بات في حكم المؤكّد أن القضية لا تتعلّق بحقوق الإنسان أو الدفاع عن المدنيين وضرورة حمايتهم من بطش الأنظمة الديكتاتورية كما يقول الغرب وأنصاره من بدو العرب الذين باعوا أنفسهم وأوطانهم لعبدة النّار والدينار طمعا في حمايتهم وإبقائهم في كراسيهم الوثيرة، وكلّ ذلك على حساب أمّتهم التي لن ترحمهم والتاريخ بينهم هو خير شاهد، وإنما هي في مجملها إرادة الهيمنة على مقدرات الشعوب العربية وحبّ الاستحواذ على الثروات الباطنية وفي مقدّمتها البترول· يأتي مخطط الغرب للإطاحة بالأنظمة الثورية التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي أو كانت متحالفة معه في مقدّمة ذلك انتقاما، ولأنها لا تتماشى وفكرة العولمة والنّظام العالمي الجديد الذي أصبح يسيطر عليه نظام القطب الواحد والذي هو أمريكا وأعضاء حلف شمال الأطلسي· إذ ما كان ينبغي على القيادة الرّوسية أن تترك حلفاء الأمس وأصدقاء اليوم ينفرد بهم الغرب، وقد كان محقّا السفير الرّوسي السابق في طرابلس عندما انتقد موقف قيادة بلاده من الأحداث الجارية في ليبيا، حيث اعتبر ذلك خيانة لمصالح روسيا· من جهة أخرى، تشعر فرنسا ومن أذلّها "نيكولا ساركوزي" اليوم بأن قيادة التحالف الدولي قد افتكّت من بين أيديها عندما سلّمت لحلف "النّاتو" الذي يضمّ ثمانية وعشرين دولة غربية، وهذا وسط تزايد المطالبين بضرورة وقف القصف الصاروخي على ليبيا وتأتي في مقدّمتهم الصين وروسيا نفسها· وإن ما يؤكّد ذلك هو اندلاع شرارة زعزعة الأنظمة المناهضة للاستعمار المدعّمة للمقاومة، هو ما نسمعه ونشاهده وتتناقله وكالات الأنباء العالمية عمّا يحصل في سوريا، حيث نجد أن من يقفون وراءه ويؤيّدونه هم أنفسهم من سلالة وطينة أولئك الذين قدموا في يوم ما على ظهور الدبابات الأمريكية وزحفا على البطون بهدف الإطاحة بالنّظام القائم في العراق واستبداله بما يحصل الآن من تدمير وتقتيل وتخريب دون أن يحقّقوا شيئا ممّا أعلنوا عنه من ديمقراطية ورخاء وأمن واستقرار وأيضا احترام حقوق الإنسان· فالكلّ ذهب أدراج الرّياح والبلد خرّب عن آخره، بل وأعيد إلى القرون الوسطى· هكذا يريدون أن يحوّلوا ليبيا وهذا ما يتمنّون أن يروا الشعب الليبي عليه بعد أن يستولوا على آبار النّفط وعائداتها بنفس السيناريو والإخراج الهوليودي البديع، وبعد ذلك فليذهب الثوّار والثورة إلى الجحيم فلا فائدة ترجى منهم فلو كان حياء ما استنجدوا بعدو الأمّة والإنسانية، والتاريخ من يعيد قراءة مجرياته يستنتج ذلك بالتأكيد·