الحجاب من أكثر القضايا التي يتخذها بعض المغرضين داخل مجتمعاتنا أو في الغرب وسيلة للهجوم على الإسلام وإثارة الشبهات حول موقفه من المرأة، واتهامه زوراً بأنه يظلم المرأة، إذ فرض عليها الحجاب، الذي، حسب زعمهم، يحرمها من حريتها الشخصية، ويقيّد تحركها، ويمنع تطورها، ويحد من تفاعلها مع المجتمع. علماء الدين يفنّدون هذه المزاعم، فيقول الدكتور محمود الضبع أستاذ الدراسات الإسلامية، إن الحجاب في اللغة هو الستر، وهو حكم شرعي فرضته الشريعة الإسلامية على المرأة، وأوجبت عليها اتباعه والالتزام به. ودلَّ على ذلك القرآن والسنة، يقول الله تعالى: »يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذَين وكان الله غفوراً رحيماً«. الأحزاب 59 والجلابيب جمع جلباب، وهو الثوب الواسع، أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقي منه ما ترسله على صدرها، ومعنى »يدنين عليهن من جلابيبهن« أي يرخينها عليهن. ستر العورات ويؤكد الضبع أن السياق القرآني لآية الخمار يبين أن العلة هي العفاف وحفظ الفروج، مضيفاً أن الحديث يبدأ من تمييز الطيبين والطيبات والخبيثين والخبيثات، وآداب دخول بيوت الآخرين، المأهول منها وغير المأهول، وغض البصر وحفظ الفروج لمطلق المؤمنين والمؤمنات وفريضة الاختمار، حتى لا تبدو زينة المرأة إلا لمحارم حددتهم الآية تفصيلاً؛ فالحديث عن الاختمار حتى في البيوت إذا حضر غير المحارم. وقال إن الآيات القرآنية واصلت الحديث عن الإحصان بالزواج وبالاستعفاف للذين لا يجدون نكاحاً، حتى يغنيهم الله من فضله، قال الحق سبحانه: »قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن...«. النور 26 إلى 33 وأوضح أن الأحكام القرآنية حددت معالم النظام الإسلامي والتشريع الإلهي، الذي يضمن للمجتمعات العفة وستر العورات عن غير المحارم، وهو تشريع عام في كل مكان توجد فيه المرأة مع غير محرم. أسباب الفساد ويقول الدكتور الضبع إن عظمة التشريع الإسلامي تتجلى في حرصه على مواجهة أسباب الفساد والقضاء على مقدِّمات الرذيلة؛ من خلال رؤية شاملة لعوامله وأسبابه، حيث حرصت سورة »النور« على أن تستأنف التشريع لستر العورات داخل البيوت عن غير المحارم، الذين حددتهم الآيات، ومنهم الصبيان إذا بلغوا الحلم، يقول الله سبحانه: »يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانُكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم«. النور 68-70 ويضيف أنه عندما أمر الله بالعفاف وحرم الزنى وأقر الزواج وأباح إمكانية التعدد، كان لا بد لكمال التشريع من الأمر بدرء ما يوصل إلى عكس ذلك كله، فأمر بالحجاب وبغض البصر وبعدم الخلوة، وهو أَمر له سبحانه في كل دين. وقال إن الستر الذي تريده شريعة الإسلام للمرأة المسلمة هو رفع لقيمتها الإنسانية، وحفظ لها من التنازل عن مرتبتها إلى مرتبة أدنى منها، لأن حياء المرأة وعفتها وسترها أمر تمارسه وفق طبيعة تكوينها لتكون محافظة على مكانتها ومنزلتها عند الرجل، كما تشير الآيات الكريمة إلى هذا المعنى في طيات دلالاتها ومعانيها المستفادة منها. فالإسلام لا يقصد من وراء الستر والحشمة التقليل من شأن المرأة وإنما هدفه تحصينها من الفتنة والفساد والحفاظ على الحدود الأخلاقية في المجتمعات. فرض الحجاب وأكد أن الإسلام فرض الحجاب على المرأة لتحقيق مصلحتها الدنيوية والأخروية حتى تعيش مصونة محترمة في المجتمع وتقوم بدورها الذي يضمن لها رضا الله تعالى، فلا تكون مطمعاً لأصحاب النفوس الضعيفة. وقال إنه من الظلم البيِّن الادعاء بأن الحجاب يمنع المرأة من التعلم والخروج إلى العمل والمشاركة في مختلف قضايا الأمة، لأنه لا تعارض بين التزام المرأة بتعاليم دينها والحرص على الستر وعدم ابتذالها وخروجها إلى دور العلم والعمل والمنتديات العامة. والرسول صلى الله عليه وسلم حث المرأة على طلب العلم في حديثه المشهور: »طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة«، فمن الخطأ الاعتقاد أن الحجاب يفرض على المرأة الانزواء والتقوقع في البيوت والقعود عن السعي وبناء الشخصية وصقل الملكات والمواهب، لأن هذا يتعارض مع رسالة الإسلام التي تحض الرجل والمرأة على الضرب في الأرض والأخذ بالنافع وامتلاك كل عوامل وأسباب التقدم في الحياة والرقي، والمساهمة بقوة وهِمَّة في البناء الحضاري للأمة وتربية النشء على قيم الإسلام. وما يقصده دينُنا الحنيف هو تنقية الأجواء من التهتك والإغواء والتبرج حتى يقوم كل من الرجل والمرأة برسالته في أمن وسلام.