سهلت التكنولوجيا الحديثة الكثير من الأمور على المواطنين، بل وقد تحولت الى عالم آخر يعيش فيه البعض، وخاصة الاطفال والمراهقين، الذين استغنوا عن بعض النشاطات التي كانوا يمارسونها، وحتى اللعب في الحي، بل ان اصدقاء هم كذلك صاروا افتراضيين، وينظمون معهم الرحلات في العطل. مصطفى مهدي اجل، لم يعد الطفل او المراهق يخرج من غرفته لكي يلتقي اصدقاءه، بل يكفي ان ينقر على حاسوبه، ويفتح صفحة الفايس بوك الخاصة به، يكفيه ذلك لكي يلتقي باصدقاء مكن مختلف المناطق والاحياء، بل ويشاركهم كل مشاكله وهمومه الصغيرة، وقد تتطور العلاقة بينه وبينهم وتتحول الى صداقة حقيقية، ولعل هذه الظاهرة تشكل خطرا حقيقيا على الاطفال الذين قد لا يدركون ان تلك العلاقات التي يقيمونها من وراء شاشة الكمبيوتر وعلى مواقع الدردشة قد لا تكون علاقات بنية حسنة، ولكن البعض لا يفعلون سوى اصطياد هؤلاء الاطفال، واقتيادهم لاستغلالهم اما في الاعتداء عليهم جنسيا، او حتى سرقة أعضائهم وغير ذلك من الجرائم التي تحدث يوميا، والتي قد تكون بدايتها مجرد صداقة على الانترنيت، لكن اطفالا اخرين نجحوا في تكوين علاقات وصداقات حقيقية، وقبل ان نقترب من تلك العينات، اقتربنا من سلوى، 42 سنة، وهي ام لطفلين، احدهما يبلغ 12 سنة، والذي منذ ان اشترى كمبيوتر، وهو منكب عليه، تقول لنا سلوى انه ناجح في دراسته، وانه يستغل ذلك الكمبيوتر اما للدراسة او للتسلية، وانها لا تخشى عليه الا من الاصدقاء الذين يلتقيهم على مواقع الدردشة، والذين استبدلهم باصدقاء المدرسة والحي، وهو الامر الذي اثار قلقها، خاصة وانه صار لا يخرج من البيت الا نادرا، اما في العطلة، فلا يخرج اطلاقا، وانه قد نوى ان يقوم برحلة مع اصدقائه على الانترنيت، وانهم نظموا كل شيء ليذهبوا الى جبال الشريعة، لكنها عارضت، فلم يفعل سوى ان طلب من هؤلاء الاصدقاء ان يحضر كل منهم فردا من اسرته، وهكذا لا يكون لهم حجة، فوافقوا، وقالت سلوى انها لم تستطع ان تمتنع، فوافقت هي الاخرى على ذلك. اطفال اخرون لا يصارحون اولياءهم بتلك الرحلات التي يقيمونها، لانهم يعلمون مسبقا انهم لن يوافقوا عليها، خاصة وانها ستكون مع اصدقاء ليسوا من الحي او المدرسة ولكن من الفايس بوك، أي من مختلف المناطق، يقول لنا رضوان، 14 سنة، ان العصر يقتضي ان يكون للانسان اصدقاء عبر الانترنيت، لان ذلك يساعده ليس في العثور على اصدقاء ولكن في اختيارهم، لان اصدقاء الحي هم اصدقاء فرضوا عليه، ويجب ان يكون مثلهم، فان انحرفوا انحرف، اما على الانترنيت، فالشخص يمكن ان يختار اصدقاء من مناطق بعيدة صحيح، ولكنهم يوافقونه الافكار، وهو ما فعله مع مجمعة اصدقائه على الفايس بوك، وهم 14 فردا اتفقوا على ان يمضوا بعض الايام في الحدائق والغابات، وان يكتشفوا في هذه العطلة كل الاماكن الجميلة، خاصة وان كل واحد منهم قادم من منطقة معينة في الجزائر، وهو الامر الذي يجعلهم يتبادلون الاراء والافكار. نسيم من جهته فعل نفس الشيء، ولم يخبر والده ولا امه، اخبره بان له اصدقاء سيقاسمونه رحلة في العطلة الربيعية، ولكنه لم يقل لهم ان هؤلاء الاصدقاء تعرف عليهم عبر الانترنيت، لانه لو فعل، يقول لنا، لما وافقوا على الامر، لانه، يصارحنا نسيم، لهم خوف مرضي، فهم لا يثقون في الاجانب، ليس هذا فحسب، ولكنهم ايضا لا يثقون في ابنائهم، وفي انهم قادرون على التفريق بين ما يضرهم مما ينفعهم، وبانهم قادرون على حماية انفسهم من كل الاخطار التي تعترضهم، وانهم ليسوا حمقى الى درجة ان يتمكن شخص غريب من اللعب على عقولهم، او على الاقل ليسوا كلهم كذلك.