أضحت التعدّدية النقابية اليوم حقيقة في الجزائر من مصلحة السلطات العمومية التي يبدو أنها تكتفي بقبول النقابات المستقلة، إقرارها وإشراكها في كافّة المفاوضات الخاصّة بعالم الشغل، حسب ما صرّح به عدد من النقابيين· في تصريح ل "وأج" عشية الاحتفال بعيد العمّال المصادف ل 1 ماي، أجمع قادة نقابات مستقلّة على أنه حتى وإن كان القانون يكرّس التعدّدية النقابية إلاّ أنها لم ترسّخ بعد في ثقافة الممارسة النقابية· واعتبروا عموما أن هناك تفاوتا بين التنظيم الساري المفعول والتصوّر الخاصّ بالشراكة الاجتماعية، مشيرين إلى أن هناك "بعض المقاومة" لهذه التعدّدية وهو مكسب يعود تاريخه إلى سنة 1989· وقد تأسّست النقابات المستقلّة المقدّر عددها ب 88 نقابة في الجزائر بعد تعديل الدستور سنة 1989 والقوانين التي صدرت سنة 1990: القانون 14-90 المتعلّق بإجراءات الممارسة الحرّة للحقّ النقابي والقانون 02-90 المتعلّق بالوقاية وتسوية النّزاعات الجماعية للعمل ممارسة حقّ الإضراب· وبعد 30 سنة من الأحادية النقابية تحت راية الاتحاد العام للعمّال الجزائريين تأسّست نقابات مستقلّة ضمن هيئة موظّفي الإدارة والمعلّمين والأطبّاء والطيّارين وضبّاط الأسطول التجاري وتقنيي الصيانة الجوّية ومراقبي الملاحة الجوّية والمحاسبين ومفتشي العمل ومفتشي الضرائب ومراقبي الأسعار والممتلكات وغيرهم· واحتلّت هذه النقابات شيئا فشيئا مكانة أكبر في الفضاء الاجتماعي كما تثبته الحركات الاجتماعية التي شهدها الوظيف العمومي، لا سيّما في قطاعات الصحّة والتربية والتعليم العالي· وقد بلغت حركات الإضراب التي دعت إليها النقابات المستقلة ذروتها في 2003 و2004، وتعلّقت لا سيّما بمطالب خاصّة بالأجور· لكن النقابات المستقلّة تشتكي اليوم من "نقص الاعتبار من قبل السلطة"، حيث أنه لم يتمّ إشراكها لا في المفاوضات ضمن الثنائية (حكومة-نقابة) ولا ضمن الثلاثية (حكومة-نقابة-أرباب عمل)، ويعتبرون أنه على مستوى الشراكة الاجتماعية والحوار الاجتماعي "لا تعترف السلطات العمومية في الحقيقة بأيّ من هذه النقابات كشريك اجتماعي"، وأن الشريك الوحيد المعترف به يبقى الاتحاد العام للعمّال الجزائريين "حتى وإن لم يكن لهذه لمنظّمة تمثيل في بعض القطاعات من الوظيف العمومي والقطاع العمومي الاقتصادي"· وأضاف نقابيون أن هذا الوضع يدلّ على غياب إرادة جعل التعدّد النقابي بمثابة جزء أساسي من المجتمع المدني"· ويعتبر السيّد إلياس مرابط من نقابة ممارسي الصحّة العمومية أن التعدّدية النقابية "تعدّ واقعا حقيقيا وأضحى ممارسة يومية منذ سنة 2000، بيد أن النقابات المستقلّة تجد نفسها في المرتبة الثانية كون السلطات العمومية ترفض أن تعتبرها بمثابة شركاء"، ويرى أن النقابات المستقلّة "فرضت نفسها وأثبتت قدرتها على التجنيد ونجاعتها وتمثيلها، لا سيّما في الوظيف العمومي والإدارة بشكل عام"، وأضاف أن "استمرار الإضرابات في قطاع الصحّة أثبت أنه لا يمكن التفاوض بشأن السّلم الاجتماعي في قطاع الوظيف العمومي سوى مع النقابات المستقلة"، وأردف يقول: "مطالبنا مقبولة شكلا ومرفوضة مضمونا"، مضيفا أن النقابات المستقلّة "ستضفي مصداقية أكبر" على الثلاثية· ويعتبر القانون 14-90 في مادته 35 المنظّمات النقابية للعمال التي تضمّ على الأقل 20 بالمائة من مجموع الأجراء أو على الاقل 20 بالمائة من لجنة المساهمة إذا ما كانت موجودة في الهيئة المشغّلة تمثيلية· كما ذكر النقابيون "العراقيل" و"المزايدات" وكذا "المضايقات" التي تصعّب من نشاط النقابات المستقلّة التي لا "تستفيد في معظمها من الدّعم المكرّس في التنظيم الساري المفعول"· وأشار النقابيون إلى أن 80 بالمائة من عمّال الوظيف العمومي ينتمون إلى النقابات المستقلّة، ويتساءلون إذا ما كان من شأن هذه التمثيلية المفترضة ضمان "اعتراف السلطات العمومية التي تراها على أنها نقابات لهئيات مهنية"·