تزور مغارة بني سلامة بفرندة وترصد: مهد مقدمة ابن خلدون يستغيث لإنقاذه * تاغزوت إرث حضاري يشكو من الإهمال والتسيّب يقول ابن خلدون في مقدمته: واكتملت المقدمة على هذا النحو الغريب الذي اهتديت اليه في تلك الخلوة ... نعم انها الخلوة التي شهدت ميلاد أولى لبنات علم الاجتماع البشري على يد أكبر جهابذة القرن 14م ولي الدين عبد الرحمان بن خلدون في خلوته بالمغارة التي أصبحت تحمل اسمه مغارة ابن خلدون أو خلوة ابن خلدون على السجال الذي كان ومازال قائما بين المؤرخين حول تسميتها مغارة أو خلوة. روبورتاج : عبد الحليم بن ساسي مغارة تاغزوت أو تاوغزوت بقلعة بني سلامة الواقعة في دائرة فرندة البعيدة عن عاصمة ولاية تيارت ب 50 كلم غربا وتقع قلعة بني سلامة التي أنشأها الرومان ولم يبق منها إلا آثار قليلة بفعل عوامل كثيرة أبرزها الإنسان الذي أنجز دون مبالاة على أنقاضها قرية تأخذ حاليا اسم قرية بني سلامة نسبة إلى الابن الأكبر لقائد الجند لقبيلة أولاد عريف والتي بها ضريح سيدي خالد وتنتشر بها مغارات عدة تعرف بموقع ترناش الذي توجد به نقوش صخرية تشهد على أنه كان موطنا مفضلا للسكن منذ فجر التاريخ وإحدى هذه المغارات احتضنت العلامة ابن خلدون. تحولت قلعة بني سلامة و نزمار بني عريف بعد أن اقتلعها له السلطان المريني أبو عنان عند استيلائه على المغرب الأوسط و محاصرته لمدينة تلمسان ( 753ه / 1352م ) فاعتنى بها ابنه أبو بكر ابن عريف و بنى بها قصره الذي نزل به ابن خلدون و قد سجل ابن خلدون ذلك قائلا : التحقت بأحياء أولاد عريف قبالة جبل كزول فتلقوني بتحفي و الكرامة و أقمت بينهم أياما حتى بعثوا علي أهلي وولدي بتلمسان وأحسنوا العذر إلى السلطان عني في العجز عن قضاء خدمته و أنزلوني بأهلي في قلعة بني سلامة من بلاد توجين التي صارت لهم بإقطاع السلطان . القلعة ...إبداع الخالق وأقيمت قلعة بني سلامة أو تاغزوت على هضبة تطل على سهل التات ذلك المرج الأخضر الذي لا ينتهي إلا عند زرقة السماء وفي وسطه بركة ماء كبيرة تنعكس عليها تلك الزرقة وعلى أرضية السهل رسمت أشكال وألوان تعكس إبداعية الخالق في كونه فكان ذلك المرج مرآة تعكس كل شيء أما دوره لبني البشر فقد كان معبرا لشتى القوافل من عرب وبربر الأمر الذي وفر لابن خلدون إمكانية التعرف على أخبار الناس والحكام مما جعله يدرس الظاهرة الاجتماعية للمغرب الإسلامي ويخضعها للمراقبة وتعتبر المغارة التي يعود عمرها إلى ما قبل الميلاد والتي سكنها الإنسان إلى غاية فجر التاريخ عتبة لذلك السهل. يقول عمار محمودي أستاذ الأنتروبولوجيا بجامعة تيارت والمدير الأسبق لمكتبة جاك بيرك صديق العرب و المسلمين بفرندة موجودة منذ القدم فقد سكنتها قبائل بربرية منذ القرن الثاني قبل الميلاد كما حل بمنطقة الرومان الذين شيدوا قلعة بني سلامة لحاجتهم العسكرية في القرن 11 استوطن القرية وما حولها قبيلة بني عريف