** هل من حق الزوجة مقابل مادي من الزوج إذا كانت ترضع أولاده؟ * ذهب بعض العلماء إلى أن الزوجة إذا طلبت من زوجها أجرة على إرضاعها أولادها منه وجب عليه ذلك، واستدلوا بقول الله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الطلاق/6، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله· ولكن الصحيح في ذلك أن الزوجة إذا كانت في عصمة الزوج، فلا يجوز لها أن تطلب أجرة مقابل إرضاعها لأولادها، لأن ذلك واجب عليها، وليس لها حينئذ إلا النفقة فقط، لقول الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233· وأما إذا كانت مطلقة، وليست في عصمة زوجها، فلها أن تطلب أجرة على إرضاعها أولادها منه، وذلك لقوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) الطلاق/6، فهذه الآية في حق المطلقة، والآية الأولى في حق الزوجة· وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورجحه من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله· قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإرضاع الطفل واجب على الأم، بشرط أن تكون مع الزوج، وهو قول ابن أبي ليلى وغيره من السلف· ولا تستحق أجرة المثل زيادة على نفقتها وكسوتها، وهو اختيار القاضي وقول الحنفية، لأن الله تعالى يقول: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233· فلم يوجب لهن إلا الكسوة والنفقة بالمعروف، وهو الواجب بالزوجية، أو ما عساه يتجدد من زيادة خاصة للمرتضع، كما قال في الحامل: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/6، فدخلت نفقة الولد في نفقة أمه، لأنه يتغذى بغذائها وكذلك المرتضع، وتكون النفقة هنا واجبة بشيئين، حتى لو سقط الوجوب بأحدهما ثبت بالآخر، كما لو نشزت وأرضعت ولدها فلها النفقة للإرضاع لا للزوجية، فإما إذا كانت بائناً منه وأرضعت له ولده فإنها تستحق أجرها بلا ريب، كما قال الله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الطلاق/6"· "الاختيارات" (ص 412، 413)· وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وظاهر كلام المؤلف أن عليه أن يؤدي الأجرة سواء كانت الأم معه، أو بائناً منه، فإذا طلبت الأم من زوجها أن يؤدي الأجرة عن إرضاع الولد، ولو كانت تحته، فعليه أن يؤدي الأجرة، نأخذ ذلك من قول المؤلف" (وعلى الأب أن يسترضع لولده) ولم يقيده بما إذا كانت الأم بائناً، والدليل على ذلك عموم قوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الطلاق/6، وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو المشهور من المذهب [يعني: مذهب الإمام أحمد]، وأن الأجرة حق لها· واختار شيخ الإسلام: أنه إذا كانت المرأة تحت الزوج فليس لها إلا الإنفاق فقط، وليس لها طلب الأجرة، وما قاله الشيخ أصح، لأن الله قال: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) الطلاق/6، وهذا في المطلقات، والمطلقة ليست مع الزوج، وأما التي مع زوجها فقال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233، فإن قلت: إذا كانت زوجة فعلى الزوج النفقة والكسوة بالزوجية، سواء أرضعت أم لم ترضع؟ قلنا: لا مانع من أن يكون للإنفاق سببان، فإذا تخلف أحدهما بقي الآخر، فلو كانت الزوجة في هذه الحال ناشزاً، فليس لها الإنفاق بمقتضى الزوجية، لكن بمقتضى الإرضاع لها نفقة، ومن المعلوم أنك لو استقرأت أحوال الناس من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم ما وجدت امرأة من النساء تطالب زوجها بأجرة إرضاع الولد، وهذا هو القول الصحيح" انتهى· والله أعلم المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب