السيّد فيسبوك المحترم..أحيانا تقترح عليّ أشخاصا من مثل الأستاذ (....)، ممّن يستحيل تواصلي معهم، فالرّجاء يا سيّدي أن تحترم مشاعري الإلكترونية، وإلاّ سأضع حدّا لحياتي الفايسبوكيّة. قليلا من الاحترام أرجوك، فأنا بطلبي اللّجوء الافتراضي لديك إنّما لأنسى تقاسمي الواقع مع هؤلاء.. شكرا مسبقا على تلبية الدّعوة، واحترام مشاعري.." ".. هذه الجملة مهرّبة من فايس بوك أحد الشعراء الجزائريين، الذي كلما دخلت الفايس بوك إلا وصادفته غير عابئ بالوقت، ففي ظل غياب منابر إعلامية حرة، تسمح بتواصل مثقفينا فيما بينهم، دون شعور بالخوف من مواجهة الآخرين، أصبح الفايس بوك بالنسبة لهؤلاء بمثابة مصباح علاء الدين السحري، الذي يجعل الآخر بالضغط على زر واحد فقط، يتواصل مع من يشاء ويقول لهم ما يشاء أيضاً. ولمعرفة كيف يتعامل مبدعونا مع الفايس بوك، وما الأسباب التي جعلتهم يفرّون إلى هذه الوسيلة التي يستعينون بها لتهريب أفكارهم وآرائهم إليهم. حاولنا في عددنا الجديد من "الفجر الثقافي" أن نسأل المثقف الجزائري عن الأسباب والدوافع التي جعلته يفر من العالم الحقيقي إلى العالم الافتراضي الفايسبوكي الجديد، فكانت هذه إجاباتهم.. يرى الشاعر سليمان جوادي، أنّ علاقته بالفايس بوك مجرد وسيلة للتواصل مثلها مثل أي وسيلة اتصال أخرى كالهاتف والفاكس، التي يحتاجها المثقف والإنسان العادي للتواصل مع الآخرين. لكن هذه الحميمية التي أضحت تتواجد بين الإنسان سواء العادي أو النّخبة اتجاه هذه الوسيلة التكنولوجية الحديثة، لا يمكنها بأي حال من الأحوال من أن تكون بديلا عن الأدوات التي اعتاد المثقف والمبدع أن يتواصل بها مع جيله. ويقول الأستاذ جوادي في هذا الصدد بأنه "لا يمكن في الوقت الراهن أن يكون الفايس بوك بديلا عن الجريدة والمجلة والكتاب.."، لأنه يرى بأن العلاقة التي تربط المثقف مع هذه الأدوات لا يمكن أن تندثر بوجود هذه الوسيلة المتطورة في الوقت الحالي. أما عن لجوء المثقفين بكثرة إلى هذه الوسيلة التكنولوجية في الفترة الأخيرة، واعتمادهم عليها في مناقشاتهم وطرح رؤاهم وأفكارهم، فيعود – حسب جوادي - في الأساس إلى انتشاره المذهل وسهولة استعماله وعدم وجود قيود مادية أو معنوية تعيق الانتساب إلى عالمه. أما الروائية الجزائرية المغتربة في بيروت، فضلية الفاروق، فترى بأنّ هروب المثقف الجزائري والعربي إلى الفايس بوك لطرح آرائهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية والإيديولوجية هو نابع في الأساس من غياب وسائل أخرى حقيقية للتواصل مع الآخر، دون أي عقدة أو خوف. لهذا السبب فهي ترى بأن لجوء المثقف إلى استعمال هذه الوسيلة هو هروب من العالم الواقعي إلى العالم الوهمي ليس إلا، خاصة وأنّ الشخص الذي يستعمل هذه الوسيلة لطرح انشغالاته وتوجهاته لا يلتقي مع المتلقي لتلك الرؤى والأفكار، فعادة الذين يقرأون تلك الأفكار هم أشخاص لا تلتقيهم، كما أنّ لا أحد يهدد هدوءك بعدما تنشر ما تراه يعبر عنك بشكل أو بآخر، وإن فعل -تضيف الفاروق -، ما عليك إلا غلق الشاشة والاستمتاع بوحدتك التي أضحت تشكل متعة للمثقف في حدّ ذاتها. وترى الشاعرة المغتربة جنات بومنجل، أن هذا الفضاء الافتراضي الذي يسمى "الفايس بوك"، وفّر لها ولجميع الكتّاب مساحة للرأي والتعارف والتلاقح الثقافي والمعرفي دون حواجز أو عقبات، "يستطيع المثقف والمبدع والإنسان العادي من أن يتجاوز من خلالها المسافات الطويلة في زمن التأشيرات والمطارات والحدود، للتعبير عن كل ما يخالجه". أما بخصوص هروب المثقف إلى هذه الوسيلة دون غيرها من الوسائل المتعارف عليها سابقا كالجريدة أو الكتاب أو المجلة، تقول جنّات، هو نابع من كون المثقف أصبح يرغب في أن يوصل تلك الأفكار إلى أكبر شريحة من المجتمع وأن تتجاوز أفكاره الحدود والحواجز التي أضحت مفروضة على الإبداع والمبدعين والمثقفين، لهذا لم يجد وسيلة أسهل من الفايس بوك لتحقيق ذلك. وتعتقد جنات أنّ الفايس بوك، هو إحدى هذه الوسائل والشرفات التي أصبحت مهمة جدا الآن في التواصل بين الكتّاب أنفسهم أو بين الكاتب وقارئه، كما أنّ هذه الوسيلة توفّر الوقت والجهد وتحقق المتعة والفائدة لذلك على الكاتب أينما كان أن يحاول مواكبة هذا التطور في وسائل الاتصال الإلكترونية، ليوصل إبداعه إلى أكبر فئة ممكنة. أما الوزير السابق للثقافة والاتصال، والكاتب محي الدين عميمور، فيرى أنّ هروب المثقف الجزائري إلى الفايس بوك يأتي كنتيجة حتمية لما يعتري هذا المثقف من كبت للحرية، ونقص الفضاءات التي تسمح له بطرح آرائه وانشغالاته وهمومه، بكل أريحية ودون أي محاسبة أو عتاب أو قصّ أو حذف، لما يكتبه هذا المثقف في مختلف وسائل الاتصال المتواجدة منذ سنوات سواء الجريدة أو المجلة أو الكتاب، لأن هناك دائما رقيب لمثل هذه الوسائل، فيما يمنح الفايس بوك، هامشا كبيرا من الحرية للمثقف من أجل التعبير عن كل ما يشغل فكره، بكل أريحية. ويضيف عميمور أنّ المثقف الجزائري أصبح يشعر قبل وجود هذه الوسيلة أنّ كل ما يكتبه في الصحافة يضيع هباء، فيما يرى بأن ما يكتب اليوم من أفكار وما يطرح من قضايا على صفحات الفايس بوك، هي أفكار تلقى الكثير من الترحيب والمناقشة التي لا تسمح بها وسائل الإعلام الأخرى.ويعود بنا الكاتب إلى كونه وعلى مدار الأربعين سنة التي قضاها في الكتابة؛ لم تلق أي نوع من المناقشات والأخذ والردّ، فيما يجد اليوم كل المواضيع التي يطرحها على الفايس بوك تجد صداها لدى المتلقي سواء كان كاتب، أديب، شاعر، باحث أو مواطن عادي، وجد من هذه الوسيلة فرصة للتواصل فكريا مع الآخرين، الذين عجز عن الوصول إليهم سابقاً، في الوقت الذي كان يلقى مئات الرسائل فيها شكاوى وطلبات وساطة بحكم المكتب الذي كان يشغله، أما المناقشات فقد كانت آخر هم الآخر. الشاعر عادل صياد، من جهته، يجيب عن سؤال هروب المثقف الجزائري إلى الفايس بوك، قائلا "بالنسبة لي، الفايس بوك منفاي الاختياري، بعد الغلق الشامل لكلّ فضاءات الحرية، ففيه أجد حريّتي وأعبّر عن آرائي، دون أن تمتدّ يد الرقيب إليّ، ويتيح لي التواصل مع من أشاء وإضافة من شئت من الأصدقاء وحذف من لا أراه جديرا بتواصلي معه. وهو إلى جنب ذلك مصدر معلومات ونشر سريع للأخبار، كما يمكّن من تقريب المسافات وإيجاد أصدقاء قدامى ضاعوا في زحمة الحياة". ويضيف صيّاد "أنا شخصيا لم أعد أتصوّر حياتي خارج الفايس بوك، لقد أصبح افتراضه هو حقيقتي الوحيدة وصارت لي مشاعر إلكترونية". كما أصبح للشاعر صيّاد قصائد إلكترونية إن صح القول، نورد لكم شيئا منها كخاتمة السؤال المفتوح على مصراعي جدل. يقول صيّاد في نصّه المعنون "أنا لست بخير".. صار بإمكاني أن أصبح شخصا مرموقا بجميع مقاييس الرفعة والشأن، بمجرّد نقر أفتح أبواب العالم وأصبح حقّا حقّا السيد عادل صياد./ صار متاحا لي أن أختار من بين صديقاتي المفترضات صديقا أدرجه في قائمتي ثمّ سأختار من منه يدخل قلبي؟ من يخرج من ذاكرتي؟ ومن أزرار التشغيل؟ صار متاحا أن أعلن حظر التجوال على "الميسنجر" وأنشئ قاعدة على "الفيس بوك" تتبنى عملياتي النوعية في استهداف الأعداء من "الياهو".. أقتل في اليوم من عشرين إلى سبعين عدوا، يقتلني في اليوم آلاف المرات صديق يتسلّى باستشهادي، يبعث لي بالورد عبر بريدي الوارد، يسأل عن حتفي إن كان بخير؟ أنا لست بخير: كنت أظنّ بأنّ الأرض ستحفظ من كان عليها وأنّ الحاكم يحكم بالعدل وأنّ الوقت سيحتاج لبعض الوقت فقط. كان يقيني في غير محلّه./ لا يوجد أدنى شكّ في أنّك شخص آخر. وبأنّ بلادي وطنٌ لا يعرف أين يقع.
من الصالونات الأدبية إلى الفايس بوك: مديح الحرية الأديبة: د.ربيعة جلطي في ثنايا سؤالك تختبئ الإجابة، فأنت تفترضين هروب المثقفين أو لجوءهم الاضطراري إلى هذه الوسيلة التواصلية الحديثة (فايس بوك) السؤال يضعهم في حالة غير مريحة وأنا أؤكد ما ذهب إليه السؤال بتضميناته فأقول: في ظل البيات الشتوي الطويل لأحوال الثقافة وشؤونها في البلد وفي سطوة لغو وصراخ وضجيج يعلو فيه صوت المنافع والحساب والمال على صوت الكتاب والتأمل والاختراع والاحتفال بالإبداع، وجب على المبدع الحق الذي لا يريد أن يتلوث، أن يأخذ له مسافة بعيدا عن التلوث، عليه أن يبتعد وأن يبحث عن وسائل أخرى حديثة وعملية ونظيفة للتواصل والقراءة والحوار والنقاش المثمر. ولأن الطبيعة لا تحب الفراغ، ولأن المثقفين ذوي الوعي التاريخي لم يعودوا يثقون في الوعود الوهمية التي تنزل من سحابة صيف خادعة، لأن المثقف والمبدع والأديب وعوا وتفطّنوا لسياسة التبئيس والتيئيس وتأكدوا أن شيوع القراءة وسيولة الكتابة وسهولة التواصل مع المبدعين في جميع صنوف الإبداع ومع القراء أيضا يمكن أن يتحقق بعيدا عن ثرثرة لا نهائية عن الميزانيات العملاقة والديسكورات الشقشاقة، بل يحتاج الأمر فقط إلى فهم حقيقي لفحوى الثقافة في معناها التاريخي وليس السياسوي الديماغوجي. وتجنبا للإصابة بأي إحباط وضعوا ثقتهم في هذه الوسيلة الجديدة للتواصل والحوار. هذه الوسيلة التي اخترعتها العقول الحرة في مجتمعات تحترم حرية العقل فكانت هدية للكاتب والأديب تنتشله من الخواء واللامبالاة والإهمال وهدر الطاقات، فتجاوز الحدود والجدران وثلاثية القمع والمنع والردع إلى وسائل المقاومة المختلفة والعميقة. نعمة المعرفة هنا أن يستطيع المرء في الظروف كهذه أن يكون مؤقتا (على الساعة العالمية) كما يقال فلا يشعر بتخلف زمني بالنسبة لغيره من المثقفين في العالم فيقرأ كتبا كاملة، عن طريق الأنترنت والفايس بوك، الكتب التي لا تأبه بالرقيب، يقرأها بكل حرية ومسؤولية ثم يناقشها فيقبلها أو يرفضها، ويستطيع أن يرى فيلما ضخما ويزور معرضا عالميا للفن التشكيلي إلى غير ذلك ويتحاور مع من حضروه فعليا أو على الأنترنت. في