جاء إطلاق مشروع اليقظة الروحية في الجزائر، يوم الإثنين، ليكون بمثابة صفارة إنذار أطلقها مختصون أكدوا أن عقيدة الجزائريين في خطر، فهذه المبادرة تأتي في إطار مجابهة خطر التفكك الديني و"التمزق" الطائفي الذي باتت يتربص بالمجتمع الجزائري، وتأتي "اليقظة الروحية" للحث على التأهب للقرن ال22، الذي يرى خبراء أنه قرن لن يُبنى على أسس اقتصادية ولا سياسية، بل سيبنى على أسس دينية وثقافية. وشدّد الأساتذة المحاضرين خلال ندوة النقاش التي تبنت إطلاق اليقظة الروحية تحت شعار: "اليقظة الروحية لنهضة المسلمين آفاق القرن 22"، والتي نظمت بالمجلس الإسلامي الأعلى، في الجزائر العاصمة، على أن اليقظة الروحية هي أساس النهضة لكل أمة إسلامية تسعى للحفاظ على عقيدتها. الشايشي: "نحن في مرحلة اليقظة لابد من استغلالها" قال محمد العربي الشايشي أستاذ العلوم الشرعية بولاية غرداية، أن مراحل تشكل الحضارات تسبقها 3 مراحل تتمثل في الصحوة، اليقظة والنهضة، موضحا أن مرحلة الصحوة ولت ومرحلة اليقظة تعيشها الجزائر في هذه الأثناء والتي من شانها أن تشكل مشروع نهضوي، مضيفا أن من أهم النهضات هي اليقظة الروحية والدينية، حيث عرف هذه الأخيرة على أنها مجموعة من الاستعدادات الحسية والمعنوية للنهوض بالدين الإسلامي كمقدمة لنهضة حضارية. وأكد الأستاذ محمد العربي الشايشي أن اليقظة في أصلها كانت موجودة منذ حقبة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وفي سيرته النبوية، وذلك نسبا لعدة دلائل منها للسيرة النبوية ومنها التاريخية ومنها من هي مستمدة من الواقع على خلفية التفجيرات التي تحدث عبر العالم وتنسب للمسلمين من غير سواهم. وأردف الأستاذ أن اليقظة والاستشراف والتخطيط منهج نبوي مستمد من الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث قال أن الرسول عليه أزكى الصلاة والسلام كان يقوم بعمل استشرافي وتخطيط للمستقبل، مشيرا إلى انه ليس حراما في أن نستعمل وسائل لغير المسلمين لفائدة المسلمين مستدلا بالأشياء التي استغلها النبي الكريم لفائدة المسلمين على غرار استعمال الخنادق للحروب، والمنبر للدعوة علما انه كان للحبشة، وختم الكتب والذي كان يستعمل لدى الروم فقط من اجل العمل على نشر الدين الإسلامي، كما قال المتحدث أن هدي الأمة الإسلامية كان يداوم على القليل الدائم ولا يستعجل النتائج، ولا يكترث بالكثير الزائل. الاستشراف أصله إسلامي.. ذكر الشايشي في مداخلته، أن الإحصاء والاستشراف هما شيئان أصلهما من الدين الإسلامي، وليس بجديدين على الأمة الإسلامية، مؤكدا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستعين بالعلوم المختلفة لفهم تحديات عصره من مناهج التخطيط النبوي، وعلى سبيل المثال فيما يخص الإحصاء قال الرسول (ص) "اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام.."، الإحصاء الاجتماعي من خلال الحجر الصحي لمعرفة مرضى الطاعون، وكذا من خلال تخطيطه لمعرفة عدد الأعداء في غزوة بدر (كم يذبحون من شاة في إفطارهم..) ومن هنا استطاع تقدير عدد الجنود وغيرها من الدلالات. وعن حاجة المسلمين لليقظة الروحية، وليصبح المجتمع نهضوي أكد محمد العربي انه لابد من توفر الهوية، العمران البشري، والإنتاج المعرفي، كشروط أساسية، بالإضافة إلى القدرة على حماية المكتسبات. وأردف ذات المحاضر أن هناك معاني غائبة في الحياة الروحية للمسلمين، أولا من الجانب النظري لابد من تحرير الأحكام وتحقيقها، تضييق الخلاف، والانفتاح على المخالف واحتوائه، أما بالنسبة للجانب التطبيقي فحث على ضرورة إحياء روح التعبد والسعي لتحقيق مقاصده موازنة للشكلية والصورة. "لابد من نيل شرف تجديد الدين.." أما عن أهمية اليقظة الروحية، دعا الأستاذ إلى ضرورة نيل شرف تجديد الدين، باعتبار الدين أهم عنصر محرك للشعوب، نشر للسنن وإحيائها، صدقة جارية وثواب مستمر، إلى جانب القوة الروحية التي يعطيها إياها الدين الإسلامي، أما بالنسبة للمآلات الإستراتيجية لليقظة الروحية فتتمثل في دفع الضرر ورفع الجرح، تحقيق المصالح، حماية بيضة الإسلام (الكيان الوجودي للأمة الإسلامية)، تحبيب الدين للناس، تحسين صورة الإسلام (من خلال حل مشاكل العصر)، حماية الفطرة، إلى جانب البعث