حين أطاح التونسيون برئيسهم زين العابدين بن علي، سُئل وزير خارجية نظام مبارك أحمد أبو الغيط عن إمكانية انتقال ما حدث في تونس إلى الأراضي المصرية، فقال الرجل ساخرا من دعوات "الفايس بوكيين" إلى التظاهر بمصر أن مصر ليست تونس، وبعد بضعة أيّام أصبحت مصر أكثر اضطرابا من تونس نفسها واهتزّت الأرض من تحت أقدام أبي الغيط وغيره من "الغيّاطين" الدائرين في فلك النّظام المصري الرّاحل، وأصبح مبارك ومن معه من الهاربين من القصر من بعد أن كان من الواثقين بالنّصر على بركان ثورة الشباب المتفجّر· وحين أطاح المصريون بمبارك ونظامه وبدأ الشارع الليبي يغلي على نار غير هادئة وتحرّكت ثورة أحفاد عمر المختار أطلّ علينا ابن العقيد القذافي "المهندس" سيف الإسلام ليقول إن ليبيا ليست تونس ومصر، ثمّ أكمل والده ليقول إن القذافي ليس بن علي ولا مبارك· وعندما اشتدّ الطوق حول عنق الرئيس اليمني علي عبد اللّه صالح، خرج بعض الموالين له ليقولوا إن اليمن ليس تونس ولا مصر ولا ليبيا·· ومثل ذلك يقول بعض المقرّبين من قصر ملك البحرين·· البحرين ليست تونس ولا مصر ولا ليبيا ولا اليمن، وفي السعودية هناك من يقول إن "المملكة" ليست تونس ولا مصر ولا ليبيا ولا اليمن ولا البحرين·· وفي مملكة "أمير المؤمنين" محمد السادس يردّد البعض أن المغرب ليست تونس ولا مصر ولا ليبيا ولا اليمن ولا البحرين ولا السعودية·· والبقية تأتي· وإذا استمرّ لهيب الثورات المشتعلة في الزّحف على بلدان عربية أخرى فسنسمع المزيد من مثل هذا الكلام، وقد يأتي يوم يحتاج فيه البعض إلى ورقة كبيرة ليكتب عليها أسماء الدول التي أطاحت ثورات شعوبها بأنظمتها، وبعدئذ سيدرك من بقي في رأسه عقل أنه وإن اختلفت طبيعة البلدان العربية وتفاصيل حياة شعوبها فإن مصير الأنظمة الظالمة والطاغية واحد·· وهي إلى زوال· من أجل ذلك، تبدو مختلف الدول العربية الآن تسير على خطى الجزائر التي شهدت في أكتوبر 1988 ثورة شعبية حقيقية أهدت الانفتاح والتعددية للجزائر، مع تقديم تضحيات كبيرة جدّا·