رغم أنّ الخمر من المحرمات، بل من الكبائر، بل الطريق نحو كلّ شر وإثم، إلاّ أنّ البعض لا يفكر في تركها، او يتهاون في ذلك، ولا يفعل حتى مع حلول شهر رمضان، فرغم أننا في شهر ينتهي فيه اغلب السكارى عن الشرب، بل إنهم يفعلون ذلك أربعين يوما قبل قدومه، حتى يُقبل منهم الصيام على الأقل، لكن تجد آخرين لا يكفون عن الشرب ولا ينوون ذلك، بل إن رمضان وغير رمضان عندهم سواء، وما يهمهم أكثر شيء هو أن يلبوا شهواتهم، ولو كان ذلك على حساب أقدس شهر من السنة. كل واحد منهم يتخذ لنفسه حجة ما، يحلل بها انتهاكه لحرمة رمضان، فيدعي بعضهم انه لا يستطيع التوقف عن الشرب، وانه إن فعل سيمرض ويصاب بمكروه، لأنه مدمن منذ وقت طويل، ولم يأت الوقت بعد ليتوقف عن إدمانه، ويلزمه علاج خاص ليفعل، لذلك تجده يصوم صباحا ويشرب ليلا دونما حرج، كما لو كان مثل بقية الصائمين، وتجد آخرين يصومون عن كل شيء إلاّ عن الشرب او الحشيش او حتى الحبوب المهلوسة، حيث إنهم لا يأكلون، ولكن يتناولون جرعتهم من الحشيش، وفي النهار كذلك، ويعتذرون بأن ذلك فوق طاقتهم، وأنهم مصابون ببلاء يجعلهم غير قادرين على الصيام، بل إن بعضهم، ومن حمقه، يجلب "فتاوى" من هنا وهناك، يرد بها على من ينهيه على إفطار رمضان، فهو كالذين يخادعون الله والمؤمنين ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. سهيل ابن الحي، الذي يعرف الجميع انه سكير، أدمن الخمر منذ قرابة الستّ سنوات، ورغم أنها مدة قصيرة، إلاّ انك إذا ما سألته أن يتوقف عن الشرب، قال انه غير قادر على ذلك، لأنه صار مدمنا، وما هي إلاّ نفسه الأمّارة بالسوء زينت له الإثم، فجعلته عاجز على أن يفكر بشكل صحيح، والتفريق بين ما ينفعه مما يضره، فصار يقنع نفسه بأشياء لا يتقبلها العقل، ولم يستطع أن يتوقف عن الشرب أربعين ليلة قبل شهر رمضان مثلما فعل أصحابه المدمنون، والذين يعتقدون أنه السبيل الوحيد الذي يجعل صومهم يصح ويُتقبل، فراح سهيل يشرب ويشرب، ولا يخرج من حانة إلاّ لأخرى، ولا يدع قارورة فارغة، إلا ليتناول أخرى مليئة، حتى حسب الناس انه لن يستفيق أبدا، أما هو فظنّ أن ذلك سيخفف عنه غياب مفعولها من عقله خلال رمضان، لكنه في الحقيقة لم يزد إلا تعلقا بها، فحل الشهر الكريم، وتوقف سهيل عن الشرب في اليومين الأولين، لكنه لم يستطع التحمل بعدها، وفي اليوم الثالث اتجه إلى صديقه بائع المشروبات الكحولية، والذي مثله قد انغمس في الوضاعة والحرام، حتى لم يعد يقدر على التخلص منهما، وراح يبيع المشروبات حتى في رمضان، يلجا إليه زبائنه المعروفين، حيث انه لا يفتح محله إلا لهم، وقد سهر سهيل عنده تلك الليلة وشرب كثيرا حتى لم يعد قادرا على التحكم في نفسه، وخرج إلى الشارع على تلك الحال ليصدم الحي بأكمله، وخاصّة الذين يعرفونه، وأمه التي راحت تصرخ وتبكي وخرجت إليه لا تدري أتعاتبه أم تقتله أم تحن عليه أم تطرده فما كان منها إلاّ أن بكت وبكت طويلا. لكنّ سهيل هذا، وللأسف، ليس الوحيد من يفعل ذلك، بل إنّ الكثير من المدمنين، وعوض أن تستفيق ضمائرهم خلال شهر رمضان، ويعودوا إلى ربهم ويستغفرونه، ولما لا يتوبوا عن الشرب نهائيا، وعن كلّ ذنوبهم السابقة، فإنهم بالعكس من ذلك يضاعفون من الشرب، كلّ واحد من هؤلاء وغيرهم من الذين أدمنوا الخمر والسكر صنع قانونا خاصّا به، على حسب قناعاته، او على قدر ضعفه أمام الخمر، فمنهم من توقف عن الشرب بليلة او ليلتين قبل حلول رمضان، وآخر استمر يشرب، حتى في رمضان فيصوم في نهاره، ويشرب ليلا، كما أنّ هناك آخرين "اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يُخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون"، حيث لا يستحيّون من أن يشربوا في رمضان، في ليله وفي نهاره، وأكثرهم إيمانا يتحجج بأن ذلك فوق طاقته، وانه غير قادر على أن يتوقف عن الشرب.