ربما يكون من الأفضل أن نحتفل بميلاد العلاّمة بن باديس بدلا من الاحتفال بيوم وفاته الذي يذكّرنا بنكبة الجزائر والأمّة فيه، فقد غاب عنّا فجأة ودون سابق إنذار إثر مرض مفاجئ ألّم به وبين ليلة وأخرى سلّم روحه الطاهرة إلى بارئها تاركا الشعب الجزائر الذي فتح له أيّام الاستعمار والفقر والقهر والجهل نافذة أمل لكي يستعيد الثقة في نفسه وفي كيانه استعدادا لليوم الأغرّ الذي سوف يفجّر فيه الشعب الجزائري ثورته المباركة التي لقّنت فرنسا وأذنابها داخل الجزائر وخارجها من الحلف الأطلسي وأتباعه مرارة الهزيمة والعار على أيدي مجاهدين مؤمنين بوحدة الشعب والوطن وفوق ذلك بنصر اللّه، فكان لهم ما أرادوا· الشيخ عبد الحميد بن باديس الإمام المجدّد وباعث النّهضة الحديثة في الجزائر كانت أمنيته التي وهب حياته من أجلها أن يرى يوما ما الشعب الجزائري وقد استعاد حرّيته وكرامته ونهل من ينابيع العلم والدين كسائر الشعوب النّامية والمتقدّمة في مشارق الأرض ومغاربها، لكن الموت لم يمهله فأكمل منهجه وترأس جمعيته من بعده إخوان له على نفس الطريق والمبدأ الذي كان ملخّصا في تلك الكلمات الخالدة "الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا"، فكانت جملة جامعة ومانعة عاش لها جيل نوفمبر، والذي أتى من بعده من المجاهدين الأحرار والأبناء وما بدّلوا تبديلا· على هذا الجيل المعاصر من طلاّبنا الذين يبدو أنهم تنكّروا للعلم واستسلموا للشغب وحبّ اللّهو، حيث جعلوا طلب العلم الذي يكاد يكون فرض عين على كلّ مسلم ومسلمة كمالية من الكماليات يضيّعون فيها أوقاتهم دون أن يلوموا أو يحاسبوا أنفسهم على مال الأمّة الذي يهدر من طرف مجموعة من الطلبة قلّ عددها أو كثر· لكن أعتقد أن حكمة القيادة السياسية سوف تبصّر هؤلاء بالطريق الصحيح والوحيد، والذي لا بدليل عنه، والذي هو الوحدة الوطنية والتسلّح بالعلم، وهو ما عاش لأجله الشيخ الرئيس ومات في سبيله·