طالب علماء الدين والطب بتقنين القواعد والضوابط الفقهية المتعلقة بأحكام التداوي وإضافتها إلى مناهج علوم الصيدلة المقررة على الطلبة المسلمين حتى لا تكون مرجعيتنا في المجال الصحي قاصرة على الفكر الغربي المادي. وأكدوا أحقية المسلمين بأن يكون لهم دور فاعل في منظمة الصحة العالمية وألا يقتصر دورهم على العضوية الشرفية خاصة في إصدار اللوائح والقرارات الحاسمة والمهمة حتى تتناسب مع مبادئ وأخلاقيات المسلمين وإقامة صناعة دوائية في الدول الإسلامية لإيجاد أدوية خالية من المشتقات المحرمة، وأجاز العلماء التداوي بالمستحضرات الطبية الحديثة والتي تدخل في مشتقاتها مواد محرمة في حالة الضرورة فقط وإذا لم يوجد بديل حلال. وكان مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف قد أفتى بعدم جواز استخدام مشتقات الخنزير في المستحضرات الطبية إلا في حالة الضرورة أو عدم وجود بدائل أخرى طبية بعد أن ناقش طلباً لإحدى شركات الأدوية السويسرية لبحث استخدام _كولاجين_ الخنزير الخالي من الخلايا الحيوية في شبكات إعادة بناء تكوين جدار البطن والعضلات وإمكانية استخدام ذلك في علاج المسلمين. أدوية تسبب الإدمان ويؤكد الدكتور صيدلي جمال عبد الحكيم المغربي وجود بعض الأدوية التي تسبب الإدمان إذا استخدمت لفترة طويلة بلا ضوابط طبية، وأحياناً تكون الجرعات العالية من بعضها قاتلة وتشمل المهدئات المضادة للهياج العصبي مثل مجموعة البرازولام وأهميتها أنها تستخدم في حالات الهياج العصبي الشديد، وفي الغالب يكون المريض في حاجة لها ولا تصرف إلا بوصفة طبية وبجرعات محددة ولفترة محدودة. كما تشمل المهدئات التي تستعمل لعلاج حالات انفصام الشخصية والجنون فقليل منها يسبب التعود والإدمان، وكذلك أدوية التخدير العام وهي تستعمل قبل وأثناء العمليات الجراحية فقط وبإشراف طبيب متخصص ومن أمثلتها مجموعة المسكنات القوية التي تستعمل كمسكن قوي للآلام خاصة بعد العمليات الجراحية وفي حالات الكسور، وهي غالباً تسبب التعود عليها أو الإدمان إذا استخدمت بجرعات عالية أو لفترات طويلة، وهناك مسكنات قوية تسبب الإدمان في جرعات قليلة منها وتستعمل غالباً في الحوادث لإنقاذ المريض من الصدمة العصبية ولا تستعمل هذه الأدوية إلا تحت إشراف طبي كامل وتصرف بوصفة طبية مخدرات مثل المورفين والاستخدام الخاطئ لهذه المجموعة من الأدوية يجعلها مثل الأفيون المخدر، لأنها تعمل على الجهاز العصبي المركزي ولها آثار سيئة عليه وعلى الجسم خاصة الأدوية التي تحتوي على مادة الترمادول مثل أمادول. وأوضح الدكتور جمال أنه لا توجد أدوية أو كريمات مسجلة بوزارة الصحة في مصر والسعودية على سبيل المثال تحتوي على دهن أو مشتقات الخنزير. وأشار إلى أنه كان يوجد دواء مستورد لعلاج الحموضة به مشتقات خنزير وتم إلغاء استيراده منذ أكثر من 20 عاماً، ولكن في الوقت الحالي يوجد الكثير من الأدوية التي يدخل الكحول في تركيبها بنسب قليلة، ومن أمثلتها أدوية السعال العشبية، وبعض الأدوية التي من أصل نباتي، ويستخدم الكحول في استخلاص المادة الفعالة من النبات. مواد مخدرة وأكد وجود بدائل لبعض هذه الأدوية التي تحتوي على مواد مخدرة، وطالب العلماء والمراكز البحثية بتدعيم البحث العلمي لإيجاد بديل يتم به استخلاص المادة الفعالة من النبات بدلاً من الكحول والبحث عن أدوية بديلة لا تسبب التعود أو الإدمان يمكن استخدامها في علاج الأمراض النفسية. وحول الرأي الشرعي في التداوي بأدوية تدخل في تركيبها مواد مخدرة، يقول الدكتور حلمي عبد الرؤوف، أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر، في تصريح ل»الاتحاد« الإماراتية إن الأصل في الشريعة الإسلامية إنه لا يجوز التداوي بأدوية بها مشتقات محرمة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: _ما جعل الله داء إلا