الهلالية . بني سلامة خلوة ابن خلدون لأربع سنوات ويقول المؤرخ البريطاني آرلوند توينبي: إن ابن خلدون قدم للفكر البشري فلسفة للتاريخ تعد أعظم عمل لم يسبق أن أنجزه عقل بشري في أي زمن وأي مكان من قبل ولا أحد ينكر مكانة ابن خلدون في علم الإجتماع والعمران وفضله على البشرية والغرب يشهد على ذلك قبل المسلمين وكانت المغارة مكانة خلوته المفضلة على مدى أربع سنوات أي من 1375 م إلى 1379 م هربا من عيون ملوك تلمسان متوجها إلى مدينة بسكرة وطابت إقامة ابن خلدون بقصر قلعة بني سلامة الذي وصف بأنه: من أحفل المساكن و أوثقها ثم مالت نفسه إلى الخروج من عزلته وإلى تجديد الصلة بالمناخ العلمي والحياة الاجتماعية وهزه الحنين إلى زيارة مسقط رأسه ومرتع صباه مدينة تونس ويضيف حمودي في حديثه للعربية نت : والظاهر أن نفسية ابن خلدون المضطربة هي التي أثرت فيه وساهمت في ميلاد كتاب المقدمة كمقدمة لمؤلفه الضخم ( كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر لأيام العرب و العجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ) و قد اعتبرت المقدمة لاحقا مؤلفا منفصلا ذا طابع موسوعي إذ تناول فيه ابن خلدون جميع ميادين المعرفة من الشريعة ولتاريخ والجغرافيا والاقتصاد و عمران و الاجتماع و السياسة و الطب و الذي يحكي في بعضه عن علاقة الحاكم بالمحكوم حسب المتحدث و يقول محمودي الذي يتكفل بتنظيم زيارات دورية لمغارة ابن خلدون أن الشغوفين بفكر هذا العلامة يأتون لزيارة هذه المغارة و تجدهم لا يكلون مع أخذ الصور التذكارية داخل المغارة و في قلعة بني سلامة حيث أقام المغارة ...تاريخ وصيت عالمي. وتتألف مغارة ابن خلدون من مغارة رئيسية ترتبط بغرف صغيرة داخلها إضافة إلى 3 مغارات أصغر في جوارها و يقول خالد ملياني الباحث في التاريخ بمركز الدراسات الخلدونية الذي تأسس في عمان بالأردن عام 2006 بمناسة مرور 600 سنة على وفاة ابن خلدون إن منطقة بني سلامة بولاية تيارت تظم 3 مغارات متجاورة اتخذ العلامة من إحداها مكانا لكتابة مقدمته و جزءا من كتاب العبر وهذا بصريح ما كشف عنه ابن خلدون نفسه ... خطى متسارعة شوقا لتاغزوت اتفقت مع بعض أصدقائي لإقامة رحلة إلى تاغزوت و حددنا يوم الرحلة الذي كان يوم خميس وفي ذلك اليوم المحدد خرجت من منزلي باكرا وكانت الحافلة بانتظاري كان ذلك اليوم باردا جدا بعد مرور ساعة ونصف تقريبا كنا بقلعة بني سلامة وأول ما يلفت انتباهك هو سهل التات كبساط اخضر مزركش بألوان مختلفة تعكس إبداعية الخالق في كونه.. تقدمت نحو المغارة ودخلت اليها و قلت في نفسي هنا ولد علم الاجتماع. تجولنا بعدها حول المغارة ولم ألاحظ أي حارس لها أو أي شخص قائم عليها وذا من غريب الأمور كيف بمعلم مثل هذا لا يحاط بحراس واعوان لاستقبال الزائرين وتوجيههم. تصنيف المغارة في التراث الوطني والعالمي لقد احتل ابن خلدون مكانة مرموقة في سجل