان مدمنا على الحبوب المهلوسة التي يجعله نقصان مفعولها يرتكب كل الحماقات بل والجرائم التي لا تخطر على بال أحد ولا على باله عندما يكون مستفيقا، وهو ما حدث لعائلة »ر«، وهو الرجل الذي وما إن لاحظ تغير طباع ابنه، واتجاهه إلى محيط الانحراف، حتى راح يؤدبه بالنصح ثمّ بالضرب والطرد واستعمال كل الوسائل التي رأى أنها قادرة على نهيه، حتى أنه تبرأ منه وطرده من البيت العائلي، ورغم ذلك لم يرتدع الشاب الضال، وعاد مرة إلى البيت ولم تكن فيه إلاّ أمه، التي لم تفتح له الباب في البداية، إلا أنها ومع إصراره عليها فعلت، لكنها فوجئت به يتجه إلى غرفتها يفتح الخزانة ويخرج منها الجواهر التي تملكها، فحاولت منعه لكنها لم تقدر، إلاّ أنه ولحسن الحظ فقد صادف عند خروجه والده وعمه، التقيا به فارا فأشبعاه ضرباً وسحبا منه المسروقات التي استولى عليها، وكادا يحملانه إلى مركز الشرطة لولا أنه فر من قبضتهما، وعاد بعد شهر تائبا يطلب العفو. وليست الفتيات بأحسن حال من الذكور، حيث أنهن قد يدمنّ على المخدرات هن كذلك، وقد يفعلن المستحيل أجل الحصول عليها، أقله أن يبعن مجوهراتهن وما يجدنه متوفراً في بيوتهنّ مما خف وزنُه وغلا ثمنُه، ورغم أنهنّ لا يملكن القدرة لا على استعمال العنف على الأقل أمام أفراد أسرهن الذكور، إلاّ أنّ تركهن يواجهن مصيرهن قد يؤدي بهنّ لا محالة إلى ارتكاب حماقات أكثر من تلك التي قد تصدر من الذكور، وهو الأمر الذي لا بدّ من تفاديه حال وقوعه، وهو ما حصل مع شاب تفطن إلى أنّ أخته تتعاطى المخدرات، ورغم بشاعة الأمر، إلا أنه وقف منها موقفا حكيما، ولم يتصرف تصرفا من شأنه أن يزيد الأمر تعقيدا، بل بالعكس من ذلك، فأوّل ما فعله هو إخبار والدها واقترح نقلها إلى طبيب مختص لمعالجتها، خاصة وأنها وصلت إلى مرحلة متقدمة من الإدمان، حيث أنها صارت تبيع مجوهراتها ومجوهرات أمها، وحتى بعض الملابس الثمينة.