وجعل له دواء_، وقال صلى الله عليه وسلم: _ما جعل الله دواء أمتي فيما حرم عليهم_، إذن فكل داء له دواء حلال، كما أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأوضح أنه إذا كانت هناك ضرورة قصوى لاستعمال أدوية أو مستحضرات طبية قد تكون محرمة ولا توجد لها بدائل، فإنه يجوز استعمالها بقدر الضرورة فقط، كما يستعمل المخدر في العمليات الجراحية، وبشرط أن يصفه طبيب مسلم عالم بأن الشفاء في هذا الدواء، وأن يكون المستعمل قليلاً لا يسكر، والقاعدة الفقهية تقول الضرورات تبيح المحظورات، كما أحل الله سبحانه وتعالى للمضطر أن يأكل الميتة وهي محرمة إذا أشرف الإنسان على الهلاك. المشتقات النجسة أما عن التداوي بأدوية أو مستحضرات بها مشتقات نجسة مثل دهن الخنزير، فيقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر، النجاسات نوعان إما عينية وإما أعيان متنجِّسة وبالنسبة للنجاسات العينية، فقد اتفق الفقهاء على بعضها، وهي الدم المسفوح والميتة والبول والكلب والخنزير والنجاسات العينية لا تطهر، لأنها في ذاتها نجسة بخلاف الأعيان المتنجسة، وهي التي كانت طاهرة في الأصل وطرأت عليها النجاسة ويمكن تطهيرها والمحرمات منها ما هو طاهر كالحرير بالنسبة للرجال، ومنها ما هو نجس كالنجاسات العينية. وأضاف: الراجح عند أكثر العلماء جواز التداوي بالمحرمات والنجاسات كدهن الخنزير إذا لم يوجد غيرها أو بديل لها لعموم قوله تعالى: _إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم_ (سورة البقرة آية 173)، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أباح لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لبس الحرير حين أصابته حكة أو مرض جلدي، وذلك لأن الشرع يصون بدن الإنسان عن التلف والهلاك، ويعد ذلك من أعلى المصالح الضرورية واتفق الفقهاء على جواز التداوي بالمواد السمِّية على أن يكون المقدارُ قليلاً وظاهره السلامة بخلاف القدر المضر، فإنه يحرم تناوله. صحة الصلاة والصيام حول صحة الصلاة والصيام لمن يتعاطى بعض الأدوية والمستحضرات الطبية التي يدخل في تركيبها مواد مخدرة أو نجسة يقول الدكتور محمد دسوقي إذا أبيحت هذه الأدوية للضرورة كعلاج ولم يوجد البديل الطاهر، فإنها في هذه الحالة لا تؤثر على صحة الصلاة والصيام والحج وبقية العبادات بوجه عام، والذي يؤثر فقط على صحة العبادات إذا تناول الإنسان هذه الأدوية لغير ضرورة استجابة للشهوات والنفس الأمارة بالسوء، ففي هذه الحالة تفسد الصلاة والعبادات الأخرى. وتساءل الدكتور دسوقي: هل هذه الأدوية تكون نجسة من حيث العين؟ بمعنى هل الخمر مثلاً كمادة سائلة إذا وقع منها شيء على لباس الإنسان هل يكون الإنسان نجساً؟ كما جاء في القرآن الكريم: _يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا_ (سورة التوبة الآية 28)، فالمقصود في هذه الآية نجاسة العقيدة بالنسبة للمشركين وليست نجاسة الجسم أو القلب. وقال: إذا فرضت الظروف على الإنسان أن يأخذ من هذه الأدوية ولم يجد البديل الذي يعالج به مرضه فلا حرج عليه، لأنه في هذه الحالة يكون مضطراً مثل الذي يأكل الميتة ولحم الخنزير، وهذه تدخل في باب الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات لقوله تعالى: _وما جعل عليكم في الدين من حرج_ (سورة الحج الآية 78)، ولهذا لا يجوز الامتناع عن الصلاة في فترة تناول الدواء الذي تدخل فيه مشتقات مخدرة أو نجسة، لأن تلك المخدرات أو المحرمات حينما يأخذها الإنسان تتحول إلى مادة من جسم الإنسان ولا يمكن إطلاقاً قطع هذا الجزء من جسم الإنسان. * الراجح عند أكثر العلماء جواز التداوي بالمحرمات والنجاسات كدهن الخنزير إذا لم يوجد غيرها أو بديل لها لعموم قوله تعالى: _إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم_ (سورة البقرة آية 173).