الشيخ محمد صالح المنجد للسان له آفات كثيرة ومنها الغيبة وقد ضبطها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الضابط الجامع المانع المحكم وهو قوله: ذكرُك أخاك بما يكْرهُ (رواه مسلم: [2589]). فإذا ذكرته بشيء فيه عيبٌ له تصريحًا أو تلميحًا أو إشارةً سواءً كان ذلك في بدنه أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خلقه أو خُلقه أو ماله أو ولده أو زوجته أو خادمه أو ثوبه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته أو مهنته ونحو ذلك سواءً كان لفظًا أو إشارةً أو رمزًا فإنها غيبة. قالت عائشة رضي الله عنها: قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا -وأشارت يَعْنِي قَصِيرَةً يكفيك من عيبها أنها كذلك وهذا مما يكون بين الضرائر- فَقَالَ: َقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ (رواه أبو داود: [4875] وصحّحه الألباني). فكل ما أفهم الغير من عيب عن مسلم فهو غيبة سواءً كان تعريضًا أو تصريحًا ويدخل في ذلك قول فلان الله المستعان وفلان نسأل الله العافية وفلان الله لا يبلانا ونحو ذلك فكل ذلك من الغيبة ويكون قد جمع بهذه الكلمات بين أمرين غيبته لأخيه المسلم ومدحه لنفسه يعني أنه ليس كذلك وقد تكون الغيبة في جسمه كأن يقول: أعمى أو أعور أو أسود أو بدين ونحو ذلك وقد تكون في نسبه كأن يقال: هذا فلان من بلد كذا على وجه التحقير أو أصله كذا ونحو ذلك أو لا أصل له ولا نسب على وجه الاحتقار.. وكذلك بسبب المهنة أو أن يذكره بمهنة على وجه التنقص والازدراء مما يعتبر عند الناس وضيعًا وقد يكون بخلق أو بأمر دنيوي كأن يقول: فلان دمه ثقيل أو بمظهر كأن يقول: فلان رث الهيئة ونحو ذلك فكل ما أفهمت به غيرك نقصًا في مسلم فهو غيبة وبعضهم إذا وعِظ قال: إني مستعد أن أقول هذا الكلام في وجهه فإذا قال عن شخصًا مثلًا هو غبي فوعِظ فذهب إليه فقال له في وجه: أنت غبي فإن الغيبة لا زالت غيبة ويكون قد أضاف إليها إثمًا آخر وهو السب والشتم فجمع إلى ذكر أخيه بغيبته أثِم الغيبة وبقوله في وجهه أثِم السب والشتيمة. والغيبة آفة خطيرة من آفات اللسان وهي من أقبح القبائح وأكثرها انتشارًا بين الناس وقد بغّض إلينا ربنا هذا فقال: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات من الآية:12]. تكرهون أن تأكلوا لحوم إخوانكم الموتى فلا تغتابوهم كما تكرهون هذا فاكروه الغيبة. فضرب المثل بأكل اللحم لأن اللحم ستر على العظم والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه (روح المعاني: [26/158]). وكثير من المسلمين يتورعون عن تناول بعض اللحوم خشية أو شكًا في مصدرها ولكنهم لا يتورعون عن الولوغ في لحوم إخوانهم المسلمين وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم لما عُرج به أنه رأى أقوامًا َهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاس يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ من هؤلاء؟ قال: الذين يغتابون الناس (سنن أبي داود: [4878] وصحّحه الألباني). تتقطع الأواصر الأخوية بسبب الغيبة وتفسد المودة وتبذر العداوة وتنشر المعايب ولا سيما إذا كان في شخص قدوة بين الناس أو مما يدعو إلى الخير وكثير من هؤلاء المنافقين أصحاب الأقلام المشبوهة من اللمّازين والهمّازين والغمّازين الذين يريدون تشويه صورة أهل الدين وإسقاطهم من أعين الناس وأنظارهم يسعون في كثير من ذلك تبت أيديهم وتبًا لهم ما كتبوا وما كسبوا والمغتاب يخسر من حسناته بإعطائها إلى من يغتابه رغمًا عنه ولما بلغ الحسن البصري رحمه الله أن رجلًا اغتابه أهدى له طبقًا من رطب. وغيبة المسلم من شعار المنافق ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمانُ قلبَهُ لا تغتابوا المسلمين ولا تتَّبعوا عوراتهم فإنه من اتّبعَ عوراتِهم يتّبع اللهُ عورتَهُ ومن يتبع الله عورته يفضحهُ في بيته (رواه أبو داود: [4/270] وأحمد: [4/ 421-424] وانظر: صحيح الجامع للألباني: [3549]). فهذه الغيبة والاستطالة في أعراض المسلمين من أعظم الربا وكان بعض العلماء كعبد الرحمن بن مهدي يرى بأن الغيبة تنقض الوضوء وينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردها وأن يزجره وأن يعضه وأن ينهاه وأن يدافع عن أخيه المسلم الذي اغتيب فإلم ينزجر المتكلم فارق المجلس ويحرم سماع الغيبه وفحش القول كما ذكر أهل العلم وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا وحث عليه فقال: من ردّ عن عِرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة (أخرجه أحمد: [6/450] والترمذي: [4/327] وصحّحه الألباني). ودُعي إبراهيم بن أدهم إلى وليمة فحضر فذكروا رجلًا لم يأتهم فقالوا: إنه ثقيل! فقال إبراهيم: أنا فعلت هذا بنفسي أجبت أُناسًا يغتابون إلى دعوةً أنا فعلت هذا بنفسي حيث حضرت موضعًا يغتاب فيه الناس فخرج ولم يأكل.. وسمعَكَ صُنْ عن سماعِ القبيحِ *** كصونِ اللسانِ عن النطقِ بهْ فإنك عند سماعِ القبيحِ *** شريكٌ لقائلهِ فانتبه وكانت بعض النسوة في مجلس يأتيها من جاراتها وصاحباتها من تفعل ذلك فوضعت في صدر مجلسها لوحة عليها قول الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}. وكم من ساكت عن غيبة المسلمين عند فرح قلبه وهو آثم من ثلاثة أوجه: أولًا: فرحه بوجود هذه المعصية. وثانيًا: سروره بثلب وعيب إخوانه المسلمين. الثالث: سكوته وعدم إنكاره للغيبة. تلبيس إبليس. وعلاج الغيبة تقوى الله والانشغال بعيوب النفس وتدبرها ومجاهدة نوازع الشر قال بن وهب رحمه الله: نذرنت كل ما اغتبت إنسانًا أن أصوم يومًا فأجهدني فكنت أغتاب وأصوم فنويت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أتصدّق بدرهم فمن حُب الدراهم تركت الغيبة .