**ما حكم ترجمة خطبة الجمعة مباشرة في المسجد بلغة الصم والبكم (الإشارة) بحيث يقف المترجم قريبا من الخطيب ويترجم ما يقوله الخطيب بلغة الإشارة أمام المصلين؟ * الأصل أن الواجب على المأموم هو الإنصات لخطبة الجمعة حتى ولو كان لا يسمع الخطبة، فقد أخرج البيهقي في السنن الكبرى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يقول في خطبته- قلما يدع ذلك إذا خطب- "إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا فإن للمنصت الذي لا يسمع في الحظ مثل ما للسامع المُنصت" وقال العلامة النفراوي رحمه الله في الفواكه الدواني: (واعلم أن الإنصات إنما يجب على من كان جالسا بالمسجد أو رحابه، وسواء كان يسمع كلام الإمام أم لا؛ لأن الواجب الإنصات والإصغاء لا السماع). غير أن الصم والبكم البالغين الذين يتمتعون بكامل قواهم العقلية مكلفون شرعاً، وبالتالي فإن صلاة الجمعة بشروطها وأركانها تجب عليهم، فإذا خصصت قاعة في المسجد للصم والبكم فلا حرج أن يقف أمامهم من يترجم لهم خطبة الجمعة أثناء إلقائها ففي ذلك تلبية لحاجة الصم وفيه مخاطبة هؤلاء المسلمين بما يفهمون، وللوصول إلى تحقيق مقاصد الخطبة للمصلين العاجزين عن السماع، خاصة أن لغة الإشارة تطورت كثيرا وكُتبت بها الأحكام وفسر بها القرآن الكريم، وإن لغة الإشارة معتبرة شرعاً وهي تقوم مقام العبارة، قال العلامة القرطبي رحمه الله في بيان أهمية التفهيم بالإشارة: (الإشارة بمنزلة الكلام، وتُفهِم ما يُفهِم القول. كيف لا وقد أخبر الله تعالى عن مريم فقال: "فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ" وفهم منها القوم مقصودها وغرضها فقالوا: "كَيْفَ نُكَلِّمُ")... وقد نص الفقهاء على جواز أن يتكلم غير الإمام في أثناء خطبة الجمعة لمصلحة معتبرة شرعاً، والأولى به الاقتصار على الإشارة، فقد أخرج مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ "بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْ". قال النووي في شرح هذا الحديث "وفي هذه الأحاديث أيضاً جواز الكلام في الخطبة لحاجة, وفيها: جوازه للخطيب وغيره. وفيها الأمر بالمعروف والإرشاد إلى المصالح في كل حال وموطن". وقال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: (وهل يجب الإنصات ويحرم الكلام؟ فيه قولان مشهوران ...أصحهما وهو المشهور في الجديد يستحب الإنصات ولا يجب، ولا يحرَّم الكلام... قال أصحابنا وهذا الخلاف في حق القوم والإمام في كلام لا يتعلق به غرض مهم ناجز فلو رأى أعمى يقع في بئر أو عقربا ونحوها ندب إلى إنسان غافل ونحوه فأنذره أو علَّم إنسانا خيرا أو نهاه عن منكر فهذا ليس بحرام بلا خلاف، نص عليه الشافعي... لكن قالوا يُستحب أن يقتصر على الإشارة إن حصل بها المقصود هذا كله في الكلام في حال الخطبة). وبناء على ذلك فإنه يجوز أن يقوم في أثناء خطبة الجمعة من يترجم الخطبة بلغة الإشارة في قاعة خاصة للصم والبكم، وكذلك إذا تم تخصيص مسجد لهم في مراكز العناية بهم. والله تعالى أعلم.