إني صائم .. إني صائم ليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات الحسية فقط بل يجب حفظ الصوم وصونه من كل ما يدنسه أو ينقص أجره فوجب الامتناع عن مفطرات أخر لا يكمل صيام أحد إلا بالامتناع عنها قال رسول الله _: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه [رواه البخاري:1903]. فكما يصوم المسلم عن المفطرات الحسية المباحة وجب عليه أن تصوم جوارحه عن كل ما يذهب أجر صومه من المفطرات المعنوية وكما أن للجسم صيامًا فإن للجوارح صيامًا أيضًا: فصيام العينين غضهما عما حرم الله وصيام الأذنين حفظهما عن سماع ما حذر ونهى وصيام اللسان صونه عن قول ما منع وزجر وهي أمور قد غفل عنها كثير من الناس فقد يصوم الصائم عن الطعام والشراب ويفطر على غيرهما قد ملأ يومه بأقوال وأفعال تنقص من أجره صومه أو قد تبطل عمله يقول النبي _: رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر [رواه أحمد: 8843 وصحح الألباني في صحيح الجامع: 3490]. وقد أرشدنا نبينا عليه الصلاة والسلام إلى طريقة حفظ صيامنا مما قد يخل به فقال عليه الصلاة والسلام: إذا أصبح أحدكم يومًا صائمًا فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم [رواه مسلم:1151]. هذا التوجيه النبوي يترك أثرًا في النفس المسلمة لبيان عظمة هذا الأمر وتربية للأمة على الأخلاق الرفيعة والسماحة في القول والفعل لتكون درسًا تستفيد منه في رمضان وفي سائر شهور العام. وقد اعتنى سلفنا الصالح بصوم الجوارح عن المحرمات اعتناءهم بصوم الجسم عن المفطرات روي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قوله: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن المحارم ودع عنك أذى الجار وليكن عليك سكينة ووقار يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواءً. ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: الصوم هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الشراب والطعام فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم [الوابل الصيب:43]. فحري بالمسلم أن يحفظ صيامه عما حرم الله من الأقوال والأفعال وأن يحرص على صونه عن كل ما يجرحه وينقص من أجره ويخرجه من هيئته ولنأخذ من مدرسة الصيام زادًا يعيننا على الصالحات بعد رمضان.