أساطير كرة القدم الجزائرية (الحلقة الأولى) عبد الحميد صالحي أنظف لاعب في الملاعب الجزائرية عبد الحميد صالحي كان وسيبقى مضربا لكل الأجيال ليس للاعبي الكرة فحسب بل لكل الشباب الجزائري فهو اللاعب الوحيد الذي لم ينل طوال حياته الرياضية أي بطاقة صفراء أو بالأحرى اللاعب الوحيد الذي لم ينذره أي حكم على مدار الخمس عشر سنة من ممارسته لرياضته المفضلة كرة القدم. عبد الحميد صالحي لم تر ملاعبنا مثله بعد حيث جمع بين الأخلاق العالية والفنيات الكبيرة فرغم بنيته الفورمولوجية الضعيفة حيث كان هزيلا فوزنه كان لا يتعدى ال55 كيلوغراما إلا أنه فوق الميدان كان فنان عصره إلى درجة أن الذين عايشوا العصر الذهبي لفتى الوفاق المدلل عبد الحميد صالحي يقولون اليوم مساكين الذين لم يعايشوا هذا اللاعب وهو يداعب الكرة فوق الميادين فكان لوحده يصنع أفراح الوفاق بقديمه الذهبيتين فهو الذي أهدى الوفاق كأس الجزائر الثالثة أمام العملاق آنذاك النصرية عام 1968 وتلكم هي واحدة من بين الحكايات التي سنتوقف معها في هذه الصفحة التي نتمنى أن تروقكم خاصة وأننا في زمن انعدمت فيه الأخلاق الرياضية وبات لاعبو جيل اليوم يلهثون وراء المادة أكثر من لهثهم وراء الكرة الأمر الذي جعل من لاعبينا ان لم نقل كرتنا أضحوكة لدى العرب والعجم وما يحدث اليوم من عنف وشغب بسبب انعدام الأداء فوق الميدان. من لا يعرف صالحي لا يعرف تاريخ الكحلة والبيضاء يقول السطايفيون من لا يعرف عبد الحميد صالحي لا يعرف تاريخ الكحلة والبيضاء ومن لا يعرف الكحلة البيضاء أكيد لا يعرف الوفاق السطايفي فريق الأمجاد الخالدة فريق الأفراح بل فريق البطولات والكؤوس. صالحي عبد الحميد النجم الذي كان ولا يزال مثالا للعب الجميل بل مضربا في طريقة أدائه الرياضية تذكروه بعد ان تناساه الجيل الحالي تذكروه بإقامة دورة كروية في مسقط رأسه عين الفوارة تذكروه في زمن لا مستقبل لنا في الكرة في زمن أصبحنا نحن إلى الماضي البعيد لكرتنا ماضي صالحي والآخرون. == فيلم كحلة وبيضاء الزمن الجميل لعبد الحميد صالحي كحلة وبيضاء هو فيلم جزائري يحكي قصة شباب مغرمون بفريق الوفاق في نهاية الستينيات وفي نهاية الفيلم تستوقفنا لقطات لمباراة الوفاق مع النصرية عام 1968 في نهائي كأس الجزائر وهي اللقطات مهما شاهدها المشاهد الكريم لن يمل منها كونها تعيدنا إلى زمن كان فيه صالحي عبد الحميد في ريعان شبابه صالحي ذات الواحد والعشرين سنة لقطات جميلة زادها جمالا الطريقة التي اصطف عليها الجماهير خلف حارسي الفريقين دون سياج ولا جدار إسمنت لقطات تذكرنا بما هو سائد اليوم في الملاعب الأوروبية التي تنعدم فيها الملاعب إلى السياج. فيلم كحلة وبيضاء يجسد صور رائعة لتلك السنوات لكرتنا فحتى وإن كان منتخبنا الوطني اقل شأن من الكثير من المنتهيات القارية إلا أن الجميل في تلك الأيام أن لاعبينا كانوا يحترمون الجماهير ويمتعونهم بلقطات كروية وفيلم كحلة وبيضاء يبقى خير شاهد لتلك الأيام بل يجسد الأداء الراقي لعبد الحميد صالحي مع فريقه الأبدي الوفاق كيف قاد فريقه إلى منصة التتويج في وقت راح فيه أنصار النصرية يقيمون الولائم والأفراح احتفالا بالتتويج الغالي لكن خطأ من بوياحي بعد مراوغة من صالحي أفسدت أعراس النصرية وانتقلت من عين الفوارة وسطيف العالي فكان التتويج من نصيب صالحي عبد الحميد وفريقه الوفاق. === ولد في 27 أوت 1947 بسطيف هذا هو عبد الحميد صالحي ولد عبد الحميد صالحي في السابع والعشرين من شهر أوت عام 1947 بمدينة سطيف أي يعد سنتين من المجازر البشعة التي ارتكبها الفرنسيون وأذنابهم في حق السكان البواسل بالمنطقة وما جوارها ففي الوقت الذي كان سكان سطيف العالي يعيشون آلام مخلفات مجازر الثامن ماي عام 1945 ولد عبد الحميد صالحي وبما أن طفولته تزامنت مع اشتداد لهيب الثورة التحريرية كان من البديهي أن يتأخر ممارسة عبد الحميد صالحي لكرة القدم لكن وكما يقال في كل عطلة فيها خير فما أن ظهر الحق من الباطل واستعاد الشعب الجزائري لحريته المسلوبة من طرف الاستعمار الفرنسي كان الفتى صالحي يبلغ من العمر 15 سنة وهي السن الذي سمح له بالانخراط في التشكيلة السطايفية وقبل ذلك كان صالحي يمارس الكرة في الحي الذي تسكنه عائلته بالقرب من عين الفوارة. كان صالحي يجيد لعبة الكرة كما كان يجيد تسجيل الأهداف الأمر الذي جعله محط إعجاب الكثير من أبناء حييه فالكل كانوا يريدونه ان يلعب بجانبه باعتباره يصنع انتصارات فرقهم وأفرح أنصار محبيهم. صالحي والراحل لاياص نظرا لما كان يقدمه الفتى عبد الحميد صالحي فوق الميادين مع فرق الأحياء وصل صدى هذا اللاعب إلى مؤسس الوفاق الراحل علي بن عودة المعروف باسم لاياص وراح يسال عن لاعب اسمه عبد الحميد صالحي ذلك الشاب الذي كان يستعد للاحتفال بشمعته الخامسة عشر فكم كانت فرحة الرجل كبيرة حين وجد صالحي يجيد لعبة كرة القدم كما يجيدها اللاعبون الكبار لكن الإعجاب الكبير للاياص لصالحي كانت لأخلاقه العالية فما أن اقترح عليه الانضمام إلى أواسط الوفاق حتى سالت من عيني الفتي الصغير دمعتان فبهت الراحل لاياص عن سر دموعه فرد عليه صالحي سأكون أسعد إنسان إذا لعبت للوفاق فطلب منه لياص مرافقته إلى مقر النادي حيث أمضى له أول إجازة لتشكيلة الأواسط فباشر تدريباته في اليوم الموالي لتبدأ قصة صالحي مع الكحلة والبيضة قصة غرام انتهت عام 1977. بعد أن أبهر المتتبعين صالحي مع أكابر الوفاق في سن السابعة عشر أبهر عبد الحميد صالحي كل المتتبعين آنذلك مع أواسط الوفاق الأمر الذي مكنه من ترقيته إلى صنف الأكابر وعمره لا يتعدى السابعة عشر فبمناسبة استضافة وفاق سطيف لاتحاد العاصمة في موسم 64/65 اختير عبد الحميد صالحي ضمن الأسماء التي ستواجه تشكيلة اتحاد العاصمة حينها كان يشرف على الوفاق الراحل مختار لعريبي بمساعدة الشيخ عبد الحميد كرمالي فلم يشكل استدعاء صالحي مفاجأة لدى عشاق الكحلة والبيضاء. رغم بنيته الضعيفة إلا أن الفتى صالحي قدم مباراة كبيرة لا يزال أنصار اتحاد العاصمة والقلة القليلة من عشاق الوفاق الذين حضروا إلى ملعب عمر حمادي ببولوغين التي كانت أرضيته ترابية يتذكرون تلك المقابلة وكأنها لعبت بالأمس فقط كيف لا وقد شهدت هذه المباراة ميلاد لاعبا سيدخل تاريخ الكرة الجزائرية من أبوابها الواسعة اسمه عبد الحميد صالحي اللاعب الذي لم يتحصل طيلة حياته على أي بطاقة صفراء. لعب صالحي في أول لقاء له مع أكابر الوفاق ضد كل من مسعود كوسيم ورشيد فرشيشي ولونيس ماتام والعربي خرشي والعيد مسعودي وهي العناصر التي كانت آنذاك تصنع آنذاك أمجاد الوفاق فهي التي اهدتهم كاسين متتاليين. شكل لقاء اتحاد العاصمة بالنسبة لعبد الحميد صالحي بداية حقيقة في مسيرته الكروية مع الوفاق خاصة بعد أن منحه المدرب الراحل مختار لعربي ثقته التامة إلى درجة انه قبله قبلات حارة قبل وأثناء وبعد اللقاء حيث يروي صالحي عن ذلك اللقاء بقوله وهذا في حديث خص به مجلة الوحدة الرياضي الصادرة في نهاية عام 1986 لا تزال قبلات لعريبي راسخة في ذاكرتي ولن أنسى كلام لعريبي حين قال لي بين الشوطين أثناء عودتنا إلى الميدان لإكمال اللقاء: يا حميد أنت لاعب كبير وستكون كبيرا إذا طبقت نصائحي . وفعلا طبق الفتى صالحي عبد الحميد نصائح مدربه مختار لعريبي الذي كان بمثابة الأب للسطايفيين فكان صالحي لا يدخل إلى الملعب إلا بعد أن يقبل جبين الراحل لعريبي كان هذا الاخير بالنسبة إلى صالحي أكثر من الوالد إلى درجة انه رفض ذات يوم اللعب بعد إعلان لعريبي طلاقه من الوفاق لكن حين علم لعربي بما سيقوم به صالحي ذهب إلى بيته وراح يقول له اسمع جيدا ياعبد الحميد الوفاق انتاع كل السطايفين ليس ملك لي حتى تقاطع الفريق فعليك أن تعود حالا لاستئناف التدريبات . صالحي وبما أنه كان يرى في الراحل لعريبي بمثابة الوالد استجاب لنصائحه وراح يحمل حقيبته الصغيرة ويتجه حالا إلى ملعب قصا حيث وجد الكثير في انتظاره بعد ان دخلهم الشك في عودة ابنهم المدلل الصغير عبد الحميد صالحي. === البداية في نهاية 1967 أمام المنتخب البوركينابي صالحي والفريق الوطني نظرا لما كان يقدمه عبد الحميد صالحي مع فريقه الوفاق لم يشكل أي مفاجأة لاستدعائه إلى المنتخب الوطني للأكابر الذي كان يشرف على حظوظه المدرب الفرنسي لوديك كان ذلك عام 1967 بمناسبة اللقاء الدولي الودي الذي خاضه منتخبنا الوطني بملعب 20 أوت أمام المنتخب البوركينابي حينها كان يبلغ عبد الحميد صالحي من العمر 19 سنة وثمانية أشهر الأمر الذي يجعله واحدا من بين اصغر اللاعبين الذين حملوا الألوان الوطنية وهي دون العشرين سنة حيث لعب إلى جانب كل من عمالقة الكرة الجزائرية لكل الأوقات المرحوم حسن لالماس ومختار كالام وسريدي وعاشور وعطوي والآخرون. لكن حتى وان لم يسجل عبد الحميد صالحي في هذا اللقاء إلا انه أبدع فيه وكان واحدا من بين أحسن اللاعبين فوق الميدان الأمر الذي جعل الجمهور الغفير الذي حضر المقابلة يصفقون له أكثر من ذلك راح نجم المنتخب الوطني آنذاك يقبل جبين صالحي اعترافا بأدائه في هذا اللقاء. أول هدف لعبد الحميد صالحي مع المنتخب الوطني كان في نفس السنة أي 1967 أمام المنتخب التونسي وهذا في لقاء ودي تحضيري انتهى لمصلحة منتخبنا الوطني بنتيجة ثقيلة 6/2 سجل فيه صالحي هدفين هدف في كل شوط. دام بقاء صالحي في المنتخب الوطني ست سنوات كاملة وهذا إلى غاية تاريخ 19 مارس 1973 حيث لعب في هذا التاريخ عبد الحميد صالحي آخر مباراة له بالألوان الوطنية وهذا أمام السويدي بمدينة غوتبورع السويدية في لقاء ودي تحضيري للقاء الدولي الذي خاضه آنذاك أشبال المدرب ماكري أمام المنتخب المغربي في إطار تصفيات كاس أمم إفريقيا التي جرت في العام الموالي بمصر. بين تاريخ 27 أوت 1947 وتاريخ 19 مارس 1973 لعب عبد الحميد صالحي 33 مقابلة توزعت على النحو التالي: 15 مقابلة ودية و4 مقابلات في إطار تصفيات كاس أمم إفريقيا و4 مقابلات في دورات دولية مقابلتين في دورة البحر الأبيض المتوسط وثلاث مقابلات في الألعاب الإفريقية و4 مقابلات في تصفيات الاولمبياد سجل أربعة أهداف. === حدث هذا في بلاد الآزتيك سنة 1970 صالحي واللقاء التاريخي أمام بيلي إلى جانب كل من الراحل ميلود هدفي ورشيد دالي مثل صالحي الجزائر مع المنتخب الإفريقي في لقاء دولي رسمي بالمكسيك إلى جانب المنتخب البرازيلي المتوج بكاس العالم لعام 1970 سنتين من هذا التتويج كان صالحي وجها لوجه مع الأسطورة بيلي وغارينشا وسارجينيو وغيرهم من أسطورة الصامبا في تلك الأيام. حل عبد الحميد صالحي رقمه المفضل 10 وفي نهاية اللقاء تقدم منه بيلي وراح يقبله قبلات حارة اعترافا منه بالأداء الراقي للاعبنا الجزائري عبد الحميد صالحي. شارك صالحي في الدورة الدولية التي اقميت عام 1972 بمناسبة تدشين ملعب 5 جويلية مع المنتخب المغاربي وقد لعب صالحي إلى جانب كبار اللعب في العالم وقد تلقى آنذاك دعوة للاحتراف بنادي انتر ميلانو الذي شارك في تلك الدورة لكن ونظرا للقوانين التي كانت مطبقة آنذاك بمنع احتراف لاعبينا إلى الخارج وجد صالحي ملاعب ارض الوطن لكن لم يندم لعدم احترافه كون نال كل شيء مع الوفاق البطولات والكؤوس كما نال حب الجماهير ليس السطايفين فقط بل كل الجمهور الجزائري. عام 1968 صالحي والثنائية التاريخية يعد موسم 67/68 الأحسن في مسيرة النجم السطايفي عبد الحميد صالحي بانتزاعه الثنائية التاريخية ألكاس والبطولة وقد ساهم الفتى صالحي الذي كان يبلغ حينها 21 سنة في هذين التتويجين التاريخين بفضل طريقة أدائه المميزة ومراوغته التي سميت بالميليمترية نظرا لدقتها حيث كان يصنع بها أهداف فريقه وظل الراحل محمد قريش قبل وفاته يعتبر الفضل في جل الأهداف التي كان يسجلها إلى عبد الحميد صالحي. قبل هذا الموسم توج عبد الحميد صالحي بكاس الجزائر عام 1967 لكن السنوات التي امتدت مابين 1969 إلى غاية اعتزاله عام 1977 لم ينل أي كاس ولا بطولة وطنية لكن ظل يمتع جمهور الوفاق وكل عشاقه بلمحات كروية رائع. اعترافا لنظافته فوق الميدان صالحي سفيرا لمنظمة اليونيسكو لدى الجزائر قبل أن نختم موضوعنا هذا نشير ان منظمة اليونيسكو للطفولة اختارت صالحي اللاعب المثالي سفيرها لدى الجزائر اعترافا منها لما قدمه هذا اللاعب للكرة الجزائرية حيث كان ولا يزال مضربا للروح الرياضة والاخلاق النبيلة فما احوج ملاعبنا لأمثال صالحي عبد الحميد. تلكم هي باختصار مسيرة ابن وفاق سطيف عبد الحميد صالحي الذي يستحق أكثر من هذه الوقفة نظرا لما قدمه للوفاق وللكرة الجزائرية بل لكل الأجيال.