حين يُذكر مونديال 1982 نتذكر كلنا ما فعله الجزائريون في أرض إسبانيا، حيث دوّخوا الصغير والكبير ليس بفوزهم على المنتخب الألماني أحد عمالقة اللعبة بل في الأداء الراقي الذي قدّمه زملاء بلومي. رفع عدد منتخبات البطولة إلى 24 منتخبا من بين القرارات الهامة المتخذة في مونديال إسبانيا زيادة عدد الدول المشاركة في كأس العالم إلى 24 منتخبا بدل 16، وهو العدد الذي حافظت عليه نهائيات كأس العالم منذ دورة سويسرا عام 1954 إلى غاية دورة الأرجنتين عام 1978. منح مقعد إضافي لإفريقيا مقابل رفع عدد المنتخبات إلى 24 تقرر إضافة مقعد إضافي إلى القارة الإفريقية، فبدل أن يتأهل منتخب واحد يتأهل منتخبان. ويرجع الفضل في ذلك، حسب المتخصصين، إلى النتائج الإيجابية التي حققها المنتخب التونسي في مونديال الأرجنتين، بتحقيقه فوزا على المكسيك، وتعادلا أمام ألمانيا. تغيير نمط المنافسة من بين القرارات الهامة كذلك التي اتخذتها »الفيفا« تغيير نمط المنافسة، حيث جرت البطولة على الشكل التالي: أولا: تقسيم عدد المنتخبات ال 24 المشاركة في النهائيات إلى ست مجموعات، وكل مجموعة تضم أربعة منتخبات. ثانيا: يتأهل الأول والثاني عن كل مجموعة إلى الدور الثاني. ثالثا: تقسم المنتخبات المتأهلة إلى الدور الثاني على أربع مجموعات، وكل مجموعة تضم ثلاثة منتخبات. رابعا: يتأهل الأول عن كل مجموعة من المجموعات الأربعة إلى الدور نصف النهائي. خامسا: يلعب الدور نصف النهائي على طريقة خروج المغلوب، حيث يتأهل المنتخبان الفائزان إلى الدور النهائي، فيما ينشّط المنتخبان المهزمان اللقاء الترتيبي. تصفيات سهلة لمنتخبات أوروبا كان نظام التصفيات سهلا هذه المرة في أوروبا؛ حيث ضمت 6 مجموعات من 5 منتخبات، ويتأهل صاحبا المركزين الأول والثاني في كل مجموعة إلى النهائيات. كما إن هناك مجموعة من 3 منتخبات يتأهل بطلها فقط (بولندا) إلى المونديال. في مجموعة متكافئة جدا، خسرت إنجلترا مبارياتها خارج قواعدها أمام رومانيا والنرويج وسويسرا لكنها تأهلت إلى النهائيات بفارق نقطة واحدة خلف المجر المتصدرة. الجزائر والكاميرون لأول مرة في المونديال شهدت التصفيات في إفريقيا تصدّر الكاميرون والجزائر، الأولى ضمنت تأهلها بفوزها على المغرب 2-1 في ياوندي وأمام 100 ألف من المشجعين المبتهجين. وكانت الكاميرون فازت على المغرب ذهابا أيضا في الدار البيضاء. وسلك منتخبنا الوطني الطريق نفسه عندما ألحق زملاء بلومي خسارتين بنيجيريا في الدور الأخير. وقبل ذلك كان منتخبنا قد أقصى كلا من منتخبات سيراليون والسودان والنيجر. وضرب المنتخبان الكاميروني والجزائري بقوة في إسبانيا، وكانا مصدر العناوين البارزة لوسائل الإعلام. قرعة البطولة أفرزت قرعة مونديال إسبانيا التي جرت في مطلع شهر ديسمبر من عام 1981، النتائج التالية: المجموعة الأولى: إيطاليا - بولندا - البيرو - الكاميرون المجموعة