بقلم: رشاد أبو داود* الحياة ومضة طويلة لا تأتي إلى الدنيا بإرادتك ولا ترحل عنها بإرادتك لكن بإرادتك أن تسير في طريق الخير أو في طريق الشر. أن تميز بين يد تمتد إليك لتنجيك وبين يد تمتد إليك لتغرقك وماأكثر الأيادي الملتبسة ألوانها تراها بيضاء كيد ملاك فإذ قلبها أسود تغشك نعومتها فإذْ هي حية تسعى لتلدغك. يحكى أن أحد علماء الأنثروبولوجيا قام بعرض لعبة على أطفال إحدى القبائل الإفريقية البدائية ووضع سلة من الفاكهة اللذيذة قرب جذع شجرة. وقال لهم إن أول طفل فيكم يصل الشجرة سأعطيه السلة بما فيها. عندما أعطاهم إشارة البدء فوجىء بهم يركضون معا ممسكين بأيدي بعضهم حتى وصلوا الشجرة وتقاسموا الفاكهة اللذيذة سألهم لماذا فعلوا ذلك بينما كان بإمكان كل واحد منهم الحصول على السلة له فقط أجابوه بتعجب: (اوبونتو) ubuntu ..كيف يستطيع أحدنا أن يكون سعيدا فيما الباقون تعساء ؟! وتعني ابونتو في لغة xhosa (أنا أكون لأننا نكون). ذاك هو سر السعادة الحقيقية التي شعارها نحن وليس أنا. ذكرتني هذه الحكاية بقصة العجوز والعصيّ التي كانت مقررة علينا في المرحلة الابتدائية وكان المدرس يقرأها لنا بتأثر شديد لكأنه كان يريد زرعها في نفوسنا اللينة. وما أزال أذكر ذاك المدرس الطيب الذي كنا بالنسبة له كأبنائه يوم كانت المدارس للتربية قبل التعليم حين كان يقول: كان لرجل عجوز خمسة أبناء حين دنا أجله وأحس بقرب موته جمع أبناءه وأعطى أولهم حزمة عصيّ وطلب منه كسرها فلم يستطع. أعطاها للثاني والثالث والرابع والخامس فلم يستطع أي منهم كسرالعصي مجتمعة فقام بحل الحبل الذي كان يربط بها العصي وأعطى كل واحد منهم عصا طالبا منه كسرها .. ففعلوا قال لهم: يا بنيّ هل رأيتم (تأبى العصي إذا اجتمعن تكسراً / وإذا افترقن تكسرت آحادا) ورد نفس المعنى في وصية معن بن زائدة أمير العرب أبو الوليد الشيباني أحد أبطال الإسلام لأبنائه بقوله: كونوا جميعاً يابني إذا اعترى...خطب ولا تتفرقوا آحادا/ تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً...وإذا افترقن تكسرت أفرادا. وقبل هذا وذاك قول الله سبحانه وتعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا). أما وقد تفرقنا واقتتلنا وضعِفنا وضعنا وضللنا فلا بد من وقفة نراجع فيها حساباتنا وأوضاعنا والأمر ليس مستحيلا ولا صعباً. كل ما هو مطلوب أن نعيد ترتيب أولوياتنا فالوطن قبل البيت والشعب قبل الحاكم والقريب قبل الغريب. في حرب تحرير الجزائر كنا نتبرع بمصروفنا كله وكان (تعريفة) أو قرش لدعم المقاومة الجزائرية وكنا نشعر بفخر ونحن ننشد: قسما بالنازلات الماحقات /والدماء الزاكيات الطاهرات/والبنود اللامعات الخافقات/في الجبال الشامخات الشاهقات/نحن ثرنا فحياة أو ممات/وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر/فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا... لقد بدأ تكسير العصي العربية في كامب ديفيد في سبتمبر 1978 حين اخترقت الصهيونية أقوى جدار عربي وحصلت على أول اعتراف بالكيان الإسرائيلي ثم توالت الاعترافات والمعاهدات والاتفاقات وأصبحت كل دولة تبحث عن مصلحتها منفردة وهذا ما كان يخطط له الصهاينة وكان العرب يجلبون الذئب إلى كرومهم يعصرون عنبه ويشربون مع الذئب نخب السلام الذي انخدعوا به. في البداية ضعف العرب ولم يعد حول إسرائيل (طوق) ضعفوا أكثر فتفردت إسرائيل وداعموها أولاً بالعراق وكرّت المسبحة التي سموها الربيع العربي وضاع الخيط الذي يربط بين حباتها. وفيما أصبحنا بيزنطيو العصر نتجادل أيهما عدونا إسرائيل أم إيران فإننا نفقد دولنا وثرواتنا ومكانتنا ومكاننا في العالم. تاريخنا موجع أصبح السؤال ليس في أية سنة بل في أية مجزرة ولدت أو من أية مجزرة نجوت!