"التحرش الجنسي" واحد من كوابيس المرأة الجزائرية العاملة منها والطالبة الجامعية، يحضر يوميا بحياتها وبشكل مؤذي، برغم القانون الذي يجرمه، بعضهن يرينه سوطا مسلطا عليهن، لا يمكن التخلص منه، ورغم إدانة المجتمع لهذه الظاهرة، إلاّ أنها لم تزدد إلا انتشارا. مصطفى مهدي "أخبار اليوم" وعند حلول الثامن مارس، او اليوم الذي تحتفل المرأة بعيدها، اقتربت من بعض ضحايا التحرش الجنسي، والاعتداءات التي تحدث بشكل مستمر في مقاعد الدراسة، وفي مقرات العمل، خاصة بالنسبة للنساء المضطرات إلى العمل، واللائي ليس لهن دخل آخر، واللائي يتحولن إلى لقمة سائغة في أيدي بعض أرباب الأعمال، وحتى بعض المثقفين من أساتذة جامعيين، ومن بعض الشباب الذين لا همّ لهم إلاّ الركض وراء الشهوات. ولعل خروج المرأة للدراسة والعمل زاد من انتشار الظاهرة، خاصّة بالنسبة للطالبات الجامعيات، وتقول الإحصائيات أنّ السنة الماضية تعرضت حوالي 7519 إلى العنف بمختلف إشكاله، منها 5279 ضحية تعرضت لعنف جسدي و289 لعنف جنسي، و34 ضحية لقتل عمدي، فيما تعرضت 1753 ضحية لسوء معاملة و176 ضحية لتحرش جنسي برغم أنّ الأرقام والإحصائيات لا تمثل إلاّ جانباً بسيطاً من تلك المعاناة التي تعيشها المرأة العاملة في العالم اليوم، خاصّة مع حساسية الموضوع، وأنّ كثيراً من ضحايا التحرش تخاف من الفضيحة، وتلويث السمعة، فأن أصابع الاتهام ستشير إليها بالدرجة الأولى، لذلك فهي تفتقد الجرأة والشجاعة في التحدث عن معاناتها، أمّا أخريات فتخاف الفضيحة، من فقد عملها، وبالنسبة للطالبات، فيمتلكهنّ الخوف من تعثر الدراسة وهو ما جعل بعض الضحايا يلتزمن الصمت، وهنا تقول أمينة طالبة جزائرية: "عمري 23 سنة أدرس سنة ثالثة حقوق، رسبت سنة لأنني ببساطة رفضت المواعيد الغرامية التي كان يضربها لي أستاذي "الفاضل" لا أحد من عائلتي يعلم بالأمر، فقط صديقاتي، ولحسن حظي أنه لم يدرسني خلال السنة التي تلت". وإن فضلت أمينة التنازل عن سنة من عمرها، ومثيلاتها كثيرات، فإن أخريات رضخن للأمر الواقع سواء اختصارا للطريق أو هروبا من شبح الرسوب، بينما لا تزال أخريات لحد الآن يعانين من المساومة، وهناك أستاذ ينتظر منهن الإجابة بنعم، وإلا فإن النجاح سيصبح صعب المنال. وهناك سببٌ آخر هو شعور الضحايا بأن الجاني عليها لن يجد العقاب الرادع له، وأن رئيسها المباشر لن يسمع لها خوفا على سمعة عمله، كما أنّ إثبات حدوث التحرش من أصعب الأمور على المرأة، لهذه الأسباب وغيرها سيظل موضوع التحرش الجنسي بعيداً عن المعرفة الكاملة لصورته الحقيقية. تقول سميرة، 28 سنة: "بدأت المعاناة منذ حوالي خمس سنوات، صمدت خلالها كثيرا أمام إغراءات ومطالب رئيسي في العمل قبل أن يتحول التحرش الجنسي إلى انتقام بعد أن رفضت الاستجابة لطلباته، فقد أصبح يتدخل في كل مرة من أجل حرماني من كل امتياز أو ترقية، وأخذ بالضغط عليَّ من أجل دفعي لمغادرة العمل، بعد أن يئس من النيل مني"، وتقول ليندة، 43 سنة، سكرتيرة لدى مدير عام بشركة عمومية: "منذ أزيد من ستة أشهر أعيش حالة قلق وتوتر دائمين، بسب تصرفات مديري الدنيئة، وبحكم أنني سكرتيرته الخاصة فأنا أقضي ساعات معه كل يوم في المكتب أقضيها في التفكير في اختلاق طريقة لتجنب نظراته الوقحة جداً ومحاولاته الدائمة للمْسي، مما أثر سلبياً علي. فحتى عندما أدخل بيتي لا أتخلص من العصبية، وكثيرا ما يعود ذلك سلبيا على ابنتي اللتين لا وليّ لهما ولا مسؤول عنهما غيري"، ولعل الحاجة وضرورة العمل والمسؤوليات العائلية هي التي تفرض على المرأة الخروج للعمل وتحمل ظروف قاسية. ويقول ربيع سعيداني، أستاذ علم نفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، قسم علم النفس: "عندما لا تكون المرأة المتحرش بها جنسيا راضية بالأمر، فإن الأمر يصبح مطاردة، والإحساس بالمطاردة قدي سبب الانهيار العصبي، خاصة إذا كانت ظروف المرأة لا تسمح لها بمغادرة مكان العمل أو الدراسة، فإن بقيت تحت الضغط قد تصاب بانهيار، وإذا كان بإمكان المرأة المغادرة، أو الهروب فإنها تصبح حذرة في علاقاتها حيث ستظل التجربة السلبية راسخة بذهنها وبداخلها، وفي حال كانت المرأة الطالبة أو العاملة ذات شخصية هشة غير متماسكة أو ضعيفة فسيؤثر ذلك كثيرا عليها في المستقبل فقد يصل بها الأمر لرفض الارتباط بزوج، لأنها سترى في كلّ الرجال صورة عن الرجل الذي تحرش بها جنسيا والذي بسببه كونت صورة جد سلبية عن الرجل. وإن وصلت لتكوين أسرة فقد لا ينفع معها تغيير المكان أي أن تغيير الوضعية لن يؤِدي بها لتغيير فكرتها وانطباعها لهذه الأسباب وغيرها، وإذا وقعت المرأة في شباك المتحرش بها، واستطاع التلاعب بها فقد يتعدى الأثر إلى المنزل، فقد تزهد المرأة في زوجها نتيجة العلاقة الجديدة، فتتغير المعاملة مع الزوج، وقد تتفاقم لتصل إلى طلبها الطلاق لتعيش مع من قوض حياتها الهانئة سعياً وراء السراب".