يكفي أن تدخل بعض المعلومات البسيطة وتنقر على الزر ''تسجيل'' لتصبح واحدا من بين ملايين المشتركين في الموقع الاجتماعي الأكثر شهرة عبر العالم إنه ''الفايس بوك''، هذا الفضاء الإلكتروني الذي كونت صفحاته المتنوعة والمتعددة مجتمعات افتراضية لا حصر لها يتم فيها تكوين الصداقات وجميع أنواع العلاقات العابرة للقارات والجامعة للثقافات على اختلافها. وبالتالي فقد تحول هذا الموقع في فترة وجيزة إلى واحد من أهم المواقع الاجتماعية ذات الإقبال الواسع، خاصة من طرف الشباب في العالم عموما وفي الجزائر على وجه الخصوص. يسمح لك الفايس بوك بالاتصال بالآخرين ممن يشكلون قائمة أصدقائك المختارين من طرفك، وتبادل مختلف أشكال الرسائل المكتوبة وحتى السمعية والبصرية بمنتهى السهولة والبساطة لتتلقى بدورك هذا النوع من الرسائل مع إمكانية التعليق وإبداء الرأي بحرية تامة ومطلقة. وأنت كمشترك لديك ملف يتضمن صورتك، وأي معلومات أخرى عنك، ولديك جدار (وهمي) تكتب عليه كل ما تشاء، ولديك ألبومات صور وملفات أخرى، وقائمة بالأصدقاء الذين تضيفهم أو يضيفونك، وبالتالي يستطيعون مشاهدة ملفك وكل ما تعرضه في مساحتك، بل وقائمة أصدقائك، حسب ما تسمح لهم بالتحديد. فمن أهم ما يميز هذا الموقع كما يقول منتجوه أنه يوفر درجة عالية من الخصوصية، ويتيح للمشترك أن يتحكم بعرض ما يريد عن نفسه للآخرين، أو حجبه، حيث لا يراه إلا هو فقط، أو هو وأصدقاؤه، أو هو والشبكات المشارك فيها. كيف نشأ الفايس بوك؟ ترجع فكرة نشأة موقع الفايس بوك إلى صاحبه الأمريكي ''مارك جوكربيرج'' الذي أخذ على عاتقه تصميم موقع جديد على شبكة الإنترنت ليجمع زملاءه في الجامعة (جامعة هارفارد الأمريكية) ويمكنهم من تبادل أخبارهم وصورهم وآرائهم المختلفة، ولم يعمد في تصميمه إلى أن يكون موقعا تجاريا يجتذب الإعلانات أو موقع ينشر الأخبار، ولكن هدفه الأساسي كان تكوين موقع يجمع شمل أصدقائه ويساعد على التواصل بين الطلبة بعضهم البعض. أطلق جوكربيرج موقعه ''فايس بوك'' في عام ,2004 وكان له ما أراد، فسرعان ما لقي الموقع رواجا بين طلبة جامعة ''هافارد''، واكتسب شعبية واسعة بينهم، الأمر الذي شجعه على توسيع قاعدة من يحق لهم الدخول إلى الموقع لتشمل طلبة جامعات أخرى أو طلبة مدارس ثانوية يسعون إلى التعرف على الحياة الجامعية. واستمر هذا الموقع قاصرا على طلبة الجامعات والمدارس الثانوية لمدة سنتين، إلى أن قرر مؤسسه أن يخطو خطوة أخرى للأمام، وهي أن يفتح أبواب موقعه أمام كل من يرغب في استخدامه، وكانت النتيجة طفرة في عدد مستخدمي هذا الموقع الذين وصل عددهم العام 2010 إلى أكثر من 500 مليون مستخدم، وهو رقم مرشح للزيادة بالنظر إلى حجم الشعبية التي يعرفها هذا الأخير، حيث تجاوز العدد الكلي للمشتركين به في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 15 مشتركا في ماي .2010 وكان من الطبيعي أن يلفت النجاح السريع الذي حققه الموقع أنظار العاملين في صناعة المعلومات، فمن ناحية بات واضحا أن سوق شبكات التواصل الاجتماعي عبر الانترنت ينمو بشكل هائل، ويسد احتياجا هاما لدى مستخدمي الانترنت خاصة من صغار السن. ومن ناحية أخرى نجح موقع ''فيس بوك'' في هذا المجال بشكل كبير ولافت ترجمه المنحنى التصاعدي الهائل لعدد المشتركين به عبر العالم. حجم العلاقات