الثانية: الجزائر - ألمانيا الغربية - النمسا - الشيلي المجموعة الثالثة: بلجيكا - الأرجنتين - هنغاريا - السلفادور المجموعة الرابعة: إنجلترا - فرنسا - تشيكوسلوفاكيا - الكويت المجموعة الخامسة: إسبانيا - الهندوراس - يوغسلافيا - إيرلندا الشمالية المجموعة السادسة: البرازيل - الاتحاد السوفيتي - اسكتلندا - نيوزيلاندا. لقاء الافتتاح.. سقوط حامل اللقب كانت الأرجنتين حاملة اللقب على موعد مع هزيمة مفاجئة في الافتتاح على يد بلجيكا بهدف نظيف أحرزه إرفين فاندنبيرج على ملعب كامب نو الشهير في برشلونة، التي احتشدت جماهيرها من أجل مشاهدة نجمهم الجديد دييغو أرماندو مارادونا، الذي كان النادي قد تعاقد معه لتوّه في صفقة قياسية عالمية. هكذا خسر أبطال العالم تاجهم العالمي تأهلت الأرجنتين إلى الدور الثاني بعدما حققت فوزين على المجر 4-1 وعلى السلفادور بهدفين نظيفين، لتحتل مركز الوصيف خلف بلجيكا صاحبة الصدارة. وأوقعت قرعة الدور الثاني الأرجنتين في مجموعة نارية تضم البرازيل وإيطاليا، خسرت أمام الثانية في مباراتها الأولى بهدفين من توقيع ماركو تارديللي وأنطونيو كابريني مقابل هدف لدانييل باساريلا، قبل أن تواصل السقوط أمام غريمتها اللدودة البرازيل بثلاثة أهداف لزيكو وسيرجينيو وجونيور مقابل هدف لرامون دياز. وأنهت الأرجنتين مبارتيها أمام البرازيل وإيطاليا بعشرة لاعبين فقط. وكانت واقعة اعتداء مارادونا على أحد لاعبي البرازيل عن عمد، والتي طُرد بعدها، إحدى حالات الإقصاء الشهيرة في تاريخ كأس العالم. إيرلندا الشمالية قاهرة العمالقة لعب منتخب إيرلندا الشمالية المغمور دور »شجيع السينما« في المجموعة الخامسة التي ضمت إلى جواره منتخب إسبانيا صاحب الأرض، ويوغوسلافيا وهندوراس؛ فقد حقق هذا المنتخب البريطاني الصغير - المكون من لاعبين مغمورين في أندية الدرجة الثانية والثالثة في إنجلترا - فوزا صاعقا على أصحاب الأرض في آخر مباريات المجموعة بهدف نظيف، سبقه تعادلان مع يوعوسلافيا بدون أهداف ومع هندوراس 1-1، ليتصدر ترتيب المجموعة في كبرى مفاجآت الدور الأول، لكنه لم يستطع إكمال مغامرته المثيرة في الدور الثاني، وأقصي بعد هزيمة من فرنسا وتعادل مع النمسا. المنتخب الكويتي تعادل واحد وهزيمتان اكتقى المنتخب الكويتي بنقطة واحدة في المونديال بتعادله في اللقاء الأول أمام تشيكسلوفاكيا بهدف لمثله. المنتخب الكويتي الذي أوقعته ضمن منتخبات عملاقة إنجلتراوفرنسا وتشيكسلوفاكيا، قلة خبرة، كانت سببا في خروجه من الدور الأول بعد خسارته أمام كل من فرنساوإنجلترا. "الخضر" في الواجهة حقق منتخبنا الوطني فوزا تاريخيا في مستهل مبارياته في كأس العالم على ألمانيا بهدفين من توقيع النجم رابح ماجر ولخضر بلومي مقابل هدف أحرزه رومينيغي، لكنه خسر أمام النمسا بهدفين لصفر قبل أن يعود ويهزم الشيلي في مباراته الأخيرة 3-2. واستفاد منتخبا ألمانيا والنمسا