بقلم: يونس بلخام* يستعر المواطنون الجزائريون قيظا هذه الأيام خاصة أولئك القاطنين بالمناطق الساحلية بحكم أن هذه الأخيرة لم تشهد ذُروات لدرجاتِ الحرارة كالتي بلغتها في صيف هذه السنة و السبب ليس طبيعيا البَتّة كما يعتقد البعض لو قارنا متوسط درجات الحرارة لهذا العام مع متوسط الأعوام السالفة لتجلت أمامنا مفارقة صارخة تستلزم منا الأخذ بغرابتها بالتّحليل و التفسير علّنا نوفق في إزالة اللبس الذي يكتنفها و يعتريها . إنّ عيد الأضحى على الأبواب و لم يعد يفصلنا عن تاريخه إلا أيام معدودة و تعرف تجارة الفحم في فترة ما قبل عيد الأضحى نشاطا رهيبا خاصة لدى سكان المناطق الساحلية و الداخلية بنسبة أقل أين يكون الغطاء النباتي كثيفا في الأولى و على امتداد واسع خاصةً الأشجار ذات الخشب اللين و سريع الحرق و التفحم على غرار خشب شجرة العرعار والزيتون و الصفصاف ... تتعدد مراحل التجارة بالفحم بدءا بتحضير الخشب و حرقه و تقطيعه ثم تفحيمه استعدادا لبيعه و معروف لدى من يمارسون هذا النشاط أن أصعب مرحلة من مراحل تحضير الفحم الجاهز للاستعمال هي مرحلة حرق الخشب و تفحيمه تعتمد هذه المرحلة على أفران التفحيم المزودة بغرفتين داخلية للتفحيم و خارجية للحرق هذه الأفران غالبا ما كان يتم استئجارها بأسعار باهضة من عند ملاكها و لأجل قصير لا يساعد على تجهيز كميات كبيرة من الفحم تلبي احتياجات السوق منه و يشترط في استعمالها _الأفران_ أن تكون بعيدة عن التجمعات السكنية و مناطق تواجد الغطاء النباتي المثمر أو الجمالي هذه التكلفة الباهضة لكراء أفران التفحيم و كذا إنتاجها النسبي و المحدود للفحم ناهيك عن صعوبة إستغلالها و ظروف العمل الصعبة داخلها كلّها عوامل معرقلة و مثبطة حسب شهادة معظم تجار الفحم و مع تراكمها لديهم و عدم تدخل الجهات المعنية لتذليل هذه العراقيل طَفِقَ هؤلاء التجار آخر هذه السنوات يفكرون في طرق أخرى غير شرعية لممارسة عملهم و تحقيق أعظم ربح في أقل و قت و أدنى مجهود فلجؤوا كحل لا يبرر موقفهم تماما إلى إفتعال الحرائق بالغابات التي تحتوي على الخشب بأنواعه و الثروات الحيوانية بأشكالها و ممّا أبعد عنهم الشبهة طيلة هذه السنوات الأخيرة تحَجُّجُ الشعب و اعتقاده الجازم بأنّ السبب الأول و الأخير في افتعال الحرائق هو الضرورة الأمنية البحتة في إطار العمليات العسكرية للقضاء على الخلايا الإرهابية النائمة و المتوغلة في عمق الغابات الكثيفة التي لا يمكن دلوفها أو إختراقها لصعوبة تضاريسها و المخاطر الكثيرة التي تلف هذه التضاريس الوعرة . هذا الإعتقاد الجازم لدى أفراد الشعب منح هؤلاء التجار بدرجات الحرارة! لحافا سحريا يُواريهم عن كل الأنظار و يصرف عنهم كل الشبهات أو كما يقول المثل العامي الجزائري : الصبيحة يبطش مع الذيب و العشوة يبكي مع الراعي لقد ساعدتهم كل هذه الظروف و منحتهم قدرا واسعا من الحرية و عدم المراقبة و التضييق على تحركاتهم خاصة في ظل الغياب البارز لمراقبي و حراس الغابات على طول و عرض الشريط الغابي للبلاد و اقتصار تواجدهم في المحميات و الغابات المكيفة و المخصصة للراحة و الاستجمام كما استغلوا تلك القناعات الراسخة لدى أفراد المجتمع استغلالا رهيبا و انتهازيا يبررون به أفعالهم و يكسبون بذلك التأييد و التعاطف بدل أن يُوضع حدٌّ لعبثهم بالطبيعة و بحياة الناس و أملاكهم التي يعيشون فيها و يسترزقون منها . لعل السبب الأبرز وراء زيادة عدد الحرائق في الغابات هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية هو تزامن عيد الأضحى مع نهاية فصل الصيف و زيادة الطلب بشكل رهيب على مادة الفحم سواءا كان ذلك من طرف المواطن البسيط أو أصحاب المطاعم و الشَوّايات فلتلبية و تغطية الحجم الكبير و المتزايد لهذا الطلب يُوجِب على تجّار الفحم حرق أكبر مساحة من الأشجار المثمرة و غير المثمرة من دون مبالاة أو تقدير للعواقب فشجرة الزيتون هي عند تاجر الفحم لا تختلف عن شجرة العرعار أو الصفصاف مادامت ستتحول إلى فحم أسود يباع في سوق سوداء من غير حسيب و لا رقيب ! من باب الإنصاف لا يجب أن نعتبر كل من يتاجر بالفحم مفتعلا عمديا للحرائق و إن كانت الأغلبية الغالبة منهم تفعل ذلك و كأول خطوة نخطوها نحن أفراد المجتمع في سبيل الحد من هذه الظاهرة اللاّإنسانية و هذه الجريمة في حق الطبيعة هي أن نعتمد أسلوبا إقتصاديا حضاريا يتمثل في المقاطعة الكلية لمادة الفحم في عيد هذه السنة و عيد السنوات القليلة القادمة فمن شأن إجراء كهذا أن يُسبب خسائر فادحة لهؤلاء المتلاعبين و العابثين بالطبيعة و بحياة البشر على حد سواء و أن يفضحهم أمام الملأ ليُحاسَبوا على فعلتهم اللاّأخلاقية و جشعهم المادي على حساب الطبيعة و الإنسانية و بإجراء ردعي غير مباشر كهذا لن يجرءوا مرّة أخرى على حرق أيّ غابة ما دام الطلب على الفحم منعدما اللهم إلّا إذا اعتبرنا إفتعال هذه الحرائق هواية يمارسونها هكذا و فقط فالمسألة هاهنا ستصير مسألة سيكولوجية بحتة لها تحليلها و تفسيرها الخاص بها !