بقلم: قسول جلول من حين لآخر نسمع في الجرائد أن الآلاف من الأعوان لتأمين شهر رمضان الفضيل آلاف المؤطرين لتأمين البكالوريا آلاف الأعوان لتأمين الشواطئ ....الخ ولا نسمع على ألسنة الناس ماهو العدد لتأمين صلاة التراويح عبر جميع المساجد !! .. رغم أن عدد المساجد يتجاوز 18000 مسجد تقام فيه التراويح وكذا المصليات التي تقام فيها التراويح وملايين المترددين على المساجد ! فببساطة عددية أن عدة المقرئين لتأمين صلاة التراويح يفوق 60 ألف مقرئ! أردت من خلال أن نبين المكانة الكبيرة التي أولاها الإسلام للمساجد وما يجب في حقها من احترام وحفظ وصيانة ورعاية ومعرفة مكانتها والسعي في عمارتها وإقامة شرعه فيها والمحافظة على الصلاة فيها ورفعها عن الدنس والشرك قال - تعالى -: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}سورة التوبة 18. وبيان فضلها يدل عليه القرآن والأخبار والمعقول أما القرآن فآيات أحدها قوله - تعالى -: {وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً}سورة الجن الآية 18. فأضاف المساجد إلى ذاته بلام الاختصاص ثم أكد ذلك الاختصاص بقوله: {فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً} وثانيها قوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مساجد الله مَنْ ءَامَنَ بالله واليوم الأخر} فجعل عمارة المسجد دليلاً على الإيمان بل الآية تدل بظاهرها على حصر الإيمان فيهم لأن كلمة (إنما) للحصر وثالثها قوله: {فِى بُيُوت أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والأصال}سورة النور 36 وما روى أبو هريرة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: ((أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا)). ولم يكن شيءٌ في الوجود على قلب المسلم يلقى التقديس والتعظيم والإجلال مثل كتاب الله وحرمات الله وبيوت الله فإن بيوت الله من شعائره التي يجب أن تعظّم ولا يحتاج مسلم صادق توجهه إلى الله وموثّق ارتباطه بدينه لا يحتاج إلى مذكِّر له بتعظيم بيوت الله وإنما يندفع اندفاعاً من تلقاء نفسه يعظِّم بيوت الله ويصون حرمتها ويحافظ على قدسيتها إلاّ من شذّ ممن لا ينتبه من نفسه. وقد أقام الإسلام تعظيم بيوت الله وصيانة حرمتها وإبقاء قدسيتها على ثلاثة أركان: ركن التقدير وركن التطهير وركن التعمير. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِب وَجَمَال فَقَالَ: إِنِّي اَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. ولذا ينبغي علينا أن نعرف ما معنى تعظيم المساجد؟ إن تعظيم المساجد ليس مجرد شعور فقط بل إن من تعظيم المساجد احترامها وعدم العبث بها ومنه تطهيرها وتنظيفها فعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالمساجد أن تبنى في الدور وأن تطهر وتطيب ولهذا فإنه ينبغي على من يرتاد المسجد أن يتهيأ لها ويتطهّر ويتطيّب ويتزّين ويتجمّل ويتخذ كل زينة ولسان حاله امتثال الأمر {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد }. ومن تعظيم المساجد: عدم إحداث فوضى داخل المسجد فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ)). ومن تعظيم المساجد: الاحتراز عن كل ما يؤذي رواد المساجد من الروائح الكريهة والصخب وغيره فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ) وقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ) فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ))23 ونحن نجد أن الشارع الحكيم قد منع من حصول أمور في المسجد تعظيماً لقدرها ليعلم لدى المسلمين أن المساجد لها قدر عظيم وشأن كبير ومن هذه الأمور التي منعها الشرع: - البيع والشراء ونحوهما من العقود داخل المسجد وغيرها نهى عنها الشارع الحكيم ليعلم مرتادي المساجد أدبها وتعظيمها في نفوسهم ومجتمعاتهم وليكون للمكان الذي يطلق عليه (مسجد) مكانة خاصة في قلوبهم ونفوسهم فهي أماكن عبادة وليست كبقية الأماكن الأخرى فإذا ما دخلها المسلم انصرف عن كل مشغلات النفس الدنية فيقدّم ذكر الله على كل ذكر كل هذا كي يعين المصلين والذاكرين والتالين والمتفكرين في الله على المكث وإطالة البقاء في العبادة والدعاء فهم بهذا يعمرون بيوت الله. هذه بعض الخواطر حول مكانة المسجد في الإسلام والتي استقيناها من نهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام وهم القدوة الحسنة. هذه بعض الإرشادات للمسجد مما أرشدنا إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلنعمل على تنفيذها فإن العبادة لا تتوقف عند الركوع والسجود بل إن خدمة المسجد والتأدب في المسجد عبادة لها أجرها وهي نور للمؤمن في الدنيا والآخرة. إمام مسجد القدس بلدية حيدرة/ الجزائر العاصمة