من أداء الجزائر لمباراتها أمام الشيلي قبليهما. وأدرك الجاران أن فوز ألمانيا بهدف نظيف يصعد بالفريقين إلى الدور الثاني، وهو ما حدث بالفعل بعد مؤامرتهما الدنيئة. فرنسا بلاعبيها الاحتياطيين في اللقاء الترتيبي لعبت فرنسا بفريق من البدلاء في مباراة المركز الثالث أمام بولونيا، التي قدّمت عروضا مميزة بقيادة نجميها زبيجنييف بونيك وجريجورتس لاتو، لتخسر أمام المنتخب الأوروبي الشرقي 3-2. هكذا استعادت إيطاليا تاجها العالمي المفقود جرت المباراة النهائية على ملعب سانتياغو برنابيو في مدريد أمام 110 ألف متفرج. وبعد 6 دقائق على بداية المباراة أصيب الإيطالي فرانشيسكو غرازياني وحل محله اليساندرو التوبيللي. وأتيحت للفريقين فرص عدة للتسجيل لم يحسنا استغلالها. وأضاع كابريني فرصة ثمينة لإحراز هدف التقدم للمنتخب الإيطالي بعد إهداره ضربة جزاء في الدقيقة العشرين. في الشوط الثاني، برز برونو كونتي على الجناح وكابريني في خط الدفاع. ونجحت إيطاليا في افتتاح التسجيل بعد 11 دقيقة عندما احتسب الحكم ركلة حرة انبرى لها ماركو تارديللي ومررها إلى كلاوديو جنتيلي الظهير الأيمن، فرفع الأخير كرة داخل منطقة الجزاء الألمانية، وهناك أخطأها الطوبيللي وكابريني لكن باولو روسي كان الأسرع إليها قبل الدفاع الألماني، فسدد برأسه داخل مرمى هارالد شوماخر مسجلا الهدف الأول، رافعا رصيده إلى 6 أهداف في البطولة، علما بأنه صام عن التسجيل في الدور الأول قبل أن يفطر على ثلاثة أهداف في مرمى البرازيل في الدور الثاني، ثم هدفين في مرمى بولندا في نصف النهائي. كان لا بد للألمان أن يخرجوا من مواقعهم الخلفية ويحاولوا إدراك التعادل، وهذا ما حصل بالفعل، لكن الإيطاليين لم يكتفوا بإبعاد الخطر عن مرمى الحارس »العجوز« دينو زوف بل اعتمدوا على الهجمات المرتدة. وجاء الهدف الإيطالي عندما بدأ كونتي هجمة بمواكبة من غايتانو شيريا الذي تبادل الكرة مع روسي، ومنه إلى تارديللي، الذي بدا وكأنه فشل في السيطرة على الكرة، لكنه سددها بطريقة أكروباتنية من حافة منطقة الجزاء خادعة الحارس الألماني، معلنة الهدف الثاني. وقبل نهاية المباراة بعشر دقائق قام كونتي بمجهود فردي رائع تخطى فيه أكثر من مدافع ألماني قبل أن يمرر كرة عرضية داخل المنطقة سيطر عليها الطوبيللي ببراعة قبل أن يسدد داخل المرمى مسجلا الهدف الثالث، واضعا منتخب بلاده في مأمن من المفاجآت. وهنا تراجع الفريق الإيطالي إلى الدفاع. واستطاع المنتخب الألماني الغربي أن يسجل هدفا بواسطة بول برايتنر في أواخر المباراة لكن بعد فوات الأوان. وهكذا أحرزت إيطاليا كأس العالم للمرة الثالثة، وعادلت بذلك رقم البرازيل. وفشلت ألمانيا بالتالي في تحقيق الإنجاز ذاته بعد فوزها باللقب عامي 1954 و1974. كما أنها فشلت في الثأر من إيطاليا التي تغلبت عليها 4-3 في نصف نهائي مونديال المكسيك عام 1970 في مباراة تاريخية.