استعماله للفايس بوك، تصالح المثقف مع عادة القراءة الحرة، بحيث يشعر أنه ليس بقاصر كما تريد السلطة أن تشيع فيه بل قادر على فهم الحياة والكتابة والسلطة بعقله الحر والمجرد من كل هيمنة أو محاولة شراء أو بيع. أعتقد أن الحوارات وحتى السجالات التي تحدث أحيانا على الصفحات الضوئية بين المثقفين والمبدعين على الرغم من بعدهم الجغرافي من قارة إلى أخرى واختلاف مشاربهم الثقافية يقرب آراءهم ويلون إبداعاتهم فتزداد عمقا ونضجا. في ظل الخراب الذي يسود الساحة الثقافية عندنا والتمزق المخطط له لتفتيت الوسط الثقافي حتى لا يشكل أي ثقل فكري أو اجتماعي أو أيديولوجي، بحيث لا مكان ولا جمعية ولا اتحاد ولا مؤسسة تجمع شمل الأدباء والمبدعين والمثقفين وتشيع الحوارات في أوساطهم، فإن الفايس بوك والأنترنت ووسائل الاتصال الحديثة أحيت فكرة الصالون الأدبي بمفهومه الجاد في طرح نقاشات حول الكتب الصادرة في كل مكان من العالم العربي وغير العربي..وحوارات حول القضايا الراهنة والحسّاسة الفكرية منها والاجتماعية والسياسية. هذا لا يعني أن فضاء الفايس بوك الثقافي فضاء مثالي، فكسائر الفضاءات والحيزات الثقافية وحلقات الحوار التقليدية أو الكلاسيكية يتسلل من حين لآخر بعض المتطفلين الذين يحاولون أن يعكّروا هذا الجو الراقي، لأنّنا ربما لم نصل بعد إلى مستوى ثقافة العين والعلم الحداثي. نحتاج، دون شك، إلى تمارين متواصلة للتصالح مع ثقافة جديدة تفتح العالم أمامنا بكل إدهاشاته ومخاطره أيضا. أعتقد أن الذكاء والفطنة توصل إلى نتيجة مفادها: أن في ظل الركود المستديم وهيمنة مرض الذاتويات والأحقاد ومستنقعات المال يبدو البحث عن وسائط جديدة بالنسبة للمثقف والمبدع هو عين العقل، وعلى المثقف أن لا يحلم بأنه سيغير شيئا في تسييره لمؤسسة ثقافية رسمية مهما استمات في عطائه من أجل ذلك لأنه بكل بساطة يجدف عكس التيار. وإلى أن يتغير التيار، فالمثقف الذي يعمل باجتهاد وجرأة وحداثة في مؤسسة رسمية إن لم يستقل أو لم يقل فإن فيه شكا. وتظل وسائط الاتصال الحديثة من فايس بوك وغيرها نافذة كبيرة يدخل منها النور ليكسر الظلام السائد. اللوتس والفايس بوك الكاتب: الخير شوار عندما دخلت الجزائر العاصمة لأول مرة، كنت أبحث بين الوجوه في زحمة ديدوش مراد والعربي بن مهيدي، لعليّ ألتقي فجأة بأحد الكتّاب الذين كنت أقرأ لهم وكانت صورتهم تملأ الصفحات الثقافية للجرائد والمجال والبرامج التلفزيونية على قلّتها، لكني قضيت وقتا طويلا ولم أجد ضالتي. وبعد أن تمرّست قليلا وعرفت مداخل ومخارج العاصمة، قيل لي إن الكتّاب والمثقفين كانوا يلتقون في مقهى "اللوتس" عند ساحة موريس أودان والجامعة المركزية ولم أتشرّف بالجلوس إلى تلك المقهى التي أغلقت أبوابها زمن التحولات العميقة التي عرفتها الجزائر في أعقاب أحداث الخامس من أكتوبر 1988. وبعد أن فشلت الكثير من المبادرات في إعادة لمّ عموم المثقفين في مقهى بديل عن اللوتس، جاء الحل من الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما ابتكر ماك زكربيرغ وهو في العشرينات من عمره تلك الشبكة الاجتماعية العملاقة التي أصبحت تضمّ ما يقرب من 300 مليون بشر من مختلف أنحاء العالم، ووجد الكتّّّّاب