الحضاري من جديد (لابد من مرحلة دينية انتقالية يغلب فيها الفقه المباح). أما عن مميزات اليقظة الروحية فتتمثل على حد قول الأستاذ في القدسية والاتصال الرباني، قطعية النتائج، سرعة التنفيذ، المغانم الدنيوية والأخروية، بالإضافة إلى التقليل من التكاليف من خلال التحلي بأخلاق الدين الإسلامي، مؤكدا أن اليقظة الروحية تعتبر ضرورة عصرية، حيث تقوم على 3 أركان: الفهم الشرعي الصحيح الذي أراده الشارع الحكيم ومن خصائصه تناغم مقاصد الشريعة وتلبية احتياجات العصر مراعاة الوسع المجتمعي. أما عن طرق الوصول إلى الفهم الصحيح، فتتمحور أربعة محاور أولها ضبط المصطلحات، ثانيا مراعاة قواعد الاستنباط التي تتفرع هي الأخرى لعدة نقاط من بينها: جمع النصوص في الموضوع الواحد، مراعاة السياق وأسباب النزول والورود، مراعاة مقاصد الشارع الحكيم ومراعاة ضروريات العصر ومتغيراته، وثالثا دقة الاستنباط التي بدورها تتفرع هي الأخرى لعدة نقاط من بينها: التفريق بين مسائل الفقه والعقيدة، التفريق بين الثوابت والمتغيرات، التفريق بين الوسائل والمقاصد، وكذا التفريق بين العادات والعبادات، أما المحور الرابع يتمثل في مرونة الأحكام تتمثل في إحياء فقه الرخصة، مركزية المباح، مرتبة العفو، إحياء فقه الأولويات، بالإضافة إلى قاعدة فتح الذرائع. وتتمثل خطة ومناهج اليقظة الروحية في الدقة في تشخيص الواقع، البحث عن المآلات، استشراف المستقبل، تضييق الخلاف، مع تجديد العلوم الشرعية الحية وتبسيطها، التدرج والمرحلية في تطبيق الأحكام الشرعية والقيم الجمالية وتأثيرها. مصيطفى: "القرن ال22 سيكون قرن الفكرة الروحية" من جهته، توقع الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى ووزير سابق مكلف بالإحصاء والاستشراف لدى مكتب الوزير الأول، أن القرن ال 22 سيكون قرن الفكرة الروحية والفكر الثقافي، من خلال الإشارات التي بدأت تظهر أواخر القرن ال 20، داعيا لضرورة بناء استشراف ديني وثقافي على المدى البعيد لأنه أقوى سياسة، من خلال الأخذ بالمنطق القرآني. قال بشير مصيطفى أن الجزائر بحاجة لمتغيرات دينية روحية وثقافية، موضحا أن في المستقبل القريب لا مكان للمتغيرات الاقتصادية والسياسية، ومن هنا دعا مصيطفى لضرورة التركيز على اليقظة الروحية لحماية العقيدة الجزائرية من سيناريوهات التفكيك، مردفا أن هناك إشارات طفت للسطح من مدة تدل على التفكك الديني من بينها الهجوم على الأبراج في الولاياتالمتحدةالأمريكية في 2011، اتهام الإسلام بكل هجوم يحدث في أي دولة، الإصلاحات التربوية الأخيرة في الجزائر، استفحال ظاهرة العنف، ظاهرة الغش في الامتحانات تفكيك المنظومة التربوية، العمل على إعطاء جيل متعلم وليس جيل متربي، تفكيك الثقافة للكلام على ما بعد الحداثة، تفكيك اللغة وهجوم اللهجات على العربية، التفكيك الديني ودخول المذاهب وتعدد المراجع الدينية من خلال تعدد الطوائف. الدين الإسلامي حافز من حوافز رفع الإنتاج الوطني كما، أكد الدكتور، أنه يمكن استشراف الحياة الروحية للمسلمين بالقياس أو من دون قياس وذلك من خلال إضافة الإسلام من زاوية الفعالية والاندماج في الحياة الأخرى، مشيرا إلى أن الدين الإسلامي هو حافز من حوافز الإنتاج من خلال الرقابة الذاتية للفرد وعدم التصريح بالكذب وعدم الاحتكار أي التحلي بأخلاق المسلم النزيه. وفي هذا السياق، أضاف الخبير الاقتصادي، أن الدين الإسلامي يساعد على القضاء على البيروقراطية في الإدارات من خلال المحيط الاجتماعي المتضمن المعروف، العدالة، تقوى الله، الخير، ومقاومة الظلم، مؤكدا أن المكان الأنسب هو المسجد لأنه يعد عاملا من عوامل الاتصال والتواصل والأخوة ونشر الحق وكل مساهمة في الإنتاج والتخلص مما تعيشه الجزائر في الوقت الراهن. وفي هذا الصدد، توصل مصيطفى في الدراسة الاستشرافية التي قام بها إلى أن دور التقوى في تطوير الإنتاج الإسلامي كبيرة جدا وذلك من خلال: مثال: (التقوى في سلوك المنتج)، حيث قال انه خلال الدراسة تحصل على حقيقة تبين أن الأثر الايجابي لمتغير التقوى "تقوى الله"، في تعريف نموذج الإنتاج المبني على الفقه الإسلامي يعد أكبر قيمة من إنتاجية العمل من خلال متغير الإنتاجية الحرية لتقوى الله مقارنة بالنظرية التقليدية.