التاريخ بعلمه وأفكاره وأبقى ذكراه حية لدى الأجيال و مكانته محفوظة في سجل التاريخ الفكري العربي بما سجله من آراء ومفاهيم تاريخية لقد صنفت فرنسا المغارة في القرن 19 كمعلم طبيعي وهي تعرف أن الأمر يتعلق بمعلم تاريخي وهي تعرف أيضا مكانة ابن خلدون في الجامعات الإسلامية والأوروبية تعرف أيضا السجال الذي كان دائرا في أوساط الطلبة والجامعات و واضر العلم عمن أحق بالسبق في التأسيس لعلم الاجتماع هل هو ابن خلدون أم العالم الأوروبي دور كايم ؟ و قد صنفتها الجزائر كمعلم تراثي وطني منذ 1968 تمديدا لتصنيفها كمعلم طبيعي في عهد الاستعمار حيث صدر القانون في ذلك الشأن سنة 1947 م و هي الآن مصنفة وطنيا و عالميا و يأتيها السياح من كل حدب و صوب وخاصة الشغوفين بفكر العلامة ابن خلدون. من يرد الاعتبار لمعتكف ابن خلدون؟ من أين نبدأ؟ أو ما هي الكلمات التي ستنصف معتكف ابن خلدون ؟ لم تحظ المغارة بعناية تليق بقيمتها التاريخية باعتبارها مسكن ابن خلدون فحالتها مزرية لدرجة أنك إذا وقفت أمامها لا تحس أنك أمام مكان تاريخي عظيم فالمنطقة معزولة وتعاني الفقر والحرمان في غياب بعض ضروريات الحياة كما يقول سكانها أما المغارة فحدث ولا حرج فالمكان أصبح عرضة للإهمال فإحدى الغرف الجانبية منها قد تآكلت وفقدت سقفها نتيجة العوامل الطبيعية في حين يعاني المكان من مياه قذرة تنبع من القرية وفضلات الزوار فالنظافة شرط منعدم حتى حاويات القمامة معدومة ولا قائم عليها يصونها بمعنى آخر هي متروكة للعراء و لكلاب لتبيت فيها كغيرها من المواقع الأثرية في الجزائر التي تعاني من اللامبالاة والاهمال في حين أن دول العالم تحمي ممتلكاتها الأثرية وتعتني بها ومن بين المشاكل التي تعاني منها تلك المغارة هي صعوبة التنقل إليها بسبب قلة حافلات النقل و الطريق المهترىء الذي يجعلها معزولة دون أن ننسى أن قرية تاغزوت قرية صغيرة تعاني من الحرمان فحتى أدنى الخدمات غير متوفرة فالمنطقة تحتاج إلى مرافق ضرورية لاستقبال السياح القادمين من بعيد مع توفير مرشدين سياحيين وكذلك تنظيم رحلات للمغارة من شتى ربوع الوطن حتى يتعرف الشباب وخاصة طلاب العلم منهم على تاريخ المغارة ويقفون على آثارها التاريخية. دعوات إلى الاهتمام بالمغارة قد تعددت الدعوات من مختلف الشرائح المثقفة والمهتمة بتاريخ وطنها وآثاره فقد كتب أمين الزاوي مقالا دعا فيه إلى إنقاذ هذه المغارة ومما قاله: لقد كان التاريخ سخيا اتجاه هذه المنطقة بأن وهبها ابن خلدون الذي استقر بها متأملا في عزلة ويقول الأستاذ معمر بابو باحث مهتم بالتاريخ ومسؤول سابق عن الثقافة بولاية تيارت أعددنا ملفا مفصلا بهذا الموضوع وسلمناه إلى من يهمه الأمر و عدة شخصيات برلمانية و مسؤولي الوكالة الوطنية للآثار لإعادة تصنيف المعلم من الطبيعي إلى معلم تاريخي ذو بعد عالمي ترعاه منظمة اليونسكو ولكن لاشيء التمسناه و يضيف بابو : هناك