والمعلومات التي يوفرها ساهم في زيادة شعبيته مقاهي الشباب، هذه الأيام، لم تعد تعرف حكايات سوى ما يعرض على صفحات الفايسبوك من صور وفيديوهات ومقالات وغيرها، كما بدأت رسائل الجوال تنحصر في ظل وجود روافد أخرى أكثر غنى، أما الإيميلات فقد صارت مقتصرة فقط على الأعمال الرسمية، في حين أن كل شيء صاخب ومثير تحوّل إلى صفحات هذه الشبكة، فالصور هناك أكثر فعالية من أي مكان آخر ويمكن لكل الزوار التعليق عليها، وهي عادة ما تخص صاحب الصفحة أو أصدقاءه الذين يتشابكون معه بشكل يكاد يبدو هلاميا، حيث إن أكثر مستخدمي الموقع هم من الشباب وطلبة الجامعة والمراحل الدراسية المختلفة، الذين يسعون إلى التعارف وتكوين المجموعات والتجمعات التي تعبر عن آرائهم في الحياة أو ''جروبات'' خاصة بمجموعات منهم، مثل أصدقاء حلقة دراسية، زملاء رحلة صيف، محبي مطرب...، غير أن الأمر لا يقتصر على الطلبة والشباب فستجد داخل ''الفايس بوك'' أيضا عددا كبيرا من الإعلاميين الذين وجدوا في ''الفيس بوك'' عالما آخر لهم، ينشرون من خلاله أعمالهم، ويبحثون عن قرائهم ومشاهديهم. من زاوية أخرى، يتيح الفايسبوك مساحة أكبر من الخصوصية، حيث يتحكم المستخدم في من يرى المعلومات الخاصة به، في حين يرفض من البداية أو يقبل جعله صديقا له. على حائط ''الفايس بوك'' يمكن للأصدقاء أن يكتبوا ويعلقوا ما يريدون، ويمكنهم أن يتعرفوا أيضا على صاحب الصفحة، وأن يستمعوا إلى موسيقاه المفضلة، فيلمه المفضل، صوره الخاصة التي تحكي تفاصيل حياته، مذكراته، مواعيده، ماذا فعل بالأمس، صور تفاصيل حياته، أن يروا صور أفضل أصدقائه... وغيرها من التطبيقات التي تتمتع بقدر عال من السهولة والبساطة في التحريك. تحول الموقع الاجتماعي الشهير ''فايس بوك'' إلى مساحة الكترونية جامعة لأنواع كثيرة من العلاقات بسبب قدرته البالغة على تبادل المعلومات والرسائل بين مشتركيه الذين وجدوا فيه متنفسا حقيقيا للتعبير عن أنفسهم وشخصياتهم بواسطة الصفحة التي يشكلها كل شخص يدخل ضمن هذه المساحة الافتراضية الحرة والتي تفسح له المجال واسعا لعرض آرائه وتوجهاته وصوره وفيديوهاته، إضافة إلى ميولاته المتعلقة بكل المجالات دون استثناء. حيث لم يعد ''الفايس بوك'' بالنسبة إلى الشباب الجزائري موقعا يتعلق فقط بالبحث عن الصداقات القديمة أو العلاقات التي اندثرت أو انقطعت لأي سبب، والتي تعد أحد الأهداف الرئيسة للموقع العالمي، بل تحوّل الآن إلى مسرح جديد لإنشاء علاقات جديدة، لكلا الجنسين، والتواصل مع آخرين من كل الجنسيات في كل البلدان. المئات من التطبيقات الثورية والمبتكرة متاحة للجميع والتي تتميز بسهولة كبيرة في التحريك، فهناك التي تتعلق بأكثر التفاصيل أهمية، وأخرى التي لا يمكن أن تخطر على البال، بعضها يتعلق بالأمور الحياتية التي تهم الشباب والفتيات، تلك الأمور المحورية في حياتهم، كالتعلي والعلاقات العاطفية والهوايات، وأخرى ظريفة قد تتناول النكت والمواقف الغريبة والمضحكة. العشرات كذلك من المقارنات والأسئلة الشخصية المتبادلة بينك وبين أصدقائك الذين يشترط منك قبول دعواتهم فردا فردا، لكي يتم التواصل معهم، بالإضافة إلى المجموعات التي تنشأ حسب الحاجة، وحسب بعض المناسبات العامة والخاصة. تضارب وجهات نظر الشباب بين مادح لإيجابياته ومعدد لسلبياته يقضي عدد كبير