السي قدور بن حمزة .. قائد المقاومة الوطنية الجزائرية* بقلم: الطيب بن ابراهيم * عنوان الصورة: السي قدور بن حمزة تعتبر مدينة الأبيض سيد الشيخ من أكثر المدن الجزائرية ثراء بجهادها ومقاومتها للاستعمار الفرنسي منذ سنة 1830 إلى غاية قيام ثورة نوفمبر المجيدة سنة 1954 بل منذ مقاومتها للاحتلال الاسباني لوهران وذلك يعود لتاريخها وموروثها الجهادي منذ عهد مؤسسها ومؤسس زاويتها سيد الشيخ شهيد المقاومة ضد الاسبان سنة 1516. لقد أمدت الزاوية الشيخية المقاومة الوطنية بقيادة الأمير عبد القادر بالمال والرجال وبعد توقف مقاومة الأمير تزعمت الزاوية المقاومة وأمدتها برجال صنعوا التاريخ قائد بعد قائد وشهيد بعد شهيد هم : سليمان بن حمزة وإخوته محمد بن حمزة واحمد بن حمزة وقدور بن حمزة وعمهم السي لَعْلَى وأبناء عمومتهم الشيخ بن الطيب وسليمان بن قدور والشيخ بوعمامة وقد دفعت المدينة وزاويتها الثمن باهضا على يد العقيد دونيجريي سنة 1881 عقب اندلاع ثورة الشيخ بوعمامة حيث هاجم السفاح مدينة الأبيض سيد الشيخ وأباد سكانها وحرق زاويتها وفجر ضريح سيد الشيخ. التاريخ ليس مجرد ماض انتهى وليس مجرد معلومات وحقائق نطلع عليها في الكتب أو الارشيفات أو نتوقف عندها في المتاحف أو نلتفت لها في المناسبات فقط.التاريخ هو علم ومعرفة وثقافة وتربية وسلوك حضاري ونبض اجتماعي يعيش في وجداننا ونتفاعل معه باستمرار في حياتنا التاريخ هو وفاء وتواصل مع صانعيه الشهداء التاريخ هو دليل العظماء للربط والتواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل ولا يعرفه الصغار حديثي الولادة التاريخية فلا شخصية ولا وطن ولا هوية ولا انتماء بدون تاريخ فالإنسان لا يجد الانتساب والاعتزاز والافتخار إلا في حضن وأمجاد تاريخه. هذا الخميس 9 فبراير 2017 مرت علينا الذكرى 120 لوفاة احد قادة المقاومة الوطنية الجزائرية بزعامة أولاد سيد الشيخ انه المقاوم السي قدور بن حمزة آخر زعماء مقاومة أولاد سيد الشيخ بصحبة ابن عمه الشيخ بوعمامة وهو الذي لم تتمكن فرنسا من قتله بعد أن نجحت في فعل ذلك مع أبيه السي حمزة وإخوته الأربعة قبله في ظرف سبع سنوات فقط. بداية المقاومة كانت بداية تعامل الاحتلال الفرنسي مع الأب السي حمزة أسد الصحراء كما وصفه أعداؤه حيث استعملت فرنسا معه سياسة الترغيب والترهيب فاعتقلته وحكمت عليه بسنتين سجنا قضى منهما سبعة اشهر بوهران قبل أن يطلق سراحه كما تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة يوم 3 جوان 1850 ثم حاولت فرنسا بعد ذلك أن تجرب مع الزعيم سياسة الترغيب لكسب ودّه فنصبته خليفة بالصحراء سنة 1850 وكان ذلك أعلى منصب في الجزائر بعد منصب الحاكم العام واستقبله هذا الأخير الجنرال راندون بالاغواط بتاريخ 9 فبراير 1854 ووشحه بأعلى وسام لكن جهود فرنسا فشلت في ترويض أسد الصحراء فاعتقلته مرة أخرى بمدينة الجزائر واتُّهِم بخيانة فرنسا وتهديد أمنها وجرد من كل شيء ومات بالسم في سجنه يوم 21 أوت 1861 ليدفن بضريح سيدي محمد بن عبد الرحمن ببلكور. تزعم زاوية أولاد سيد الشيخ بعد وفاة الأب ابنه البكر بوكر الذي قتل بالسم هو الآخر بعد سنة فقط فتحمل مسئولية الزاوية والمقاومة أخوه الثاني السي سليمان (22 سنة) مفجر ثورة 1864 وهو قاتِلُ العقيد الكسندر بوبراتر ليستشهد في نفس المعركة يوم 8 افريل 1864 ويخلفه أخوه الثالث السي محمد (20 سنة) ليستشهد يوم 22 فبراير 1865 بعد أن أصيب في الرأس والكتف والصدر في معركة غير متكافئة مع الفرنسيين بقيادة الجنرال دوليني وتحمل المسؤولية بعده أخوه الرابع السي احمد (14 سنة) الشاب البطل الذي أحرج جنرالات فرنسا صحبة عمه السي لَعْلَى قبل أن يُدَسَّ له السم حيث مات في شهر أكتوبر سنة 1868 فخلفه أخوه الخامس السي قدور بن حمزة. السي قدور بن حمزة هو الأخ الخامس غير الشقيق لامه السيدة مباركة بنت يعيش تزعم قيادة المقاومة الوطنية الجزائرية سنة 1868 وكان شابا كبقية إخوته لم يتجاوز (20) سنة من العمر. استفاد السي قدور بن حمزة من تجارب إخوته قبله في قيادة المقاومة كما استفاد باستشارة وكفاءة عمه السي لَعْلَى القائد العسكري الفذ فكان هو أول زعيم من أولاد سيد الشيخ تحالف مع الزاوية التيجانية مؤقتا ضد الاستعمار وعملائه كما خاض مع فرنسا معارك كبرى في الشمال وفي الصحراء بعضها كان له وبعضها كان عليه. تعد معركة ماقورة قرب سبدو بولاية تلمسان بتاريخ 17 افريل 1871م تعد من اشهر معارك السي قدور بن حمزة التي انتصر فيها على الجيش الفرنسي بزعامة الجنرال دوميلويز والمتعاونين معه وكبد أعداءه خسائر كبيرة وقد تغنى بعض شعراء الجزائر بذلك الانتصار. معارك.. وأسر ومن المعارك التي تم فيها الغدر بالسي قدور معركة المنقوب بالحمادة جنوب الأبيض سيد الشيخ حيث اسْتُغِلَّ غياب وتنقل معظم قوات السي قدور مع القافلة المتجهة لقورارة لحراستها في رحلة لجلب التمور وظنا من السي قدور انه في مأمن في أعماق الصحراء بعيدا عن أنظار أعدائه فتحركت عدة قوات فرنسية من سبدو والبيض والاغواط لمباغتة السي قدور ومن بقي معه رغبة منها في القبض عليه أو قتله فهوجمت قواته يوم 23 ديسمبر 1871م بالمكان المسمى المنقوب وتكبد السي قدور في هذه المعركة خسائر معتبرة بعد أن أصيب هو وعمه السي لعلى بجراح وانسحب السي قدور مع قواته جنوبا نحو تبلكوزة في أعماق الصحراء بعد أن نجا من الأسر بأعجوبة وفي هذه المعركة أسرت زوجة السي قدور وأمه وابنيه محمد وحمزة. بعد ستة عقود من المقاومة المتواصلة وإرهاق القبائل الموالية لها وبعد تفجير ضريح سيد الشيخ وحرق الزاوية وبعد إتباع سياسة فرق تسد من طرف فرنسا بين بعض أفراد عائلة السي قدور بدا التذمر يدب بين القبائل المساندة للثورة حيث بدأت تتفرق وبدأت العزلة والحصار يشتدان حول السي قدور يوما بعد يوم واستطاعت فرنسا أن تعزله في أقصى الجنوب ولم يبق معه إلا عدد من الأنصار يعدون على رؤوس الأصابع بخيّمهم في الصحراء من بينهم شاعر مقاومة أولاد سيد الشيخ محمد بالخير وأمام واقع الحال وجد السي قدور نفسه مضطرا للتفاوض مع فرنسا مع الجنرال توماسان والعقيد بالاسكا وهو في حالة عجز وعزلة ليصل لاتفاق مع الفرنسيين سنة 1892 بعدها رفض كل العروض وفضل البقاء في عزلته في الصحراء بعيدا عن فرنسا وإدارتها بقية حياته وهي مدة خمس سنوات إلى غاية تاريخ وفاته يوم الثلاثاء 9 فبراير سنة 1897م الموافق ل8 من رمضان 1314 ه حيث نقل جثمانه ودفن بمدينة الأبيض بضريح سيد الشيخ. كان لوفاة السي قدور بن حمزة صدى كبيرا لدى الجزائريين عامة وأتباع الطريقة الشيخية خاصة كما أقر الفرنسيون بعد وفاة الزعيم السي قدور بمقاومته لهم مدة خمس عشرة سنة وتناولت حدث وفاته الصحف الفرنسية وتساءلت جريدة لوفيغارو عن تبعات وفاة زعيم المقاومة السي قدور بن حمزة صاحب السلطة والولاء الواسع بين سكان الصحراء وقبائلها.