تشهد دار الثقافة "مولود معمري" بتيزي وزو فعاليات الاحتفاء بالرّاحل سليمان عازم، أحد الأعمدة العتيدة للفنّ القبائلي· وبالمناسبة سطّرت مديرية الثقافة للولاية برنامجا ثقافيا متنوّعا يضمّ معرضا للصور والكتب التي تناولت حياة ومسيرة الفنّان الرّاحل سليمان عازم، وتتخلّل التظاهرة التي يعود من خلالها سليمان عازم إلى مسقط راسه، عروض لأفلام وثائقية حول الفقيد من إنتاج نوردين شنود ورشيد ميرابط بعنوان "سليمان عازم رمز الأسطورة اللّغوي"· تعرف التظاهرة تنشيط عدّة محاضرات من إلقاء عبد النّور عبد السلام حول دور أغاني سليمان عازم في التركيبة العصرية للأغنية الجزائرية، وأخرى من تقديم رشيد مختاري بعنوان "الغربة مكان لكسب الذات"، تكون مرفقة بشهادات حيّة حول حياة هذا الرجل الذي عان كثيرا من الغربة التي تحمّلها مجبرا والحنين الدائم إلى الأهل والوطن، هذا الألم الدفين الذي كان مصدر إلهامه وترجمه إلى أغان لاتزال خالدة غنّى فيها للوطن ولكلّ ما تعلّق به· ويشار الى أن سليمان عازم من مواليد 19 سبتمبر 1918 بضواحي واضية بتيزي وزو، ترك قريته واتجه إلى مدينة زرالدة بحثا عن العمل وهروبا من الظروف القاسية التي عاشها، وفي 1937 غادر التراب الوطني ليستقرّ في المهجر متّجها نحو فرنسا، حيث اشتغل كمساعد كهربائي في السكّة الحديدية· بعد سنوات من العمل الإجباري المفروض من طرف النّازيين الألمان، عمل الرجل مسيّرا لمقهى في باريس، وبين صعوبة الحياة والضياع بين عذاب المنفى وحرقة العودة إلى أحضان الوطن أصدر الفنان مولوده الفنّي الأوّل المتمثّل في أغنية بعنوان "أموح أموح" التي كانت صرخة للمغتربين أمثاله، ودعوته لهم من خلالها بضرورة العودة إلى الوطن· ولم يكن وضع الجزائر المحتلّة ليغيب عن هواجس سليمان عازم الذي اتّخذ من فنّه وأشعاره ومن الكلمة النبيلة سلاحا لاذعا ليكافح به المستعمر ويدعو إلى استعادة سيادة الجزائر واستقلالها، ومن بين الأغاني التي تجسّد ذلك نجد "أفاغ أياجراذ ثامورثيو" وغيرها، حيث اعتمد بشكل كبير على أشعار سي محند أومحند التي عرّت الواقع المعاش· ومن المميّزات التي انفرد بها آنذاك سليمان عازم هي الاعتماد في أغانيه على أسماء الحيوانات والتغنّي بمكانتها في الغابة قاصدا بها فئات معيّنة في المجتمع، ليكسب بذلك أغانيه معان هادفة بأشعار بسيطة قد لا تفهم من الوهلة الأولى، وقد أعاد بعض معارفه كثرة استعماله لأسماء الحيوانات إلى احتكاكه الكبير بها منذ صغره في قريته الهادئة ذات المؤهّلات الطبيعية الأخّاذة والفريدة، والتي لم يتمكّن من مقاومة سحرها عليه وهيامه بها طيلة حياته، كما أنتج ما لا يقلّ عن 400 أغنية أغلبها تجسّد معاناة المغتربين· وكان الرّاحل قد استقرّ مع بداية الأربعينيات في فرنسا، أين التقى بكبار الشعراء عالميا، كما اشتهر بأغان "أموح أموح" و"آمادام"، قبل أن توافيه المنية يوم 28 جانفي 1983 ليرحل بذلك الفقيد دون يروي تعطّشه ولهفته الدائمة ورغبته الملحّة في الموت بأرض الوطن، هذا الأخير الذي كان دائما الجرح الذي لا يلتئم بمرور الأيّام بعدما دفعت به الظروف ليعيش غربة إجبارية طالما نبذها· ويبقى الفقيد من أهمّ الأسماء الفنّية الخالدة في عالم الأغنية القبائلية التي اتّخذ منها وسيلة لخدمة والدفاع عن مسائل وطنية كثيرة، منها كما ذكرنا ثورة الجزائر وحتى اللّغة الأمازيغية· وكما سبق الذّكر، فإن وحشة الغربة التي عاشها بين فرنسا وألمانيا كانت وراء انبثاق الرصيد الفنّي الثري الذي خلفه وراءه رغم القهر والألم الكبيرين الذي دفنهما بداخله، واستطاعا الانفلات منه عن طريق تجسيدهما والتعبير عنهما في أغانيه·