الجزائريون ضالتهم في التعارف وإعادة التعارف وحتى في "التمنشير" و"التقرعيج" و"النميمة". ومهما يقال عن سلبية هذا الفضاء الذي أراده البعض بديلا عن الكتابة الحقيقية، فقد مكّن هذا الاختراع الأمريكي من إيجاد بديل للمثقفين الجزائريين الفاشلين حتى في إيجاد مكان طبيعي يلمّهم، وما يخشاه البعض أن يتحول الاشتراك في هذه الشبكة العالمية بمقابل مادي، وساعتها أعتقد أن الكثير من المثقفين الجزائريين سيخرجون منه وسيكون مصيره كمصير مقهى اللوتس. الفايس بوك.. حرية، إبداع وحاقدون أيضا الكاتب: بشير مفتي يعد الفايس بوك، فضاء حرّا، يختاره المثقف للتواصل مع أبناء جيله، في ظل غياب وسائل إعلام تسمح لهم بطرح آرائهم وأفكارهم، دون أي قيد. فرغم السلبيات الكثيرة التي يجدها مستخدم الفايس بوك في هذه الوسيلة، إلا أنها الوسيلة المثلى المتاحة حالياً أمام المثقفين للتواصل فيما بينهم، بعيدا عن حسابات الربح والخسارة. كنت أتمنى أن يكون هذا الفضاء الافتراضي فضاءً إيجابيا خالصا، لكن بعض العقليات التي يمتاز بها بعض مثقفينا حالت دون طغيان جمالية هذه الوسيلة، على هذا العالم الافتراضي، الذي اعتقدنا بأنه جنة للتواصل؛ فإذا به نار للأحقاد، من خلال الإهانات والشتائم التي أضحت تعترض بعض مرتادي الفايس بوك، نتيجة لحسد أو لغلّ أو لآراء طرحتها يرفضها الآخر بشدة. ولكن رغم كل هذه السلبيات التي يحملها الفايس بوك، إلا أنّني أعتبره ظاهرة صحية، ووسيلة جيدة للتواصل بين المثقفين والكتّاب والمبدعين فيما بينهم، كما أن أغلب الكتاب في الوقت الراهن أصبحوا يستعينون بهذه الوسيلة للترويج لإبداعاتهم، ونتاجهم الفكري والثقافي. الفيسبوك قتل مقولة "تنتهي حريتك حين تبدأ حرية الآخرين" نسيمة بولوفة إلى وقت قريب لم يكن يجمعني بوسائل الحديث المتطورة شيء، بما فيها المدونات، والبريد الإلكتروني، وكنت ولازلت أصرّ على كون وسائل التواصل القديمة، كالرسائل والكتب والجرائد والمجلات هي أفضل وسيلة للتواصل مع الآخرين، لكن وقبل 6 أشهر تقريبًا بدأت باستخدام هذه الوسيلة التي جعلتني أتواصل مع من فرقتنا الحدود أو الإيديولوجيات والأفكار، وأصبح بإمكاني اليوم أن أضيف من أشاء من هؤلاء وأحذف من أشاء أيضًا.. أضيف.. وأعدل.. وأقول.. وأشياء كانت منذ فترة ليست ببعيدة غير متاحة لي، وللآخرين. ورغم كل الإيجابيات التي يمتاز بها الفيسبوك، إلا أن فيه من السلبيات ما يكفي لاتخاذ قرار مفاجئ بغلقه نهائيا وعدم تصفحه مرة أخرى، بما أنه أضحى يسمح بهامش لا محدود من الحرية التي سمحت للعديد من الكتاب والمثقفين بالهروب من واقعهم الذي يفرض على أفكارهم وآرائهم القيود إلى واقع أكثر حرية، لذا أصبحنا نرى اليوم أن أغلب المثقفين الجزائريين وحتى العرب، يقضون أغلب أوقاتهم على الشبكة العنكبوتية، لما تتيحه لهم من حرية لعرض أفكارهم، التي تؤدي في الكثير من الأحيان إلى التصادم مع الآخرين الذين يشنون حربا إلكترونية على تلك الأفكار، كما يحدث مع الكثيرين اليوم داخل هذا العالم الافتراضي، تؤدي في الأخير إلى حذف أحدهم للآخر.. هكذا بكل بساطة، ودون أي جهد أو عناء، لذا يمكننا القول اليوم إنّ هذه الوسيلة جاءت لتضع حدًا لمقولة "تنتهي حريتك حين تبدأ حرية الآخرين".