من الشباب الجزائري ساعات طويلة أمام جهاز الحاسوب لتصفح آخر مستجدات صفحاتهم على الفايس بوك الذي تحول، في فترة وجيزة، إلى مغناطيس الكتروني حقيقي يجمع مجتمعا رقميا يوازي المجتمع الواقعي. وبغرض التعرف على رأي الشباب في الجزائر بخصوص هذه الشبكة الاجتماعية ورصد نوع الأثر والتغيير الذي أحدثه في حياتهم اليومية، تلقت ''الحوار'' إجابات متباينة من طرف هؤلاء، ففي الوقت الذي أكد البعض على الأثر الايجابي الذي أحدثه الفايس بوك في حياتهم اليومية من خلال الفسحة الاجتماعية التي منحها لهم هذا الأخير والتي سمحت بتكوين صداقات جديدة تحولت لدى البعض منهم من صداقات افتراضية على الانترنت إلى علاقات حقيقية خاصة بعدة مجالات كالعمل مثلا، إضافة إلى حصولهم من خلاله على معارف جديدة أثرت رصيدهم المعرفي والثقافي، وذلك خاصة في ظل الحرية الكبيرة التي يمنحها فيما يتعلق بالتعبير وإبداء الأفكار والآراء المختلفة، من خلال المشاركة في الملتقيات والندوات، وكذا التواصل مع مختلف الشخصيات الهامة لبناء علاقات عمل. أشار بعضهم، من جانب آخر، إلى سلبيات هذه الشبكة خاصة فيما يتعلق بقضية تضييع الوقت نتيجة الساعات الطويلة التي يقضيها هؤلاء في الحديث إلى أصدقائهم وتقليب صفحاتهم المتنوعة، الأمر الذي يجر بالبعض إلى الوقوع في مشكل الإدمان المسبب لعدة مشاكل صحية ونفسية. الدكتور رميتة أحمد: ''الحياة الافتراضية للفايس بوك تحولت إلى حياة واقعية بالنسبة للشباب'' وصف الدكتور ''رميتة أحمد'' المختص في علم الاجتماع أن المجتمع الحالي تحول إلى مجتمع ''ميديا''، وبالتالي فبقدر ما ينشأ الفرد في هذا الوسط بقدر ما يسهل عليه استعمال وسائل الاتصال الحديثة والتي يعد الفايس بوك واحدا منها، باعتباره وسيلة تقنية داخل وسيلة أوسع هي شبكة الانترنت. وفيما يتعلق بقضية إدمان فئة الشباب على هذه الشبكة، أكد ذات المتحدث على أن ''كل تقنية جديدة يظهر للمجتمع أن هناك إدمانا عليها، وذلك بسبب ارتفاع مستوى الإقبال عليها لدى إطلاقها، واصفا هذه الظاهرة بالعادية، مضيفا من زاوية أخرى أن فرضية تأثير هذه الشبكة على الشباب موجودة ولكن من الصعب قياس كميتها لكون الشخص لا يتلقى محتويات الفايس بوك فحسب وإنما هناك أشياء أخرى تؤثر عليه كالتلفزيون مثلا. كما أشار الدكتور ''رميتة'' إلى تمتع الفايس بوك بسرعة فائقة في نقل الأحداث المختلفة وسهولة كبيرة في التحريك، ما جعل هذا الفضاء الرقمي مليئا بكل أنواع الأفكار والآراء والصور التي يصعب مراقبتها، وبما أن جيل الشباب معرض دائما للمراقبة من طرف الأجيال السابقة، فإن وجود تقنية كهذه تعد فرصة للهروب من جميع أشكال السلطة التي يفرضها الأولياء أو المجتمع بشكل عام. ولكن في نهاية الأمر. مهما اتسعت مساحة الحرية التي يوفرها الفايس بوك للشاب، فإن المراقبة تبقى دائما موجودة في ما بين المشتركين، والتي تتجلى في طريقة التعامل بين بعضهم البعض من خلال تعليقاتهم ومواقفهم التي تفرض نوعا من الرقابة الاجتماعية أطلق عليها تسمية ''الرقابة الحوارية''. مضيفا أن الفايس بوك جعل الحياة الافتراضية بداخله وكأنها هي الحياة الحقيقية والواقعية للفرد، وبالتالي فإن خصوصية المجتمعات المعاصرة أصبحت تتبنى فكرة أنك ''إذا كنت موجودا في ''الميديا'' فأنت موجود وإذا كنت غائبا عنها فأنت غير موجود''.