من لا يريد صراحة ترقية المعلم إلى معلم إنساني ذو بعد عالمي و يرجع السبب إلى اعتبارات قارية و معايير استعمارية لازالت تصنف العالم العربي الإسلامي تصنيفا دونيا لا ترقى هامته و يضيف : لا أتصور أن يكون مزار ولادة أكبر مؤلف و أهم نظرية في علم الاجتماع مجهولا من طرف المثقفين و كثير من طلبتنا حتى الذين يدرسون علم الآثار و التاريخ و قال عز الدين ميهوبي وزير الثقافة بعد زيارته للمغارة : لا شك أن هذه الخلوة هي بصمة في تاريخ المنطقة مرتبطة بأعظم كتاب و عصارة فكر العلامة ابن خلدون الذي كان في هذه الخلوة و لهذا يجب أن تأخذ الخلوة مكانها كقيمة تاريخية و يجب الاهتمام بها وجعلها مزارا سياحيا و علينا أن نعمل على الترويج لها لأنها مرتبطة بابن خلدون و المقدمة أولا و أخيرا . دون أن ننسى المشروع الثقافي المهم و الحضاري و الذي يعد أكبر خطوة من أجل إنعاش و فك الحصار الثقافي عن المغارة و كان يعول عليه و هو المشروع الذي رأى النور سنة 2003 و المتمثل في إنشاء مركز الدراسات الخلدونية و هذا المشروع قد علقت عليه آمال كبيرة من حماية للمغارة من جهة و للتعريف بها بين أوساط المثقفين أولا و العامة ثانيا سواء من داخل الجزائر أو من خارجها للمشتغلين حول ابن خلدون و المتواجدين في كل أصقاع العالم و لإعطاء المكان نفسا جديدا من دفع عجلة الثقافة فمن دون شك بمثل هذه المؤسسات يؤسس الاستقرار الحضاري و الديمغرافي لكن كل هذه الصيحات التي ملأت حناجر الغيورين على رموز تراثنا المجيد لم تلق أي صدى أو حتى مستمع يصغي لها على الأقل و كأن لسان حالنا يقول : و لو ناديت لأسمعت حيا و لكن لا حياة لمن تنادي رغم أن المشرع الجزائري نظم تأسيس حماية الممتلكات الثقافية من خلال القانون رقم 04-98 المؤرخ في 16-06-1998 و لكن التنظير يبقى دون تطبيق فها نحن في 2018 بعد عشرين سنة من سن هذا القانون و لم يطرأ أي جديد على المغارة أو أن هذا القانون لم يشملها ؟؟ الرموز التراثية تبقى فخرا وملخص القول هو انتكاسة رأس تصاحبها دمعة حسرة على اغتيال رموزنا التراثية و الحضارية و معالمنا التي لابد أن تكون لنا فخرا و مجدا يتوارثه الخلف عن السلف فإن ما نراه من تهميش لهذه المغارة ينبئ عن شيء واحد و وحيد هو جهلنا بمكانة ابن خلدون لأن تشريف المكان من تشريف من كان يقطنه وحين يتحقق هذا الوعي بمكانتهم سنعمل بجد على إعطاءها المكانة التي تستحق و لكن السؤال الذي يطرح نفسه متى يتحقق هذا الوعي ؟ و لعل البعض لا يدرك خطورة هجر علماءنا و كتابنا و اغتيال إرثهم لأن هذه الأماكن الرمزية جزء من تاريخ الإنسانية جمعاء والتي تتواجد على أرضنا الجزائر الطيبة و لعل كلما يردده من يزور المغارة قائلا ( لو كانت هذه المغارة في احدى الدول الغربية لأصبحت كعبتهم يحج إليها الشغوفون بفكر هذا العلامة وهكذا فإن مكانة ابن خلدون العلمية لم تشفع للاهتمام بالمهد الذي ولدت فيه أفكاره.