** منذ أربعة أشهر عزمت على حفظ القرآن الكريم، وتابعت الحفظ مع صلاة الصبح جماعة في المسجد والحمد لله، ولكن هذا كان قبل أن يصبح لديّ جهاز محمول ونت، أما الآن فالحفظ تراجع بنسبة كبيرة، ولا أدري ماذا أعمل؟ ونفسي تسول لي أن المحمول فيه فائدة عظيمة.. أرشدوني ماذا افعل؟ * يجيب الشيخ محمد السعيد القميري بالقول: قبل أن أجيب عن سؤالك أريد أن أحيي فيك حرصك ورغبتك في حفظ كتاب الله عز وجل ونيل هذه النعمة، والتي لا ينعم الله عز وجل بها إلا على الصفوة من خلقه، فالله تعالى ينظر إلى عباده فيختار منهم من يجعلهم أهلاً لاستيعاب هذا القرآن الكريم، وحفظ هذا الكتاب. قال الله تبارك وتعالى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ" [فاطر:32]. والنبي صلى الله عليه وسلم يرغب تعلم القرآن وحفظ القرآن وتعليمه أيضا، ويبين أن ذلك لا يكون إلا من خير الناس فقال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".. وفي حديث آخر يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الدرجة العظيمة التي وصل إليها حامل القرآن الكريم فيقول: "من أوتي القرآن فقد استجمع النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه". زادك الله حرصا على حرصك وأعلى همتك، وأتم عليك هذا الفضل. وأذكرك أيضا بأن الله عز وجل قد أنعم عليك بنعمة حرم منها أناس كثيرون وهي نعمة القدرة على الحفظ والتحصيل وغيرك الكثير يريدون أن يحفظوا القرآن الكريم ولكن لا يستطيعون؛ لأن الله عز وجل لم يهبهم هذه الموهبة. وفقنا الله وإياك على ألا تضيع هذه النعمة أبدا، واغتنمها لاسيما وقد عرفت كيف تحفظ ومتى يكون الحفظ أفضل بعد صلاة الفجر في هذا الوقت الطيب، أفبعد أن عرفت هذا الطريق أتفضل غيره عليه؟! إن كانت الشواغل والصوارف عن أعمال الخير كثيرة، والعقبات في طريق حفظ القرآن الكريم وطلب العلم كبيرة، ولكن ينبغي أن تكون همة من يريد حفظ القرآن أو طلب العلم أو طريق الخير عامة ينبغي أن تكون همته أعلى وعزيمته أقوى، فلا يشغله ما يطرأ عليه بل ويطوع أي شيء يقف في طريقه ويطرأ على حياته ليجعله وسيلة للوصول إلى هدفه الذي يتمنى الوصول إليه. كما قال الحكماء: (العقبات في طريق الناشطين سلالم، وفي طريق الكسالى عوائق، فتكون للأولين مصاعد، وتكون للآخرين مصارع). فليتك أخي الفاضل لا تجعل من هذه الوسائل التي هي في الحقيقة نعم أنعم الله بها علينا ومعينات أمدنا الله بها لنستعين بها على فعل الخير كأجهزة الاتصال المحمولة والحاسوب والإنترنت ينبغي علينا أن نطوعها ونتخذها وسائل معينة لنا على كل خير. والسؤال الآن: كيف أحول جهاز المحمول أو الإنترنت إلى نعمة؟ وفي الحقيقة آخذ من كلامك تعبيرا جيدا وهو أن في هذه الأجهزة فوائد عظيمة ولكن لا تغفل ضررها وسمها ولكن لا يستفيد منها إلا الإنسان الفطن الكيس صاحب الهمة العالية والأهداف الكبيرة الذي يعرف قدر حياته ووقته وقيمة نفسه. وقد تسألني: هل أستطيع أن أحفظ القرآن بالرغم من وجود المحمول والإنترنت؟ والإجابة: نعم، كيف؟ إن على شبكة الإنترنت الآن مواقع إسلامية كثيرة أرصدها أصحابها لتعليم القرآن وتحفيظه وتعليم أحكامه وإيضاح معانيه، فيمكنك أن تدخل على أي موقع من هذه المواقع فتقضي فيه وقتا مع أحد القراء المتقنين أو المهرة بالقرآن الكريم فتستفيد من هذا استفادة عظيمة. كما أنه يمكنك أيضا أن تحمل على جهازك الشخصي أكثر من خاتمة للقرآن الكريم بأصوات ندية جميلة مغردة بالقرآن الكريم، فيكون ذلك عاملاً مساعداً على الحفظ. ويمكنك أيضا أن تحمل على هاتفك المحمول القرآن الكريم لكبار القراء ومشاهير المشايخ أصحاب الأصوات العذبة، والأجمل من ذلك أنه لم يعد مقتصرا على مجرد تلاوة القرآن بالصوت، بل يمكنك أن تحمل القرآن مكتوبا ومسموعا وموضحة معانيه وبأجمل الأصوات أيضا، بهذا يمكنك أن تجعل هاتين النعمتين معينا عظيما على حفظ للقرآن الكريم. أما أن تسهر طوال الليل على موقع للألعاب، أو تبعث رسائل عن طريق البريد الإلكتروني، أو تقيم حوارات عن طريق غرف الحوار، أو تتابع أخبار الكرة أو أخبار الفن، أو تسمع المسرحيات والأفلام وهذه الأشياء، ثم تنام في آخر الليل، ولا تستطيع أن تقوم لصلاة الفجر، فيفوتك هذا الوقت الفاضل، فهيهات أن تنتفع بهذه النعمة، بل تنقلب عليك وعلى كل من يفعل ذلك إلى نقمة. وأن يتصل بك أي إنسان في أي وقت أو تتصل أنت بأي إنسان في أي وقت، بلا داعٍ وتحمل على جهازك المحمول أي شيء من الملهيات ومضيعات الوقت فإني لا أراك تستطيع أن تحفظ القرآن، خاصة إذا صرفت همتك وضعفت عزيمتك وغابت رؤيتك الواضحة لهدفك. لقد بينت لك كلا الوجهين للعمل قدر استطاعتي، وقدر ما فتح الله به علي. أسأل الله العلي القدير أن ينفعك، وأن يجعلك ممن يقال لهم يوم القيامة اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها.