أساطير كرة القدم الجزائرية (الحلقة السابعة) إعداد: كريم مادي الراحل محمد خديس عاشق النصرية.. وأسطورتها في 26 أوت 2008 غادرنا ابن النصرية محمد خديس واحد من نجوم كرة القدم الجزائرية خلال عشرية السبعينيات الذي لم يلعب طيلة مسيرته الكروية التي امتدت 15 سنة إلا لأصحاب الزي الأصفر والأحمر (نصر حسين داي). بعد اعتزاله اللاعب في منتصف الثمانينيات اشرف على تدريب النصرية بعدها تولى رئاسته إلى أن غادرنا إلى الأبد يوم الثلاثاء 26 أوت من عام 2008 تاركا وراءه فراغا كبيرا ليس بين وسط أهله وذويه وأصدقائه بل في الوسط الكروي لكن تلكم هي سنة الحياة واعترافا منا بمعطاءات الراحل ارتأينا أن نعيد سرد مشواره الكروي. 1952 محمد خديس يرى النور.. ولد الراحل محمد خديس يوم 29 فيفري من عام 1952 بحي حسين داي وترعرع وداعب الكرة في هذا الحي فكان من البديهي أن يشق طريقه إلى فريق النصرية وظل وفي لهذا الفريق إلى أن اعتزل الكرة عام 1983. أحب الراحل محمد خديس كرة القدم منذ نعومة أظافره فكان يمارسها عبر أزقة وأحياء حسين داي وهي الأزقة التي أنجبت الكثير من عباقرة اللعبة في الجزائر نذكر منهم على وجه الخصوص الأسطورة رابح ماجر وأيت الحسين ولعزازي وشعبان مرزقان ومحمود قندوز ولا ننسى قبلهم الحارس وشان وسعدي وغيرهم من النجوم التي لن تمحى من ذاكرة أرشيف الكرة الجزائرية. من أزقة حسين داي محمد خديس في النصرية مارس الراحل محمد خديس كرة القدم بين أزقة وشوارع حسين داي وهذا في عز الثورة التحريرية فكان يداعبها بطريقة من يفوقونه سنا. بعد أن تحول الفتى محمد خديس محل إعجاب الكثير من أبناء حييه نصحه أحد محبي فريق النصرية أن يلعب لهذا الفريق فأخذ الفتى بالنصيحة مأخذ الجد وطرحها على والديه وبما أن والده كان من محبي النصرية لم يعارض بما سمعت أذناه من ابنه محمد ورد عليه بقوله (شرف كبير أن تدافع عن ألوان النصرية). خديس وبما أنه كان واثقا بنفسه وبإمكانياته حمل حقيبته وتوجه إلى ملعب بن صيامك الذي كان ملتقى شباب النصرية ولازال كذلك إلى وقتنا الحاضر فوجد من مسيري الفريق كل الترحاب خاصة وأن البعض منهم كانوا قد أعجبوا بأداء الفتى خديس خلال المباريات التي كان يخوضها مع أبناء حييه. الانطلاقة.. صغير يلعب كرة الكبار لم يجد الراحل محمد خديس أدنى صعوبة في التأقلم مع أجواء الأصناف الصغرى لفريق النصرية الأمر الذي جعل مدربيه يقوما بترقيته إلى صنف الأكابر رغم أن سنه لم يكن يتجاوز حينها السابعة عشر كيف لا وهو الذي تفوق على جيل عوار وسعدي وهو الجيل الذي حرم أنصار النصرية من تذوق طعم كأس الجزائر عام 1968 أمام وفاق سطيف إثر الخطأ الفادح المرتكب من المدافع سعدي الذي أسكن كرته في شباك فريقه وشان سمحت فيما بعد للاعب الوفاق صالحي عبد الحميد من إضافة الهدف الثالث في الوقت الإضافي الذي كان كافيا ليتوج الوفاق بالكأس. في نهائي كأس الجزائر الذي خسره فريق النصرية عام 1968 كان محمد خديس يبلغ من العمر 16 وبضع أشهر ورغم صغر سنه إلا أن البعض طالب بإدراجه ضمن التشكيلة الاحتياطية لكن معارضة البعض أسال دموع الفتى خديس وأقسم أن يشارك في يوم ما في مباراة نهائية لكاس الجزائر لكن دموع الحزن كانت أشد بعد نهاية اللقاء النهائي بخسارة فريق النصرية للكأس أمام الوفاق وهو الذي حلم برفعها عبر شوارع حسين داي بل حلمه الكبير كان يتمثل بإهدائها إلى والديه العزيزين. خديس في الأكابر حب أبدي للنصرية في العام الموالي من خسارة النصرية لكأس الجزائر عام 1968 أمام وفاق سطيف تمت ترقية محمد خديس إلى أكابر الفريق وعمره لم يكن حينها يتعدى السابعة عشر لكن رغم ذلك فكان خير خلف لخير سلف لمن سبقه في حمله الرقم 6 وظل وفيٌا لهذا الرقم إلى أن اعتزل الكرة نهائيا كما سبق الذكر عام 1983 . واصل محمد خديس تألقه مع فريق النصريه الأمر الذي جعله محط أنظار الكثير من الفرق وقد تلقى حينها أكثر من عرض خاصة من فريق شباب بلوزداد الذي كان آنذاك من بين أقوى الأندية الوطنية لكن رغم ماعرض عليه إلا أنه فضل البقاء في النصرية الذي كان يمثل في تلك الفترة أحد أقطاب الكرة الجزائرية فطريقة أداء لاعبي الفريق كان مضربا للمثل بدليل تسمية الفريق ببرازيل الجزائر خاصة وأن زيه الرسمي الأصفر كان نفس زي منتخب الصامبا الذي كان يصنع أفراحه في تلك الفترة الجوهرة السوداء بيلي. لم يحالف محمد خديس الحظ في بداية مواسمه الأولى مع أكابر النصرية فرغم أداء الفريق ككل الذي كان متعة الخاطر للجمهور الرياضي الجزائري إلا أنه حقق أمنية الصبى وهو اللعب للفريق الوطني وعمره لا يتعدى العشرين سنة. عام 1972 حلم خديس يتحقق في بغداد في العاشر جانفي من عام 1972 أدرج اسم محمد خديس ضمن قائمة اللاعبين المشاركين في كأس فلسطين الذي جرت أطوارها بالعراق الحبيب. لم يشكل مفاجأة للجمهور الرياضي بوجود اسم محمد خديس ضمن قائمة المنتخب الوطني كونه كان من بين أحد اللاعبين الشبان المتألقين في البطولة الوطنية مع فريقه (النصرية). كانت فرحة محمد خديس بعد سماع خبر استدعائه للمنتخب الوطني لا توصف كيف لا وهو الذي كان يتمنى أن يأتي اليوم الذي يحمل فيه الألوان الوطنية كما حملها قبله نجوم لاعبي منتخب جبهة التحرير الوطني. في اليوم الموالي التحق محمد خديس بمعسكر المنتخب الوطني بسيدي موسى فوجد نفسه جنبا إلى جنب مع الكثير من نجوم الكرة الجزائرية آنذاك نخص بالذكر الراحل لالماس وكالام اللذين كانا في نهاية مشوارهما الرياضي. 19 جانفي 1972 خديس يرتدي القميص الوطني خاض محمد خديس أول لقاء دولي مع المنتخب الوطني يوم 19 جانفي عام 1972 بالعاصمة العراقية بغداد أمام المنتخب الفلسطيني وعمره لم يصل العشرين سنة ( 19 سنة و10 أشهر و20 يوما) ورغم صغر سنه إلا أنه شارك في جميع مباريات المنتخب الوطني إلى جانب بلكدروسي والراحل ميلود هدفي والحارس وشان زميله في النصرية وعمر بطروني وباشي من المولودية وبايلاش من شبيبة القبائل وصالحي عبد الحميم والراحل قريش من الوفاق وغيرهم من نجوم ذلك العصر. ربيع 1973 خديس ضد الأسطورة البرازيلي بيلي الأداء الرائع الذي كان يقدمه الشاب محمد خديس مع المنتخب الوطني في أولى مبارياته معه مكنه من ضمان مكانة أساسية ضمن التشكيلة الأساسية للمنتخب المغاربي الذي أسند تدريبه إلى الجزائري رشيد مخلوفي وهذا إلى جانب بعض العناصر الكبيرة التي كانت تنشط في البطولة الجزائرية نذكر من بينهم الراحل ميلود هدفي وعطوي وبوعلام عميروش وحسن لالماس ومختار كالام ومن المغرب بوديمة ومصطفى والحارس الكبير علال ومن تونس شقرون والراحل عقيد وهذا بمناسبة تدشين ملعب 5 جويلية الأولمبي في أغلى يوم في حياة الشعب الجزائري وهو الخامس جويلية. ضمت دورة ملعب 5 جويلية إلى جانب المنتخب المغاربي كل من المنتخب البرازيلي وإنتر ميلانو الإيطالي وفريق من يوغسلافيا فبعد تأهل المنتخب الجزائري إلى اللقاء النهائي والبرازيل على حساب انتر ميلانو وجد الراحل محمد خديس نفسه وجها لوجه أمام أسطورة كرة القدم لكل العصور البرازيلي بيلي ويكفي الراحل خديس فخرا أنه تصدى أكثر من مرة لمحاولات البرازيليين التي كان يقودها بيلي. من جانفي 1972 إلى أوت 1980 ثماني سنوات في المنتخب الوطني دام بقاء محمد خديس في التشكيلة الوطنية ثماني سنوات امتدت من تاريخ 19 جانفي 1972 أمام المنتخب الفلسطيني بالعاصمة العراقية بغداد بمناسبة كأس فلسطين إلى غاية مطلع شهر أوت من عام 1980 أمام المنتخب اليوغسلافي بمدينة منسك الروسية بمناسبة أولمبياد موسكو عام 1980 وعلى مدار السنوات الثمانية بلغ مجموع المباريات التي دافع فيها عن الألوان الوطنية 83 مقابلة بعضها أفرحت خديس والشعب الجزائري على غرار دولة الألعاب المتوسطية التي احتضنتها بلادنا عام 1975 بحصول منتخبنا الوطني على الميدالية الذهبية بفوز تاريخي على المنتخب الفرنسي والميدالية الذهبية الأخرى لكن هذه المرة في دورة الألعاب الإفريقية التي احتضنتها بلادنا عام 1978 بعد توفق المنتخب الوطني في اللقاء النهائي على المنتخب النيجيري بهدف لصفر ولا ننسى برونزية الألعاب المتوسطية بمدينة سبليت اليوغسلافية. أبرزها لقاء تونس عام 1977 مباريات في ذاكرة خديس شارك محمد خديس كذلك في بلوغ منتخبنا الوطني الأدوار النهائية لكأس أمم إفريقيا عام 1980 بنيجيريا وهي الدورة التي نشط فيها منتخبنا الوطني اللقاء النهائي وخسره أمام منتخب البلد المنظم نيجيريا 3/0. لكن حتى وإن فرح خديس كثيرا بما كان يصنعه أقدام لاعبينا وقدميه مع (الخضر) إلا أن هناك بعض من المقابلات التي أبكت خديس وأسالت دموع الحزن نذكر منها على وجه الخصوص الإقصاء المر الذي مني به منتخبنا الوطني عام 1977 أمام المنتخب التونسي في إطار تصفيات مونديال الأرجنتين 78 بعد تعادل مخيب بملعب 5 جويلية 1/1. من منتصف الستينيات إلى منتصف الثمانينيات 20 سنة من العطاء للنصرية من منتصف الستينيات كلاعب ضمن الأصناف الشبانية في فريقه الأبدي النصرية إلى غاية عام 1983 تاريخ توقفه عن اللعب نهائيا محمد خديس بقي وفيا لفريق النصرية حوالي 20 سنة بالتمام والكمال لم يلعب طوال هذه المدة إلا لفريق النصرية 15 سنة ضمن أكابر النصرية عرف فيها أيام بقيت عالقة في ذاكرة الراحل إلى غاية انتقاله إلى الحياة الأبدية ( الآخرة). أقول على مدار 15 سنة التي دافع فيها خديس عن ألوان النصرية أو الملاحة عرف فيها أيام لا تنسى وبما أن خديس تزامن وجوده في النصرية مع وجود المدرب الراحل الفرنسي سنيلا فتعلم من هذا الأخير الكثير من خصوصيات اللعبة فكان خديس يرى في المدرب سنيلا المعلم والمدرب الأمر الذي جعله يتعلم منه الكثير من الخصال الحميدة الاحترام الانضباط اللعب النزيه وهي خصال إن افتقدها أي رياضي كان فلن يصل إلى المعالي. أيام من حياة الراحل خديس دموع للفرح وأخرى للبكاء خسر محمد خديس مع النصرية نهائي كأس الجزائر عام 1977 اإثر الهزيمة التي تكبدها فريقه في الدور النهائي أمام شبيبة القبائل بملعب 5 جويلية بهدفين لواحد حينها بكى خديس حرقة عن هذه الخسارة التي أوجعته كثيرا وجعلته يتألم لكن سنتين من بعد وفي نفس اليوم وفي نفس المكان تأثر خديس بجيل جديد من اللاعبين الشباب يقودهم كل من ماجر وأيت الحسين مسجلا هدفي النصرية في شباك الحارس مهدي سرباح من تحويل أحزان نهائي عام 1977 إلى أفراح وكما كانت فرحة الراحل خديس كبيرة وهو يتسلم الكأس الغالية من أيدي الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد. ما حدث لخديس عام 1977 تكرر عام 1982 وفي نفس المكان 5 جويلية حيث أرغم فريق النصرية أن يخوض المباراة النهائية أمام ديناميكية بناء الجزائر بالرغم من وجود أربع لاعبين أساسيين ضمن المنتخب الوطني في كأس العالم بإسبانيا وهم ماجر ومرزقان وقندوز والحارس بن طلعة. خسرت النصرية بقيادة القائد محمد خديس آخر نهائي لها كأس امام الديناميكية بهدفين لواحد كون الساهرين آنذاك على الاتحادية رفضوا توسلات مسيري النصرية يتأجيل اللقاء النهائي والذي انتهى بفوز الديناميكية بهدفين لواحد وقد سجل الراحل خديس الهدف الشرفي لفرقه النصرية في الأنفاس الأخيرة من اللقاء لم يغير شيئا كون الوقت كان فات ليبكي بعده الراحل خديس حرقة ليس على هذه الخسارة بل لما تعرض له فريقه النصرية من ظلم ليس له مثيل من طرف الاتحادية. قبل أن يوافيه الأجل يوم الثلاثاء 26 أوت 2008 خديس المدرب الرئيس اعتزل محمد خديس كرة القدم في نهاية موسم 82 - 83 لكن حتى وإن اعتزل الكرة إلا أنه بقي وفيا لفريقه النصرية حيث دربه أكثر من مرة كما ترأسه في الكثير من المرات. وجود الراحل محمد خديس ضمن الطاقم المسير للنصرية سمح له بضمان مقعد له في الاتحادية الجزائرية وكان يطالب دوما بالتغيير والبحث عن ميكانيزمات جديدة للكرة الجزائرية وكان يرى بقاء الأمور مما هي عليها الآن لن يزيد الكرة الجزائرية إلا مشاكل وتراجعا إلى الوراء. محمد وكما سبق الذكر الإشارة اليه غادرنا إلى الأبد في صبيحة يوم الثلاثاء 26 اوت 2008 عن عمر يناهز 56 سنة رحل عنا والى الأبد لكن اسمه سيبقى خالدا في قلب الجمهور الرياضي الجزائري خاصة في قلوب عشاق النصرية رحم الله محمد خديس وأسكنه فسيح جنانه (إنا لله وإنا إليه راجعون).