رائحة عراق آخر تزكم أنوفنا قادمة من الجارة الشرقية ليبيا، مصير لا نتمناه ولكننا نخشاه بشدة، ليس لأن الأمر يتعلق بدولة جارة فقط، وإنما لأن الأمر يتعلق بدولة شقيقة، عربية ومسلمة، تحوم أمريكا حولها كما حول الفريسة تحوم الصقور·· قد لا يكون مهما جدا أن لا يؤول العقيد معمر القذافي إلى ذات مصير الراحل صدام حسين، خصوصا أن كثيرين يتوقعون ألا يخرج مصير الرجل الأول في ليبيا على الأقل حتى الآن عن أحد الأمرين: إما أن يُشنق أو يشنق نفسه·· ولكن المهم أن تتجنب الشقيقة ليبيا مصير الشقيقة الأخرى العراق·· وحين نرى القذافي يسير على نفس خطى صدام، مقدما لأمريكا هدية ذهبية تتمثل في مبرر للتدخل العسكري في البلاد، فمن الصعب أن نكف عن التشاؤم، فوجود صدام آخر في المنطقة يقتضي وجود عراق آخر، والعراق الآخر قد يكون ليبيا، أو هذا ما تريده أمريكا، ويساعدها على تجسيده "زعيم آخر" اسمه معمر القذافي·· القذافي قال ساخرا ذات يوم أن رئيس وزراء بني صهيون الأسبق آرييل شارون عميل للعرب لأنه يقدم لهم التبريرات التي تسمح لهم بذبح الصهاينة، فما الذي يمنعنا اليوم من الاعتقاد بأن القذافي عميل لأمريكا مادام يمنحها أكبر تبرير لاحتلال بلاده تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية الليبيين من القمع، فأمريكا التي تقمع العراقيين بواسطة جنودها وعملائها وتقمع الأفغان بالتعاون مع الناتو ونظام قرضاي، تمنح لنفسها الحق في احتلال البلدان الغنية بالنفط بدعوى تأديب الأنظمة القمعية، وتلك الأنظمة القمعية تعطيها الحجج اللازمة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية·· ولو كان القذافي حريصا على مصلحة بلاده مثل حرصه على التشبث بالحكم ما تردد لحظة واحدة في التخلي عن "الزعامة" حتى لا تكون لأمريكا حجة لاحتلال بلد عمر المختار والشهداء الأبرار··