أَيَّامًا مَعْدُودَات .. وانقضت العشر الأوائل من رمضان ! أحوال الناس في رمضان تختلف منهم من عرف قيمته فحاول القيام بقدر من الطاعات فيه ومنهم من تطايرت الأيام الماضية منه غفلة والتهاء حتى ربما يفاجئه يوم العيد ! إن ثمة ما يكمن في القلب فيدفع للعمل وثمة ما يقر في الصدر فيدعو إلى الثبات والزيادة إنه الشعور الصادق بالافتقار إلى الله سبحانه وبالحاجة التامة له عز وجل إذ لا حياة لنا إلا به سبحانه ولا فلاح لنا إلا برضاه سبحانه .. ليس لنا إلا الافتقار له سبحانه فهو أعلم بنا وبقلوبنا فليس لنا سواه وهو سبحانه سميع لنا بصير بما نفعل هو الغني ونحن الفقراء إليه وهو القوي ونحن الضعفاء إليه سبحانه .. فإن لم يخشع القلب الآن ونحن في أمس الحاجة لذلك هذه الأيام فمتي يخشع ؟ وإن لم تذرف العين دمعاتها على تفريطنا في هذه الأيام فمتى إذاً يكون البكاء وقد قال تعالى ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا الإسراء 109 يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع رواه مسلم فخشوعنا له عز وجل ودموعنا في مناجاته والإخلاص في ذلك ... قد يكون سبيلا للافتقار إليه وبصلواتنا وسجودنا في جوف الليل وخلواتنا ومناجاتنا إليه سبيلا للافتقار له تعالى إن خضوع الجوارح كلها له... قد يكون سبيلا للافتقار إليه سبحانه . فلنعزم إذن بكل ما أوتينا من قوة في الأيام الباقيات على الصمود والمواصلة لإتمام رمضان بعبودية تبلغنا أهدافنا . ولنهيئ الأجواء لتحقيق ذلك الهدف بتفريغ الذهن من الانشغالات والأعباء وعدم تعلق القلب بشيء يمنعنا من التركيز فيها . ولنبدأ بالسلام ونقطع الخصام ونقف عن المشاجرات خاصة بين الزوجين لأن هذه الأجواء المشحونة بالأحزان والخصام تحرمنا من اغتنام هذه الأيام على الوجه الذي يليق والذي نرغب فيه ولنترك كل ما يعرضنا للغفلة والتهاون وخاصة في دعائنا فليكن القلب حاضرا والذهن صافيا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه اخرجه الترمذي ولنعد لكتاب الله بعد الفراق فلنقرأه مع تدبر آياته يقول تعالى : كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته إن الأيام كلها تمر علينا كالبرق لكننا قد لا نشعر بسرعتها إلا في أيام رمضان فاليوم الذي يمر علينا هو نعمة ومنة ربانية علينا اغتنامه قدر استطاعتنا قبل أن يأتي اليوم الموعود لكل إنسان يقول الله تعالى : استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله مالكم من ملجأ يومئذ ولما لكم من نكير الشورى. رمضان فرصتنا لنؤدب قلوبنا وجميع جوارحنا مفتقرين لله تعالى مصلحين لها فنرمم ما فسد منها ونجاهد انفسنا بأن لا نتلف ما أصلحنا بعد رمضان ولا ننسى في تلك الأيام كثرة الدعاء فهو العبادة ولا يرد القدر سواه وفيه يظهر ويتضح ويتمثل فقرنا وذلنا وانكسارنا له سبحانه . وليتذكر من فاته العشر الأوائل من رمضان دون تحصيل أو بالتحصيل القليل أن ما زال رمضان بأيامه أمامنا وستأتي بإذن الله العشر الأواخر التي بها ليلة القدر يقول صلى الله عليه وسلم : من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبة رواه البخاري. إننا وإن كنا نوصي برمضان فإننا نوصي بكل ما بقي من عمرنا ولنعلم أن مدار السعادة فيه يدور على شيئين إخلاص العبادة لله تعالى والإحسان إلى الخلق .. ولنتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له أخرجه الترمذي وصححه الالباني .